الجمعة، 4 ديسمبر 2015

مختارات من مدارج السالكين، المجلد الثاني، ت بشير عيون، النص من المكتبة الشاملة



- لَا يَسْتَحِقُّ الْعَبْدُ اسْمَ الزُّهْدِ حَتَّى يَزْهَدَ فِيهَا. وَهِيَ الْمَالُ، وَالصُّوَرُ، وَالرِّيَاسَةُ، وَالنَّاسُ، وَالنَّفْسُ، وَكُلُّ مَا دُونُ اللَّهِ.21

- وَمِنْ أَحْسَنِ مَا قِيلَ فِي الزُّهْدِ، كَلَامُ الْحَسَنِ أَوْ غَيْرِهِ: «لَيْسَ الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا بِتَحْرِيمِ الْحَلَالِ، وَلَا إِضَاعَةِ الْمَالِ. وَلَكِنْ أَنْ تَكُونَ بِمَا فِي يَدِ اللَّهِ أَوْثَقُ مِنْكَ بِمَا فِي يَدِكَ، وَأَنْ تَكُونَ فِي ثَوَابِ الْمُصِيبَةِ - إِذَا أُصِبْتَ بِهَا - أَرْغَبُ مِنْكَ فِيهَا لَوْ لَمْ تُصِبْكَ» . فَهَذَا مِنْ أَجْمَعِ كَلَامٍ فِي الزُّهْدِ وَأَحْسَنِهِ.21

- ثياب المرء في المنام تدل على قلبه وحاله .29

- وَقِيلَ: مَنْ شَهِدَ فِي إِخْلَاصِهِ الْإِخْلَاصَ، احْتَاجَ إِخْلَاصُهُ إِلَى إِخْلَاصٍ. فَنُقْصَانُ كُلِّ مُخْلِصٍ فِي إِخْلَاصِهِ: بِقَدْرِ رُؤْيَةِ إِخْلَاصِهِ. فَإِذَا سَقَطَ عَنْ نَفْسِهِ رُؤْيَةُ الْإِخْلَاصِ، صَارَ مُخْلِصًا مُخْلَصًا.99

- وَعَلَى قَدْرِ تَجْرِيدِ التَّوْحِيدِ تَكُونُ صِحَّةُ التَّوَكُّلِ، فَإِنَّ الْعَبْدَ مَتَى الْتَفَتَ إِلَى غَيْرِ اللَّهِ أَخَذَ ذَلِكَ الِالْتِفَاتُ شُعْبَةً مِنْ شُعَبِ قَلْبِهِ. فَنَقَصَ مِنْ تَوَكُّلِهِ عَلَى اللَّهِ بِقَدْرِ ذَهَابِ تِلْكَ الشُّعْبَةِ وَمِنْ هَاهُنَا ظَنَّ مَنْ ظَنَّ أَنَّ التَّوَكُّلَ لَا يَصِحُّ إِلَّا بِرَفْضِ الْأَسْبَابِ. وَهَذَا حَقٌّ. لَكِنَّ رَفْضَهَا عَنِ الْقَلْبِ لَا عَنِ الْجَوَارِحِ. فَالتَّوَكُّلُ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِرَفْضِ الْأَسْبَابِ عَنِ الْقَلْبِ، وَتَعَلُّقِ الْجَوَارِحِ بِهَا. فَيَكُونُ مُنْقَطِعًا مِنْهَا مُتَّصِلًا بِهَا.
127

- وَسَمِعْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ - قَدَّسَ اللَّهُ رَوْحَهُ - يَقُولُ: كَانَ صَبْرُ يُوسُفَ عَنْ مُطَاوَعَةِ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ عَلَى شَأْنِهَا: أَكْمَلُ مِنْ صَبْرِهِ عَلَى إِلْقَاءِ إِخْوَتِهِ لَهُ فِي الْجُبِّ، وَبَيْعِهِ وَتَفْرِيقِهِمْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِيهِ. فَإِنَّ هَذِهِ أُمُورٌ جَرَتْ عَلَيْهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، لَا كَسْبَ لَهُ فِيهَا، لَيْسَ لِلْعَبْدِ فِيهَا حِيلَةٌ غَيْرَ الصَّبْرِ، وَأَمَّا صَبْرُهُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ: فَصَبْرُ اخْتِيَارٍ وَرِضًا وَمُحَارَبَةٍ لِلنَّفْسِ. وَلَا سِيَّمَا مَعَ الْأَسْبَابِ الَّتِي تَقْوَى مَعَهَا دَوَاعِي الْمُوَافَقَةِ. فَإِنَّهُ كَانَ شَابًّا، وَدَاعِيَةُ الشَّبَابِ إِلَيْهَا قَوِيَّةٌ. وَعَزَبًا لَيْسَ لَهُ مَا يُعَوِّضُهُ وَيَرُدُّ شَهْوَتَهُ. وَغَرِيبًا، وَالْغَرِيبُ لَا يَسْتَحِي فِي بَلَدِ غُرْبَتِهِ مِمَّا يَسْتَحِي مِنْهُ مَنْ بَيْنَ أَصْحَابِهِ وَمَعَارِفِهِ وَأَهْلِهِ. وَمَمْلُوكًا، وَالْمَمْلُوكُ أَيْضًا لَيْسَ وَازِعُهُ كَوَازِعِ الْحُرِّ. وَالْمَرْأَةُ جَمِيلَةٌ، وَذَاتُ مَنْصِبٍ. وَهِيَ سَيِّدَتُهُ. وَقَدْ غَابَ الرَّقِيبُ. وَهِيَ الدَّاعِيَةُ لَهُ إِلَى نَفْسِهَا. وَالْحَرِيصَةُ عَلَى ذَلِكَ أَشَدَّ الْحِرْصِ، وَمَعَ ذَلِكَ تَوَعَّدَتْهُ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ بِالسِّجْنِ وَالصَّغَارِ. وَمَعَ هَذِهِ الدَّوَاعِي كُلِّهَا صَبَرَ اخْتِيَارًا، وَإِيثَارًا لِمَا عِنْدَ اللَّهِ. وَأَيْنَ هَذَا مِنْ صَبْرِهِ فِي الْجُبِّ عَلَى مَا لَيْسَ مِنْ كَسْبِهِ؟

وَكَانَ يَقُولُ: الصَّبْرُ عَلَى أَدَاءِ الطَّاعَاتِ: أَكْمَلُ مِنَ الصَّبْرِ عَلَى اجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ وَأَفْضَلُ; فَإِنَّ مَصْلَحَةَ فِعْلِ الطَّاعَةِ أَحَبُّ إِلَى الشَّارِعِ مِنْ مَصْلَحَةِ تَرْكِ الْمَعْصِيَةِ. وَمُفْسِدَةُ عَدَمِ الطَّاعَةِ: أَبْغَضُ إِلَيْهِ وَأَكْرَهُ مِنْ مَفْسَدَةِ وُجُودِ الْمَعْصِيَةِ.
وَلَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي ذَلِكَ مُصَنَّفٌ قَرَّرَهُ فِيهِ بِنَحْوٍ مِنْ عِشْرِينَ وَجْهًا. لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ ذِكْرِهَا.164
 - مما يعين على الصبر على البلاء انتظار روح الفرج ، قال ابن القيم رحمه الله روح الفرج : يَعْنِي رَاحَتَهُ وَنَسِيمَهُ وَلَذَّتَهُ. فَإِنَّ انْتِظَارَهُ وَمُطَالَعَتَهُ وَتَرَقُّبَهُ يُخَفِّفُ حَمْلَ الْمَشَقَّةِ. وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ قُوَّةِ الرَّجَاءِ. أَوِ الْقَطْعِ بِالْفَرَجِ. فَإِنَّهُ يَجِدُ فِي حَشْوِ الْبَلَاءِ مِنْ رُوحِ الْفَرَجِ وَنَسِيمِهِ وَرَاحَتِهِ: مَا هُوَ مِنْ خَفِيِّ الْأَلْطَافِ، وَمَا هُوَ فَرَجٌ مُعَجَّلٌ. وَبِهِ - وَبِغَيْرِهِ - يُفْهَمُ مَعْنَى اسْمِهِ اللَّطِيفِ.174-175

- شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يرى استحباب الرضى ،ولا يرى وجوبه ،191،179

- وليس من شرط الرضى ألا يحس بالألم والمكاره، بل ألا يعترض على الحكم ولا يتسخطه، 183

- وَأَمَّا الرِّضَا بِقَضَائِهِ: فَأَكْثَرُ النَّاسِ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ. وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ. وَقِيلَ: بَلْ هُوَ وَاجِبٌ، وَهُمَا قَوْلَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ، فَالْفَرْقُ بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ فَرْقُ مَا بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّدْبِ.191

- {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} فَالتَّحْكِيمُ: فِي مَقَامِ الْإِسْلَامِ. وَانْتِفَاءُ الْحَرَجِ: فِي مَقَامِ الْإِيمَانِ. وَالتَّسْلِيمُ: فِي مَقَامِ الْإِحْسَانِ.199-200

- من الحكم في خلق الشر أن تظهر للعباد قدرة الله تعالى على خلق المتضادات. 201-210

- وَلَيْسَ الشَّأْنُ فِي الرِّضَا بِالْقَضَاءِ الْمُلَازِمِ لِلطَّبِيعَةِ. إِنَّمَا الشَّأْنُ فِي الْقَضَاءِ الْمُؤْلِمِ الْمُنَافِرِ لِلطَّبْعِ.212

- من فوائد الرضى بقضاء الله تعالى السكينة .213

- التَّحْقِيقُ: أَنْ قَلْبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّسَعَ لِتَكْمِيلِ جَمِيعِ الْمَرَاتِبِ، مِنَ الرِّضَا عَنِ اللَّهِ، وَالْبُكَاءِ رَحْمَةً لِلصَّبِيِّ. فَكَانَ لَهُ مَقَامُ الرِّضَا، وَمَقَامُ الرَّحْمَةِ وَرِقَّةُ الْقَلْبِ. وَالْفُضَيْلُ لَمْ يَتَّسِعْ قَلْبُهُ لِمَقَامِ الرِّضَا وَمَقَامِ الرَّحْمَةِ.216

- (عدلٌ في قضاؤك ) يعم قضاء الذنب، وقضاء أثره وعقوبته. 219

- أعمال الجوارح تضاعف إلى حد معلوم لأن لها حد تنتهي إليه، أما أعمال القلوب فهي دائمة متصلة.233


 - قال رحمه الله في منزلة الصدق : (فَإِنَّ قَلْبَ الصَّادِقِ قَوِيُّ الْإِحْسَاسِ. فَيَجِدُ الْغَيْرِيَّةَ وَالْأَجْنَبِيَّةَ مِنَ الضِّدِّ. وَيَشَمُّ الْقَلْبُ الْقَلْبَ كَمَا يَشَمُّ الرَّائِحَةَ الْخَبِيثَةَ. فَيَزْوِي وَجْهَهُ لِذَلِكَ. وَيَعْتَرِيهِ عُبُوسٌ. فَلَا يَأْنَسُ بِهِ إِلَّا تَكَلُّفًا. وَلَا يُصَاحِبُهُ إِلَّا ضَرُورَةً. فَيَأْخُذُ مِنْ صُحْبَتِهِ قَدْرَ الْحَاجَةِ، كَصُحْبَةِ مَنْ يَشْتَرِي مِنْهُ، أَوْ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي مَصَالِحِهِ.286

 - وَلِكُلِّ مَرْتَبَةٍ مِنْ مَرَاتِبِ الْجُودِ مَزِيدٌ وَتَأْثِيرٌ خَاصٌّ فِي الْقَلْبِ وَالْحَالِ. وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ ضَمِنَ الْمَزِيدَ لِلْجَوَادِ، وَالْإِتْلَافَ لِلْمُمْسِكِ.301

- أعظم معين على إيثار رضى الله تعالى أمران : الزُّهْدُ فِي الْحَيَاةِ وَالثَّنَاءُ. وَمِلَاكُ هَذَيْنِ الشَّيْئَيْنِ بِشَيْئَيْنِ: صِحَّةِ الْيَقِينِ. وَقُوَّةِ الْمَحَبَّةِ.
وَمِلَاكُ هَذَيْنِ بِشَيْئَيْنِ أَيْضًا: بِصِدْقِ اللَّجَأِ وَالطَّلَبِ، وَالتَّصَدِّي لِلْأَسْبَابِ الْمُوصِلَةِ إِلَيْهِمَا.306


- وَحُسْنُ الْخُلُقِ يَقُومُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَرْكَان ، لَا يُتَصَوَّرُ قِيَامُ سَاقِهِ إِلَّا عَلَيْهَا: الصَّبْرُ، وَالْعِفَّةُ، وَالشَّجَاعَةُ، وَالْعَدْلُ.
وَمَنْشَأُ جَمِيعِ الْأَخْلَاقِ السَّافِلَةِ، وَبِنَاؤُهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَرْكَانٍ: الْجَهْلُ. وَالظُّلْمُ. وَالشَّهْوَةُ. وَالْغَضَبُ.312-313


- للعبد أحد عشر مشهدا فيما يصيبه من أذى الخلق :
الرضى بالقدر
الصبر
العفو والحلم
الرضى، وهو فوق الحلم
الإحسان ، وهو فوق الرضى
السلامة وبرد القلب
الأمن
الجهاد
النعمة، أن جعله مظلوما لا ظالما ، ونعمة التكفير بهذا الأذى إلى غيرها
الأسوة بالرسل
التوحيد . 325-331

- فتوة التغافل أرفع من فتوة الكتمان مع الرؤية. 351

- وَقِيلَ: مِنْ صِفَاتِ الْمُرِيدِ: التَّحَبُّبُ إِلَى اللَّهِ بِالنَّوَافِلِ، وَالْإِخْلَاصُ فِي نَصِيحَةِ الْأُمَّةِ، وَالْأُنْسُ بِالْخَلْوَةِ، وَالصَّبْرُ عَلَى مُقَاسَاةِ الْأَحْكَامِ، وَالْإِيثَارُ لِأَمْرِهِ، وَالْحَيَاءُ مِنْ نَظَرِهِ، وَبَذْلُ الْمَجْهُودِ فِي مَحْبُوبِهِ. وَالتَّعَرُّضُ لِكُلِّ سَبَبٍ يُوصِّلُ إِلَيْهِ. وَالْقَنَاعَةُ بِالْخُمُولِ. وَعَدَمُ قَرَارِ الْقَلْبِ حَتَّى يَصِلَ إِلَى وَلِيِّهِ وَمَعْبُودِهِ. 369
 - وَقَدْ يَهْجُمُ عَلَى قَلْبِ السَّالِكِ قَبْضٌ لَا يَدْرِي مَا سَبَبُهُ. وَبَسْطٌ لَا يَدْرِي مَا سَبَبُهُ. وَحُكْمُ صَاحِبِ هَذَا الْقَبْضِ: أَمْرَانِ.

 الْأَوَّلُ: التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ. لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَبْضَ نَتِيجَةُ جِنَايَةٍ. أَوْ جَفْوَةٍ. وَلَا يَشْعُرُ بِهَا.

 وَالثَّانِي: الِاسْتِسْلَامُ حَتَّى يَمْضِيَ عَنْهُ ذَلِكَ الْوَقْتُ، وَلَا يَتَكَلَّفُ دَفْعَهُ. وَلَا يَسْتَقْبِلُ وَقْتَهُ مُغَالَبَةً وَقَهْرًا. وَلَا يَطْلُبُ طُلُوعَ الْفَجْرِ فِي وَسَطِ اللَّيْلِ، وَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَمْضِيَ عَامَّةُ اللَّيْلِ. وَيَحِينَ طُلُوعُ الْفَجْرِ. وَانْقِشَاعُ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ. بَلْ يَصْبِرَ حَتَّى يَهْجُمَ عَلَيْهِ الْمَلِكُ. فَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ.

 وَكَذَلِكَ إِذَا هَجَمَ عَلَيْهِ وَارِدُ الْبَسْطِ: فَلْيَحْذَرْ كُلَّ الْحَذَرِ مِنَ الْحَرَكَةِ وَالِاهْتِزَازِ. وَلْيُحْرِزْهُ بِالسُّكُونِ وَالِانْكِمَاشِ. فَالْعَاقِلُ يَقِفُ عَلَى الْبِسَاطِ، وَيَحْذَرُ مِنْ الِانْبِسَاطِ، وَهَذَا

شَأْنُ عُقَلَاءِ أَهْلِ الدُّنْيَا وَرُؤَسَائِهِمْ: إِذَا مَا وَرَدَ عَلَيْهِمْ مَا يَسُرُّهُمْ وَيُبْسِطُهُمْ وَيُهَيِّجُ أَفْرَاحَهُمْ، قَابَلُوهُ بِالسُّكُونِ وَالثَّبَاتِ وَالِاسْتِقْرَارِ، حَتَّى كَأَنَّهُ لَمْ يَهْجُمْ عَلَيْهِمْ. وَقَالَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ فِي مَدْحِ الْمُهَاجِرِينَ:

 لَيْسُوا مَفَارِيحَ إِنْ نَالَتْ رِمَاحُهُمُ ... قَوْمًا. وَلَيْسُوا مَجَازِيعًا إِذَا نِيلُوا

378

- وَقَالَ ابْنُ مُبَارَكٍ: نَحْنُ إِلَى قَلِيلٍ مِنَ الْأَدَبِ أَحْوَجُ مِنَّا إِلَى كَثِيرٍ مِنَ الْعِلْمِ.380
- قال ابن القيم : (الصواب أن التوكل ثمرة اليقين ونتيجته ) . 400

- قَالَ ذُو النُّونِ: الْيَقِينُ يَدْعُو إِلَى قَصْرِ الْأَمَلِ، وَقَصْرُ الْأَمَلِ يَدْعُو إِلَى الزُّهْدِ. وَالزُّهْدُ يُورِثُ الْحِكْمَةَ، وَهِيَ تُورِثُ النَّظَرَ فِي الْعَوَاقِبِ.400



- وَفِي أَثَرٍ إِلَهِيٍّ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: (إِنَّ عَبْدِي - كُلَّ عَبْدِيَ - الَّذِي يَذْكُرُنِي وَهُوَ مُلَاقٍ قِرْنَهُ) .
سَمِعْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ - يَسْتَشْهِدُ بِهِ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: الْمُحِبُّونَ يَفْتَخِرُونَ بِذِكْرِ مَنْ يُحِبُّونَهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ .426
 
 - الغفلة ترك بِاخْتِيَارِ الْغَافِلِ، وَالنِّسْيَانَ تَرْكٌ بغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} وَلَمْ يَقُلْ: وَلَا تَكُنْ مِنَ النَّاسِينَ، فَإِنَّ النِّسْيَانَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ التَّكْلِيفِ فَلَا يَنْهَى عَنْهُ.433

 
- قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -  : وَاتَّفَقَتْ كَلِمَةُ الْقَوْمِ عَلَى أَنَّ دَوَامَ الِافْتِقَارِ إِلَى اللَّهِ - مَعَ التَّخْلِيطِ - خَيْرٌ مِنْ دَوَامِ الصَّفَاءِ مَعَ رُؤْيَةِ النَّفْسِ وَالْعُجْبِ، مَعَ أَنَّهُ لَا صَفَاءَ مَعَهُمَا.441


- وَالْعَارِفُ الْبَصِيرُ يَجْعَلُ عِوَضَ مُجَاهَدَتِهِ لِنَفْسِهِ فِي تَرْكِ شَهْوَةٍ مُبَاحَةٍ: مُجَاهَدَتَهُ لِأَعْدَاءِ اللَّهِ مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ عَلَى الْقُلُوبِ.444

- وَمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: كَانَ فِي مَظْهَرِ الْجَلَالِ، وَلِهَذَا كَانَتْ شَرِيعَتُهُ شَرِيعَةَ جَلَالٍ وَقَهْرٍ. أُمِرُوا بِقَتْلِ نُفُوسِهِمْ، وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ، وَذَوَاتُ الظُّفُرِ وَغَيْرُهَا مِنَ الطَّيِّبَاتِ، وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الْغَنَائِمُ. وَعُجِّلَ لَهُمْ مِنَ الْعُقُوبَاتِ مَا عُجِّلَ وَحُمِّلُوا مِنَ الْآصَارِ وَالْأَغْلَالِ، مَا لَمْ يَحْمِلْهُ غَيْرُهُمْ.
 وَكَانَ مُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ أَعْظَمِ خَلْقِ اللَّهِ هَيْبَةً وَوَقَارًا. وَأَشَدِّهِمْ بَأْسًا وَغَضَبًا لِلَّهِ، وَبَطْشًا بِأَعْدَاءِ اللَّهِ، وَكَانَ لَا يُسْتَطَاعُ النَّظَرُ إِلَيْهِ.
وَعِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَانَ فِي مَظْهَرِ الْجَمَالِ. وَكَانَتْ شَرِيعَتُهُ شَرِيعَةَ فَضْلٍ وَإِحْسَانٍ. وَكَانَ لَا يُقَاتِلُ، وَلَا يُحَارِبُ. وَلَيْسَ فِي شَرِيعَتِهِ قِتَالٌ أَلْبَتَّةَ. وَالنَّصَارَى يُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ دِينُهُمُ الْقِتَالَ. وَهُمْ بِهِ عُصَاةٌ لِشَرْعِهِ. فَإِنَّ الْإِنْجِيلَ يَأْمُرُهُمْ فِيهِ: أَنَّ مِنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الْأَيْمَنِ، فَأَدِرْ لَهُ خَدَّكَ الْأَيْسَرَ. وَمَنْ نَازَعَكَ ثَوْبَكَ. فَأَعْطِهِ رِدَاءَكَ. وَمَنْ سَخَّرَكَ مِيلًا. فَامْشِ مَعَهُ مِيلَيْنِ. وَنَحْوَ هَذَا. وَلَيْسَ فِي شَرِيعَتِهِمْ مَشَقَّةٌ، وَلَا آصَارٌ، وَلَا أَغْلَالٌ، وَإِنَّمَا النَّصَارَى ابْتَدَعُوا تِلْكَ الرَّهْبَانِيَّةَ مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِمْ. وَلَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِمْ.456

 

- وَاتَّفَقَتِ الطَّائِفَةُ عَلَى أَنَّ مَنْ أَطْلَعَ النَّاسَ عَلَى حَالِهِ مَعَ اللَّهِ: فَقَدْ دَنَّسَ طَرِيقَتَهُ. إِلَّا لِحُجَّةٍ أَوْ حَاجَةٍ أَوْ ضَرُورَةٍ.459
 
- وَأَهْلُ هَذِهِ الطَّرِيق  يَقُولُونَ: إِنَّ الْوَارِدَ الَّذِي يَبْتَدِئُ الْعَبْدُ مِنْ جَانِبِهِ الْأَيْمَنِ وَالْهَوَاتِفَ وَالْخِطَابَ: يَكُونُ فِي الْغَالِبِ حَقًّا. وَالَّذِي يَبْتَدِئُ مِنَ الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ: يَكُونُ فِي الْغَالِبِ بَاطِلًا وَكَذِبًا. فَإِنَّ أَهْلَ الْيَمِينِ: هُمْ أَهْلُ الْحَقِّ. وَبِأَيْمَانِهِمْ يَأْخُذُونَ كُتُبَهُمْ. وَنُورُهُمُ الظَّاهِرُ عَلَى الصِّرَاطِ بِأَيْمَانِهِمْ. وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ، وَطَهُورِهِ وَشَأْنِهِ كُلِّهِ. وَاللَّهُ وَمَلَائِكَتُهُ يُصَلُّونَ عَلَى مَيَامِنِ الصُّفُوفِ. وَأَخْبَرَ أَنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ. وَحَظُّهُ مِنِ ابْنِ آدَمَ جِهَةُ الشِّمَالِ. وَلِهَذَا تَكُونُ الْيَدُ الشِّمَالِ لِلِاسْتِجْمَارِ، وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَالْأَذَى. وَيُبْدَأُ بِالرِّجْلِ الشِّمَالِ عِنْدَ دُخُولِ الْخَلَاءِ.

 وَمِنَ الْفُرْقَانِ أَيْضًا: أَنَّ كُلَّ وَارِدٍ يَبْقَى الْإِنْسَانُ بَعْدَ انْفِصَالِهِ نَشِيطًا مَسْرُورًا نَشْوَانًا: فَإِنَّهُ وَارِدٌ مَلَكِيٌّ، وَكُلُّ وَارِدٍ يُبْقِي الْإِنْسَانَ بَعْدَ انْفِصَالِهِ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ، ثَقِيلَ الْأَعْضَاءِ وَالرُّوحِ، يَجْنَحُ إِلَى فُتُورٍ - فَهُوَ وَارِدٌ شَيْطَانِيٌّ.

 وَمِنَ الْفُرْقَانِ أَيْضًا: أَنَّ كُلَّ وَارِدٍ أَعْقَبَ صَاحِبُهُ تَقَدُّمًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالدَّارِ الْآخِرَةِ، وَحُضُورًا فِيهَا، حَتَّى كَأَنَّهُ يُشَاهِدُ الْجَنَّةَ قَدْ أُزْلِفَتْ، وَالْجَحِيمَ قَدْ سُعِّرَتْ - فَهُوَ إِلَهِيٌّ مَلَكِيٌّ، وَخِلَافُهُ شَيْطَانِيٌّ نَفْسَانِيٌّ.
وَمِنَ الْفُرْقَانِ أَيْضًا: أَنَّ كُلَّ وَارِدٍ كَانَ سَبَبُهُ النَّصِيحَةَ فِي امْتِثَالِ الْأَمْرِ، وَالْإِخْلَاصِ وَالصِّدْقِ فِيهِ - فَهُوَ إِلَهِيٌّ مَلَكِيٌّ. وَإِلَّا فَهُوَ شَيْطَانِيٌّ.
وَمِنَ الْفُرْقَانِ أَيْضًا: أَنَّ كُلَّ وَارِدٍ اسْتَنَارَ بِهِ الْقَلْبُ، وَانْشَرَحَ لَهُ الصَّدْرُ، وَقَوِيَ بِهِ الْقَلْبُ - إِلَهِيٌّ مَلَكِيٌّ. وَإِلَّا فَهُوَ شَيْطَانِيٌّ.
وَمِنَ الْفُرْقَانِ أَيْضًا: أَنَّ كُلَّ وَارِدٍ جَمَعَكَ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ مِنْهُ. وَكُلَّ وَارِدٍ فَرَّقَكَ عَنْهُ، وَأَخَذَكَ عَنْهُ: فَمِنَ الشَّيْطَانِ.
وَمِنَ الْفُرْقَانِ أَيْضًا: أَنَّ الْوَارِدَ الْإِلَهِيِّ لَا يُصْرَفُ إِلَّا فِي قُرْبَةٍ وَطَاعَةٍ، وَلَا يَكُونُ سَبَبُهُ إِلَّا قُرْبَةً وَطَاعَةً، فَمُسْتَخْرِجُهُ الْأَمْرُ. وَمُصَرِّفُهُ الْأَمْرُ، وَالشَّيْطَانِيُّ بِخِلَافِهِ.

 وَمِنَ الْفُرْقَانِ أَيْضًا: أَنَّ الْوَارِدَ الرَّحْمَانِيَّ لَا يَتَنَاقَضُ، وَلَا يَتَفَاوَتُ وَلَا يَخْتَلِفُ. بَلْ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَالشَّيْطَانِيَّ بِخِلَافِهِ يُكَذِّبُ بَعْضُهُ بَعْضًا. وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.460-461

- وَرُوِّينَا عَنِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: طَلَبُ الْعِلْمِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ النَّافِلَةِ.
وَنَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: كُنْتُ بَيْنَ يَدِي مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. فَوَضَعْتُ أَلْوَاحِي وَقُمْتُ أُصَلِّي. فَقَالَ: مَا الَّذِي قُمْتَ إِلَيْهِ بِأَفْضَلَ مِمَّا قُمْتَ عَنْهُ ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ.468

- فَالْحِكْمَةُ إِذًا: فِعْلُ مَا يَنْبَغِي، عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَنْبَغِي، فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَنْبَغِي.476

- (ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) المقصود به القرآن ، وكذلك قوله تعالى : ( ومن يعش عن ذكر الرحمن ) الآية ، و ( ومن أعرض عن ذكري ..) الآية .508-509

- الطمأنينة أعم من السكينة ، وذكر فروقا أخرى .510

- قال - رحمه الله تعالى -  في ذكره لتعاريف المحبة : الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: ( سُكْرٌ لَا يَصْحُو صَاحِبُهُ إِلَّا بِمُشَاهَدَةِ مَحْبُوبِهِ. ثُمَّ السُّكْرُ الَّذِي يَحْصُلُ عِنْدَ الْمُشَاهَدَةِ لَا يُوصَفُ، وَأَنْشَدَ:
فَأَسْكَرَ الْقَوْمَ دَوْرُ الْكَأْسِ بَيْنَهُمْ ... لَكِنَّ سُكْرِي نَشَا مِنْ رُؤْيَةِ السَّاقِي) .
قال ابن القيم - رحمه الله تعالى - : وَيَنْبَغِي صَوْنُ الْمَحَبَّةِ وَالْحَبِيبِ عَنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ، الَّتِي غَايَةُ صَاحِبِهَا: أَنْ يُعْذَرَ بِصِدْقِهِ وَغَلَبَةِ الْوَارِدِ عَلَيْهِ، وَقَهْرِهِ لَهُ. فَمَحَبَّةُ اللَّهِ أَعْلَى وَأَجَلُّ مِنْ أَنْ تُضْرَبَ لَهَا هَذِهِ الْأَمْثَالُ، وَتُجْعَلَ عُرْضَةً لِلْأَفْوَاهِ الْمُتَلَوِّثَةِ، وَالْأَلْفَاظِ الْمُبْتَدَعَةِ، وَلَكِنَّ الصَّادِقَ فِي خِفَارَةِ صِدْقِهِ.527
- وَهَذَا النُّورُ كَالشَّمْسِ فِي قُلُوبِ الْمُقَرَّبِينَ السَّابِقِينَ، وَكَالْبَدْرِ فِي قُلُوبِ الْأَبْرَارِ أَصْحَابِ الْيَمِينِ، وَكَالنَّجْمِ فِي قُلُوبِ عَامَّةِ الْمُؤْمِنِينَ. 549




  

 
 
 

الثلاثاء، 10 نوفمبر 2015

مختارات من مدارج السالكين (2). المجلد الثالث. ط الثانية 1424، ت. الشيخ بشير عيون. مع الاستعانة بالمكتبة الشاملة

- وَهَذَا الْوُجُودُ مِنَ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ يَتَنَوَّعُ بِحَسْبِ أَحْوَالِ الْعَبْدِ وَمَقَامِهِ، فَإِنَّ التَّائِبَ الصَّادِقَ فِي تَوْبَتِهِ إِذَا تَابَ إِلَيْهِ، وَجَدَهُ غَفُورًا رَحِيمًا، وَالْمُتَوَكِّلَ إِذَا صَدَقَ فِي التَّوَكُّلِ عَلَيْهِ وَجَدَهُ حَسِيبًا كَافِيًا، وَالدَّاعِيَ إِذَا صَدَقَ فِي الرَّغْبَةِ إِلَيْهِ وَجَدَهُ قَرِيبًا مُجِيبًا، وَالْمُحِبَّ إِذَا صَدَقَ فِي مَحَبَّتِهِ وَجَدَهُ وَدُودًا حَبِيبًا، وَالْمَلْهُوفَ إِذَا صَدَقَ فِي الِاسْتِغَاثَةِ بِهِ وَجَدَهُ كَاشِفًا لِلْكُرَبِ مُخَلِّصًا مِنْهُ، وَالْمُضْطَرَّ إِذَا صَدَقَ فِي الِاضْطِرَارِ إِلَيْهِ وَجَدَهُ رَحِيمًا مُغِيثًا، وَالْخَائِفَ إِذَا صَدَقَ فِي اللجأ إِلَيْهِ وَجَدَهُ مُؤَمِّنًا مِنَ الْخَوْفِ، وَالرَّاجِيَ إِذَا صَدَقَ فِي الرَّجَاءِ وَجَدَهُ عِنْدَ ظَنِّهِ بِهِ.فَمُحِبُّهُ وَطَالِبُهُ وَمُرِيدُهُ الَّذِي لَا يَبْغِي بِهِ بَدَلًا، وَلَا يَرْضَى بِسِوَاهُ عِوَضًا، إِذَا صَدَقَ فِي مَحَبَّتِهِ وَإِرَادَتِهِ وَجَدَهُ أَيْضًا وُجُودًا أَخَصَّ مِنْ تِلْكَ الْوُجُودَاتِ، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ الْمُرِيدُ مِنْهُ يَجِدُهُ، فَكَيْفَ بِمُرِيدِهِ وَمُحِبِّهِ؟ فَيَظْفَرُ هَذَا الْوَاجِدُ بِنَفْسِهِ وَبِرَبِّهِ.

أَمَّا ظَفَرُهُ بِنَفْسِهِ فَتَصِيرُ مُنْقَادَةً لَهُ، مُطِيعَةً لَهُ، تَابِعَةً لِمَرْضَاتِهِ غَيْرَ آبِيَةٍ، وَلَا أَمَّارَةٍ، بَلْ تَصِيرُ خَادِمَةً لَهُ مَمْلُوكَةً بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مَخْدُومَةً مَالِكَةً.

وَأَمَّا ظَفَرُهُ بِرَبِّهِ فَقُرْبُهُ مِنْهُ وَأُنْسُهُ بِهِ، وَعِمَارَةُ سِرِّهِ بِهِ، وَفَرَحُهُ وَسُرُورُهُ بِهِ أَعْظَمُ فَرَحٍ وَسُرُورٍ، فَهَذَا حَقِيقَةُ اتِّصَالِ الْوُجُودِ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ. ص271.

- فَاعْلَمْ أَنَّ فِي لِسَانِ الْقَوْمِ مِنَ الِاسْتِعَارَاتِ، وَإِطْلَاقِ الْعَامِّ وَإِرَادَةِ الْخَاصِّ، وَإِطْلَاقِ اللَّفْظِ وَإِرَادَةِ إِشَارَتِهِ دُونَ حَقِيقَةِ مَعْنَاهُ: مَا لَيْسَ فِي لِسَانِ أَحَدٍ مِنَ الطَّوَائِفِ غَيْرُهُمْ. ص 276.
- ألف - رحمه الله تعالى - (الصواعق المرسلة) قبل (المدراج ). ص 297.

- وَحُصُولُ الْإِجَابَةِ عُقَيْبَ سُؤَالِ الطَّالِبِ، عَلَى الْوَجْهِ الْمَطْلُوبِ: دَلِيلٌ عَلَى عِلْمِ الرَّبِّ تَعَالَى بِالْجُزْئِيَاتِ . ص 299.

- قَالَ: (بَابُ التَّحْقِيقِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 260] التَّحْقِيقُ: تَلْخِيصُ مَصْحُوبِكَ مِنَ الْحَقِّ، ثُمَّ بِالْحَقِّ، ثُمَّ فِي الْحَقِّ، وَهَذِهِ أَسْمَاءُ دَرَجَاتِهِ الثَّلَاثِ.
وَجْهُ تَعَلُّقِهِ بِإِشَارَةِ الْآيَةِ: أَنَّ إِبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَلَبَ الِانْتِقَالَ مِنَ الْإِيمَانِ بِالْعِلْمِ بِإِحْيَاءِ اللَّهِ الْمَوْتَى إِلَى رُؤْيَةِ تَحْقِيقِهِ عِيَانًا، فَطَلَبَ - بَعْدَ حُصُولِ الْعِلْمِ الذِّهْنِيِّ - تَحْقِيقَ الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي طُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ، وَلَمَّا كَانَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْعِيَانِ مَنْزِلَةٌ أُخْرَى، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ» إِذْ قَالَ {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى} [البقرة: 260] وَإِبْرَاهِيمُ لَمْ يَشُكَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَشُكَّ، وَلَكِنْ أَوْقَعَ اسْم
" الشَّكِّ " عَلَى الْمَرْتَبَةِ الْعِلْمِيَّةِ بِاعْتِبَارِ التَّفَاوُتِ الَّذِي بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَرْتَبَةِ الْعِيَانِ فِي الْخَارِجِ، وَبِاعْتِبَارِ هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ سُمِّيَ الْعِلْمُ الْيَقِينِيُّ - قَبْلَ مُشَاهَدَةِ مَعْلُومِهِ - ظَنًّا، قَالَ تَعَالَى {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 46] وَقَالَ تَعَالَى {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ} [البقرة: 249] وَهَذَا الظَّنُّ عِلْمٌ جَازِمٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ} [البقرة: 223] لَكِنْ بَيْنَ الْخَبَرِ وَالْعِيَانِ فَرْقٌ، وَفِي الْمُسْنَدِ مَرْفُوعًا «لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْعِيَانِ» وَلِهَذَا لَمَّا أَخْبَرَ اللَّهُ مُوسَى أَنَّهُ قَدْ فُتِنَ قَوْمُهُ، وَأَنَّ السَّامِرِيَّ أَضَلَّهُمْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ مِنَ الْغَضَبِ وَالْكَيْفِيَّةِ وَإِلْقَاءِ الْأَلْوَاحِ مَا حَصَلَ لَهُ عِنْدَ مُشَاهَدَةِ ذَلِكَ. ص329-330. - فَلَا تَجِدُ هَذَا التَّكْلِيفَ الشَّدِيدَ، وَالتَّعْقِيدَ فِي الْأَلْفَاظِ وَالْمَعَانِي عِنْدَ الصَّحَابَةِ أَصْلًا.
وَإِنَّمَا يُوجَدُ عِنْدَ مَنْ عَدَلَ عَنْ طَرِيقِهِمْ، وَإِذَا تَأَمَّلَهُ الْعَارِفُ وَجَدَهُ كَلَحْمِ جَمَلٍ غَثٍّ، عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ وَعْرٍ، لَا سَهْلَ فَيَرْتَقِي، وَلَا سَمِينَ فَيَنْتَقِلُ، فَيُطَوِّلُ عَلَيْكَ الطَّرِيقَ، وَيُوَسِّعُ لَكَ الْعِبَارَةَ، وَيَأْتِي بِكُلِّ لَفْظٍ غَرِيبٍ وَمَعْنًى أَغْرَبَ مِنَ اللَّفْظِ، فَإِذَا وَصَلْتَ لَمْ تَجِدْ مَعَكَ حَاصِلًا طَائِلًا، وَلَكِنْ تَسْمَعُ جَعْجَعَةً وَلَا تَرَى طَحْنًا، فَالْمُتَكَلِّمُونَ فِي جَعَاجِعِ الْجَوَاهِرِ وَالْأَعْرَاضِ وَالْأَكْوَانِ وَالْأَلْوَانِ، وَالْجَوْهَرِ الْفَرْدِ، وَالْأَحْوَالِ وَالْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ، وَالْوُجُودِ وَالْمَاهِيَّةِ وَالِانْحِيَازِ، وَالْجِهَاتِ وَالنِّسَبِ وَالْإِضَافَاتِ، وَالْغَيْرَيْنِ وَالْخِلَافَيْنِ، وَالضِّدَّيْنِ وَالنَّقِيضَيْنِ، وَالتَّمَاثُلِ وَالِاخْتِلَافِ، وَالْعَرَضُ هَلْ يَبْقَى زَمَانَيْنِ؟ وَمَا هُوَ الزَّمَانُ وَالْمَكَانُ؟ وَيَمُوتُ أَحَدُهُمْ وَلَمْ يَعْرِفِ الزَّمَانَ وَالْمَكَانَ، وَيَعْتَرِفُ بِأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفِ الْوُجُودَ: هَلْ هُوَ مَاهِيَّةُ الشَّيْءِ، أَوْ زَائِدٌ عَلَيْهَا؟ وَيَعْتَرِفُ: أَنَّهُ شَاكٌّ فِي وُجُودِ الرَّبِّ: هَلْ هُوَ وُجُودٌ مَحْضٌ، أَوْ وُجُودٌ مُقَارِنٌ لِلْمَاهِيَّةِ؟ وَيَقُولُ: الْحَقُّ عِنْدِي الْوَقْفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
وَيَقُولُ أَفْضَلُهُمْ - عِنْدَ نَفْسِهِ - عِنْدَ الْمَوْتِ: أَخْرُجُ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَرَفْتُ إِلَّا مَسْأَلَةً وَاحِدَةً، وَهِيَ أَنَّ الْمُمْكِنَ يَفْتَقِرُ إِلَى وَاجِبٍ، ثُمَّ قَالَ: الِافْتِقَارُ أَمْرٌ عَدَمِيٌّ، فَأَمُوتُ وَلَمْ أَعْرِفْ شَيْئًا، وَهَذَا أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُذْكَرَ، كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: أَكْثَرُ النَّاسِ شَكًّا عِنْدَ الْمَوْتِ: أَرْبَابُ الْكَلَامِ.
وَآخَرُونَ أَعْظَمُ تَكَلُّفًا مِنْ هَؤُلَاءِ، وَأَبْعَدُ شَيْءٍ عَنِ الْعِلْمِ النَّافِعِ، وَهُمْ: أَرْبَابُ الْهَيُولِي وَالصُّورَةِ وَالْأَسْطُقُّصَّاتِ، وَالْأَرْكَانِ وَالْعِلَلِ الْأَرْبَعَةِ، وَالْجَوَاهِرِ الْعَقْلِيَّةِ، وَالْمُفَارَقَاتِ، وَالْمُجَرَّدَاتِ، وَالْمَقُولَاتِ الْعَشْرِ، وَالْكُلِّيَّاتِ الْخَمْسِ، وَالْمُخْتَلِطَاتِ وَالْمُوَجَّهَاتِ، وَالْقَضَايَا الْمُسَوَّرَاتِ، وَالْقَضَايَا الْمُهْمَلَاتِ، فَهُمْ أَعْظَمُ الطَّوَائِفِ تَكَلُّفًا، وَأَقَلُّهُمْ تَحْصِيلًا لِلْعِلْمِ النَّافِعِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ.
وَكَذَلِكَ الْمُتَكَلِّفُونَ مِنْ أَصْحَابِ الْإِرَادَةِ وَالسُّلُوكِ، وَأَرْبَابِ الْحَالِ وَالْمَقَامِ، وَالْوَقْتِ وَالْمَكَانِ، وَالْبَادِيِ وَالْبَاذِهِ وَالْوَارِدِ، وَالْخَاطِرِ وَالْوَاقِعِ وَالْقَادِحِ وَاللَّامِعِ، وَالْغَيْبَةِ وَالْحُضُورِ، وَالْمُحِقِّ وَالْحَقِّ، وَالسُّكْرِ، وَاللَّوَائِحِ وَالطَّوَالِعِ، وَالْعَطَشِ وَالدَّهَشِ، وَالتَّلْبِيسِ، وَالتَّمْكِينِ وَالتَّلْوِينِ، وَالِاسْمِ وَالرَّسْمِ، وَالْجَمْعِ وَجَمْعِ الْجَمْعِ، وَجَمْعِ الشَّوَاهِدِ وَجَمْعِ الْوُجُودِ، وَالْأَثَرِ، وَالْكَوْنِ، وَالْبَوْنِ، وَالِاتِّصَالِ وَالِانْفِصَالِ، وَالْمُسَامَرَةِ وَالْمُشَاهَدَةِ، وَالْمُعَايَنَةِ، وَالتَّجَلِّي، وَالتَّخَلِّي، وَأَنَا بِلَا أَنَا، وَأَنْتَ بِلَا أَنْتَ، وَنَحْنُ بِلَا نَحْنُ، وَهُوَ بِلَا هُوَ، وَكُلُّ ذَلِكَ أَدْنَى إِشَارَةٍ إِلَى تَكَلُّفِ هَؤُلَاءِ الطَّوَائِفِ وَتَنَطُّعِهِمْ، وَكَذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى الْفِقْهِ لَهُمْ مِثْلُ هَذَا التَّكَلُّفِ وَأَعْظَمُ مِنْهُ.
فَكُلُّ هَؤُلَاءِ مَحْجُوبُونَ بِمَا لَدَيْهِمْ، مَوْقُوفُونَ عَلَى مَا عِنْدَهُمْ، خَاضُوا - بِزَعْمِهِمْ - بِحَارَ الْعِلْمِ، وَمَا ابْتَلَّتْ أَقْدَامُهُمْ، وَكَدُّوا أَفْكَارَهُمْ وَأَذْهَانَهُمْ وَخَوَاطِرَهُمْ، وَمَا اسْتَنَارَتْ بِالْعِلْمِ الْمَوْرُوثِ عَنِ الرُّسُلِ قُلُوبُهُمْ وَأَفْهَامُهُمْ، فَرِحِينَ بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعُلُومِ رَاضِينَ بِمَا قُيِّدُوا بِهِ مِنَ الرُّسُومِ، فَهُمْ فِي وَادٍ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي وَادٍ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّا لَمْ نَتَجَاوَزْ فِيهِمُ الْقَوْلَ، بَلْ قَصَرْنَا فِيمَا يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَقُولَهُ، فَذَكَرْنَا غَيْضًا مِنْ فَيْضٍ، وَقَلِيلًا مِنْ كَثِيرٍ.
وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ دَاخِلُونَ تَحْتَ الرَّأْيِ، الَّذِي اتَّفَقَ السَّلَفُ عَلَى ذَمِّهِ وَذَمِّ أَهْلِهِ.
فَهُمْ أَهْلُ الرَّأْيِ حَقًّا، الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِيَّاكُمْ وَأَصْحَابَ الرَّأْيِ، فَإِنَّهُمْ أَعْدَاءُ السُّنَنِ، أَعْيَتْهُمُ الْأَحَادِيثُ أَنْ يَحْفَظُوهَا، فَقَالُوا بِالرَّأْيِ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا، وَقَالَ أَيْضًا: أَصْحَابُ الرَّأْيِ أَعْدَاءُ السُّنَنِ، أَعْيَتْهُمْ أَنْ يَعُوهَا، وَتَفَلَّتَتْ عَلَيْهِمْ أَنْ يَرْوُوهَا، فَاشْتَغَلُوا عَنْهَا بِالرَّأْيِ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي؟ وَأَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي؟ إِنْ قَلْتُ فِي كِتَابِ اللَّهِ بِرَأْيِي، أَوْ بِمَا لَا أَعْلَمُ، وَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ الرَّأْيَ كَانَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُصِيبًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ كَانَ يُرِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنَّا الظَّنُّ وَالتَّكَلُّفُ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: مَنْ أَحْدَثَ رَأْيًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَلَمْ تَمْضِ بِهِ سُنَّةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَمْ يَدْرِ مَا هُوَ عَلَى مَا هُوَ مِنْهُ إِذَا لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، «وَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، اتَّهِمُوا رَأْيَكُمْ عَلَى الدِّينِ، فَقَدْ رَأَيْتُنِي، وَإِنِّي لَأَرُدُّ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَأْيِي، أَجْتَهِدُ، وَاللَّهِ مَا آلُو ذَلِكَ يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ وَالْكِتَابُ يُكْتَبُ، فَقَالُوا: تَكْتُبُ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ، فَرَضِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَيْتُ، فَقَالَ: يَا عُمَرُ، تَرَانِي قَدْ رَضِيتُ وَتَأْبَى؟» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسَدِّدٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَتِيقٍ عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَلَا هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ، أَلَا هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ، أَلَا هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ» 
فَإِنْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ وَالْمَعَانِي الَّتِي نَجِدُهَا فِي كَثِيرٍ مِنْ كَلَامِ هَؤُلَاءِ تَنَطُّعًا فَلَيْسَ لِلتَّنَطُّعِ حَقِيقَةٌ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. ص376.

- وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مُسْتَوْفَاةً مِنْ كِتَابِ مِفْتَاحِ دَارِ السَّعَادَةِ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ نَحْوًا مِنْ سِتِّينَ وَجْهًا، تُبْطِلُ قَوْلَ مَنْ نَفَى الْقُبْحَ الْعَقْلِيَّ . ص 427.
- فَالِالْتِفَاتُ إِلَى الْأَسْبَابِ ضَرْبَانِ :
أَحَدُهُمَا: شِرْكٌ، وَالْآخَرُ: عُبُودِيَّةٌ وَتَوْحِيدٌ،
فَالشِّرْكُ: أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَيْهَا وَيَطْمَئِنَّ إِلَيْهَا، وَيَعْتَقِدَ أَنَّهَا بِذَاتِهَا مُحَصِّلَةٌ لِلْمَقْصُودِ، فَهُوَ مُعْرِضٌ عَنِ السَّبَبِ لَهَا، وَيَجْعَلُ نَظَرَهُ وَالْتِفَاتَهُ مَقْصُورًا عَلَيْهَا،
وَأَمَّا إِنِ الْتَفَتَ إِلَيْهَا الْتِفَاتَ امْتِثَالٍ وَقِيَامٍ بِهَا وَأَدَاءٍ لِحَقِّ الْعُبُودِيَّةِ فِيهَا، وَإِنْزَالِهَا مَنَازِلَهَا: فَهَذَا الِالْتِفَاتُ عُبُودِيَّةٌ وَتَوْحِيدٌ. ص 435.

- (واستعن بالله ولا تعجز) نَهَاهُ عَنِ الْعَجْزِ، وَهُوَ نَوْعَانِ: تَقْصِيرٌ فِي الْأَسْبَابِ، وَعَدَمُ الْحِرْصِ عَلَيْهَا، وَتَقْصِيرٌ فِي الِاسْتِعَانَةِ بِاللَّهِ. ص 437 .

- ثُمَّ يَشْهَدُ مِنْ " اهْدِنَا " عَشْرَ مَرَاتِبَ، إِذَا اجْتَمَعَتْ حَصَلَتْ لَهُ الْهِدَايَةُ :
الْمَرْتَبَةُ الْأُولَى: هِدَايَةُ الْعِلْمِ وَالْبَيَانِ، فَيَجْعَلُهُ عَالِمًا بِالْحَقِّ مُدْرِكًا لَهُ.
الثَّانِيَةُ: أَنْ يُقْدِرَهُ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَهُوَ غَيْرُ قَادِرٍ بِنَفْسِهِ.
الثَّالِثَةُ: أَنْ يَجْعَلَهُ مُرِيدًا لَهُ.
الرَّابِعَةُ: أَنْ يَجْعَلَهُ فَاعِلًا لَهُ.
الْخَامِسَةُ: أَنْ يُثَبِّتَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَيَسْتَمِرَّ بِهِ عَلَيْهِ.
السَّادِسَةُ: أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ الْمَوَانِعَ وَالْعَوَارِضَ الْمُضَادَّةَ لَهُ.
السَّابِعَةُ: أَنْ يَهْدِيَهُ فِي الطَّرِيقِ نَفْسِهَا هِدَايَةً خَاصَّةً، أَخَصَّ مِنَ الْأُولَى، فَإِنَّ الْأُولَى هِدَايَةٌ إِلَى الطَّرِيقِ إِجْمَالًا، وَهَذِهِ هِدَايَةٌ فِيهَا وَفِي مَنَازِلِهَا تَفْصِيلًا.
الثَّامِنَةُ: أَنْ يُشْهِدَهُ الْمَقْصُودَ فِي الطَّرِيقِ، وَيُنَبِّهَهُ عَلَيْهِ، فَيَكُونَ مُطَالِعًا لَهُ فِي سَيْرِهِ، مُلْتَفِتًا إِلَيْهِ، غَيْرَ مُحْتَجَبٍ بِالْوَسِيلَةِ عَنْهُ.
التَّاسِعَةُ: أَنَّ يُشْهِدَهُ فَقْرَهُ وَضَرُورَتَهُ إِلَى هَذِهِ الْهِدَايَةِ فَوْقَ كُلِّ ضَرُورَةٍ.
الْعَاشِرَةُ: أَنْ يُشْهِدَهُ الطَّرِيقَيْنِ الْمُنْحَرِفَيْنِ عَنْ طَرِيقِهَا، وَهُمَا طَرِيقُ أَهْلِ الْغَضَبِ، الَّذِينَ عَدَلُوا عَنِ اتِّبَاعِ الْحَقِّ قَصْدًا وَعِنَادًا، وَطَرِيقُ أَهْلِ الضَّلَالِ الَّذِينَ عَدَلُوا عَنْهَا جَهْلًا وَضَلَالًا، ثُمَّ يَشْهَدُ جَمْعَ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ فِي طَرِيقٍ وَاحِدٍ عَلَيْهِ جَمِيعُ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ وَرُسُلِهِ، وَأَتْبَاعِهِمْ مِنَ الصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ.
فَهَذَا هُوَ الْجَمْعُ الَّذِي عَلَيْهِ رُسُلُ اللَّهِ وَأَتْبَاعُهُمْ، فَمَنْ حَصَلَ لَهُ هَذَا الْجَمْعُ، فَقَدَ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ص446.

السبت، 31 أكتوبر 2015

مختارات من مدارج السالكين (1) . المجلد الثالث. ط الثانية 1424 ، ت . الشيخ بشير عيون . مع الاستعانة بالمكتبة الشاملة



- وكذلك الارتياض بالمقامات، فإن من كانت له رياضة وملكة في مقامات الإسلام والإيمان والإحسان، كانت محبته لله تعالى أقوى .ص4.


- وحدثني بعض أقارب شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - قال : كان في بداية أمره يخرج أحيانا إلى الصحراء يخلو عن الناس ، لقوة ما يرد عليه . فتبعته يوما فلما أصحر تنفس الصعداء . ثم جعل يتمثل بقول الشاعر - وهو لمجنون ليلى من قصيدته الطويلة - :


وأخرج من بين البيوت لعلني - أحدث عنك النفس بالسر خاليا

وصاحب هذه الحال : إن لم يرده الله سبحانه إلى الخلق بتثبيت وقوة ، وإلا فإنه لا صبر له على مخالطتهم .ص 23.


- {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 14] .

فَهَؤُلَاءِ مُسْلِمُونَ، وَلَيْسُوا بِمُؤْمِنِينَ. لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِمَّنْ بَاشَرَ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ، فَذَاقَ حَلَاوَتَهُ وَطَعْمَهُ. وَهَذَا حَالُ أَكْثَرِ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى الْإِسْلَامِ. وَلَيْسَ هَؤُلَاءِ كُفَّارًا.ص53.


- وَلَوْ بَلَغَ الْعَبْدُ مِنَ الطَّاعَةِ مَا بَلَغَ، فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُفَارِقَهُ هَذَا الْحَذَرُ. وَقَدْ خَافَهُ خِيَارُ خَلْقِهِ، وَصَفْوَتِهِ مِنْ عِبَادِهِ. قَالَ شُعَيْبٌ - عليه السلام -، وَقَدْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ {لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا} [الأعراف: 88]- إِلَى قَوْلِهِ - {عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا} [الأعراف: 89] فَرَدَّ الْأَمْرَ إِلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعِلْمِهِ، أَدَبًا مَعَ اللَّهِ، وَمَعْرِفَةً بِحَقِّ الرُّبُوبِيَّةِ، وُوُقُوفًا مَعَ حَدِّ الْعُبُودِيَّةِ. وَكَذَلِكَ قَالَ إِبْرَاهِيمُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْمِهِ - وَقَدْ خَوَّفُوهُ بِآلِهَتِهِمْ - فَقَالَ {وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الأنعام: 80] فَرَدَّ الْأَمْرَ إِلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ وَعِلْمِهِ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف: 99] .ص69.


- وَطَرِيقَةُ الْأَقْوِيَاءِ، أَهْلِ الِاسْتِقَامَةِ: الْقِيَامُ بِالْجَمْعِيَّةِ فِي التَّفْرِقَةِ مَا أَمْكَنَ. فَيَقُومُ أَحَدُهُمْ بِالْعِبَادَاتِ، وَنَفْعِ الْخَلْقِ، وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ، مَعَ جَمْعِيَّتِهِ عَلَى اللَّهِ. فَإِنْ ضَعُفَ عَنِ اجْتِمَاعِ الْأَمْرَيْنِ، وَضَاقَ عَنْ ذَلِكَ: قَامَ بِالْفَرَائِضِ. وَنَزَلَ عَنِ الْجَمْعِيَّةِ. وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا، إِذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِهَا إِلَّا بِتَعْطِيلِ الْفَرْضِ. فَإِنَّ رَبَّهُ سُبْحَانَهُ يُرِيدُ مِنْهُ أَدَاءَ فَرَائِضِهِ. وَنَفْسَهُ تُرِيدُ الْجَمْعِيَّةَ، لِمَا فِيهَا مِنَ الرَّاحَةِ وَاللَّذَّةِ، وَالتَّخَلُّصِ مِنْ أَلَمِ التَّفْرِقَةِ وَشَعْثِهَا. فَالْفَرَائِضُ حَقُّ رَبِّهِ. وَالْجَمْعِيَّةُ حَظُّهُ هُو َ. ص75.


- وَنُكْتَةُ الْمَسْأَلَةِ وَحَرْفُهَا: أَنَّ الصَّادِقَ فِي طَلَبِهِ يُؤْثِرُ مَرْضَاةَ رَبِّهِ عَلَى حَظِّهِ. فَإِنْ كَانَ رِضَا اللَّهِ فِي الْقِيَامِ بِذَلِكَ الْعَمَلِ، وَحَظُّهُ فِي الْجَمْعِيَّةِ: خَلَّى الْجَمْعِيَّةَ تَذْهَبُ. وَقَامَ بِمَا فِيهِ رِضَا اللَّهِ.
وَمَتَّى عَلِمَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِهِ: أَنَّ تَرَدُّدَهُ وَتَوَقُّفَهُ - لِيَعْلَمَ: أَيَّ الْأَمْرَيْنِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ وَأَرْضَى لَهُ - أَنْشَأَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ التَّوَقُّفِ وَالتَّرَدُّدِ حَالَةً شَرِيفَةً فَاضِلَةً، حَتَّى لَوْ قَدَّمَ الْمَفْضُولَ - لِظَنِّهِ أَنَّهُ الْأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ - رَدَّتْ تِلْكَ النِّيَّةُ وَالْإِرَادَةُ عَلَيْهِ مَا ذَهَبَ عَلَيْهِ وَفَاتَهُ مِنْ زِيَادَةِ الْعَمَلِ الْآخَرِ. وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ. ص76.


- قال الجنيد : و اشوقاه إلى أوقات البداية . ص85.


- وَفِي هَذِهِ الْفَتَرَاتِ وَالْغُيُومِ وَالْحُجُبِ، الَّتِي تَعْرِضُ لِلسَّالِكِينَ: مِنَ الْحِكَمِ مَا لَا يَعْلَمُ تَفْصِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ. وَبِهَا يَتَبَيَّنُ الصَّادِقُ مِنَ الْكَاذِبِ.



فَالْكَاذِبُ: يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ. وَيَعُودُ إِلَى رُسُومِ طَبِيعَتِهِ وَهَوَاهُ.

وَالصَّادِقُ: يَنْتَظِرُ الْفَرَجَ.ص86.


- فَإِنَّ حَبْسَ النَّفْسِ عَلَى اللَّهِ شَدِيدٌ. وَأَشَدُّ مِنْهُ: حَبْسُهَا عَلَى أَوَامِرِهِ. وَحَبْسُهَا عَنْ نَوَاهِيهِ. فَهِيَ دَائِمًا تُرْضِيكَ بِالْعِلْمِ عَنِ الْعَمَلِ، وَبِالْعَمَلِ عَنِ الْحَالِ، وَبِالْحَالِ عَنِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. ص96.


- فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي التَّفَرُّقِ الْمَذْكُورِ إِلَّا أَلَمُ الْوَحْشَةِ، وَنَكَدُ التَّشَتُّتِ، وَغُبَارُ الشَّعَثِ


لَكَفَى بِهِ عُقُوبَةً، فَكَيْفَ؟ وَأَقَلُّ عُقُوبَتِهِ: أَنْ يُبْتَلَى بِصُحْبَةِ الْمُنْقَطِعِينَ وَمُعَاشَرَتِهِمْ وَخِدْمَتِهِمْ. فَتَصِيرُ أَوْقَاتُهُ - الَّتِي هِيَ مَادَّةُ حَيَاتِهِ - وَلَا قِيمَةَ لَهَا، مُسْتَغْرَقَةً فِي قَضَاءِ حَوَائِجِهِمْ، وَنَيْلِ أَغْرَاضِهِمْ. وَهَذِهِ عُقُوبَةُ قَلْبٍ ذَاقَ حَلَاوَةَ الْإِقْبَالِ عَلَى اللَّهِ وَالْجَمْعِيَّةِ عَلَيْهِ وَالْأُنْسِ بِهِ. ثُمَّ آثَرَ عَلَى ذَلِكَ سِوَاهُ. وَرَضِيَ بِطَرِيقَةِ بَنِي جِنْسِهِ، وَمَا هُمْ عَلَيْهِ. وَمَنْ لَهُ أَدْنَى حَيَاةٍ فِي قَلْبِهِ وَنُورٍ فَإِنَّهُ يَسْتَغِيثُ قَلْبُهُ مِنْ وَحْشَةِ هَذَا التَّفَرُّقِ.

فَفِي الْقَلْبِ شَعَثٌ، لَا يَلُمُّهُ إِلَّا الْإِقْبَالُ عَلَى اللَّهِ.


وَفِيهِ وَحْشَةٌ، لَا يُزِيلُهَا إِلَّا الْأُنْسُ بِهِ فِي خَلْوَتِهِ.


وَفِيهِ حُزْنٌ لَا يُذْهِبُهُ إِلَّا السُّرُورُ بِمَعْرِفَتِهِ وَصِدْقِ مُعَامَلَتِهِ.

وَفِيهِ قَلَقٌ لَا يُسَكِّنُهُ إِلَّا الِاجْتِمَاعُ عَلَيْهِ، وَالْفِرَارُ مِنْهُ إِلَيْهِ.

وَفِيهِ نِيرَانُ حَسَرَاتٍ: لَا يُطْفِئُهَا إِلَّا الرِّضَا بِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَقَضَائِهِ، وَمُعَانَقَةُ الصَّبْرِ عَلَى ذَلِكَ إِلَى وَقْتِ لِقَائِهِ.

وَفِيهِ طَلَبٌ شَدِيدٌ: لَا يَقِفُ دُونَ أَنْ يَكُونَ هُوَ وَحْدَهُ مَطْلُوبَهُ. وَفِيهِ فَاقَةٌ: لَا يَسُدُّهَا إِلَّا مَحَبَّتُهُ، وَالْإِنَابَةُ إِلَيْهِ، وَدَوَامُ ذِكْرِهِ، وَصِدْقُ الْإِخْلَاصِ لَهُ. وَلَوْ أُعْطِيَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا لَمْ تَسُدَّ تِلْكَ الْفَاقَةَ مِنْهُ أَبَدًا. ص 120-121.


- فَمِنَ النَّاسِ: مَنْ يَتَقَيَّدُ بِلِبَاسٍ لَا يَلْبِسُ غَيْرَهُ، أَوْ بِالْجُلُوسِ فِي مَكَانٍ لَا يَجْلِسُ فِي غَيْرِهِ، أَوْ مِشْيَةٍ لَا يَمْشِي غَيْرَهَا، أَوْ بِزِيٍّ وَهَيْئَةٍ لَا يَخْرُجُ عَنْهُمَا، أَوْ عِبَادَةٍ مُعَيَّنَةٍ لَا يَتَعَبَّدُ بِغَيْرِهَا، وَإِنْ كَانَتْ أَعْلَى مِنْهَا، أَوْ شَيْخٍ مُعَيَّنٍ لَا يَلْتَفِتُ إِلَى غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْهُ، فَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ مَحْجُوبُونَ عَنِ الظَّفَرِ بِالْمَطْلُوبِ الْأَعْلَى مَصْدُودُونَ عَنْهُ، قَدْ قَيَّدَتْهُمُ الْعَوَائِدُ وَالرُّسُومُ وَالْأَوْضَاعُ وَالِاصْطِلَاحَاتُ عَنْ تَجْرِيدِ الْمُتَابَعَةِ. ص132. 


- وَهَذِهِ الْأَحْرُفُ الثَّلَاثَةُ وَهِيَ النُّونُ وَالْفَاءُ وَمَا يُثَلِّثُهُمَا تَدُلُّ حَيْثُ وُجِدَتْ عَلَى الْخُرُوجِ وَالِانْفِصَالِ، فَمِنْهُ النَّفَلُ؛ لِأَنَّهُ زَائِدٌ عَلَى الْأَصْلِ خَارِجٌ عَنْهُ، وَمِنْهُ: النَّفَرُ، وَالنَّفْيُ، وَالنَّفَسُ، وَنَفَقَتِ الدَّابَّةُ، وَنُفِسَتِ الْمَرْأَةُ وَنَفَسَتْ: إِذَا حَاضَتْ أَوْ وَلَدَتْ، فَالنَّفَسُ: خُرُوجٌ وَانْفِصَالٌ يَسْتَرِيحُ بِهِ الْمُتَنَفِّسُ. ص141.
- قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الهروي : بَابُ الْغُرْبَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ} [هود: 116] .
قال ابن القيم : اسْتِشْهَادُهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي هَذَا الْبَابِ يَدُلُّ عَلَى رُسُوخِهِ فِي الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ وَفَهْمِ الْقُرْآنِ، فَإِنَّ الْغُرَبَاءَ فِي الْعَالَمِ هُمْ أَهْلُ هَذِهِ الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ .ص 149.

- بَلِ الْإِسْلَامُ الْحَقُّ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ هُوَ الْيَوْمَ أَشَدُّ غُرْبَةً مِنْهُ فِي أَوَّلِ ظُهُورِهِ، وَإِنْ كَانَتْ أَعْلَامُهُ وَرُسُومُهُ الظَّاهِرَةُ مَشْهُورَةٌ مَعْرُوفَةٌ. ص 153.
- قال رحمه الله بعد أن ذكر قصة ذي الخويصرة : (فظهر بهذا أن طغيان المعاصي أسلم عاقبة من طغيان الطاعات ) . ص 178.

- وَالْعِزَّةُ يُرَادُ بِهَا ثَلَاثَةُ مَعَانٍ: عِزَّةُ الْقُوَّةِ، وَعِزَّةُ الِامْتِنَاعِ، وَعِزَّةُ الْقَهْرِ، وَالرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُ الْعِزَّةُ التَّامَّةُ بِالِاعْتِبَارَاتِ الثَّلَاثِ، وَيُقَالُ مِنَ الْأَوَّلِ: عَزَّ يَعَزُّ بِفَتْحِ الْعَيْنِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَمِنَ الثَّانِي: عَزَّ يَعِزُّ بِكَسْرِهَا وَمِنَ الثَّالِثِ: عَزَّ يَعُزُّ بِضَمِّهَا أعْطُوا أَقْوَى الْحَرَكَاتِ لِأَقْوَى الْمَعَانِي، وَأَخَفَّهَا لِأَخَفِّهَا، وَأَوْسَطَهَا لِأَوْسَطِهَا . ص 208.

- {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97] وَقَدْ فُسِّرَتِ الْحَيَاةُ الطَّيِّبَةُ بِالْقَنَاعَةِ وَالرِّضَا، وَالرِّزْقِ الْحَسَنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَالصَّوَابُ: أَنَّهَا حَيَاةُ الْقَلْبِ وَنَعِيمُهُ، وَبَهْجَتُهُ وَسُرُورُهُ بِالْإِيمَانِ . ص 210.

- الفترات أمر لازم للعبد ... فأعلاها فترة الوحي وهي للأنبياء . ص 220.

- وَقَدْ جَرَتْ سُنَّةُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ النَّافِعَةَ الْمَحْبُوبَةَ إِنَّمَا يُدْخَلُ إِلَيْهَا مِنْ أَبْوَابِ أَضْدَادِهَا. ص 243.


 - قَوْلُهُ: ( وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَكُلُّهُ يُنَاقِضُ الْبَصَائِرَ، كَسُكْرِ الْحِرْصِ، وَسُكْرِ الْجَهْلِ، وَسُكْرِ الشَّهْوَةِ؛) أَيْ: هَذِهِ الْأَنْوَاعُ مِنَ السُّكْرِ أَنْوَاعٌ مَذْمُومَةٌ، تُنَاقِضُ الْبَصَائِرَ، فَسُكْرُ الْحِرْصِ يَنْشَأُ مِنْ شِدَّةِ الرَّغْبَةِ فِي الدُّنْيَا، وَعَدَمِ الزُّهْدِ فِيهَا، وَالْحَرِيصُ عَلَيْهَا سَكْرَانٌ فِي صُورَةِ صَاحٍ، وَكَذَلِكَ سُكْرُ الْجَهْلِ؛ فَإِنَّ الْجَهْلَ جَهْلَانِ: جَهْلُ الْعِلْمِ، وَجَهْلُ الْعَمَلِ، فَإِذَا تَحَكَّمَ الْجَهْلَانِ فَلَا تَسْأَلْ عَنْ سُكْرِ صَاحِبِهِمَا، وَكَذَلِكَ سُكْرُ الشَّهْوَةِ، فَإِنَّ لَهَا سُكْرًا أَشَدَّ مِنْ سُكْرِ الْخَمْرِ، وَكَذَلِكَ سُكْرُ الْغَضَبِ، وَسُكْرُ الْفَرَحِ، وَكَذَلِكَ سُكْرُ السُّلْطَانِ وَالرِّئَاسَةِ، فَإِنَّ لِلرِّئَاسَةِ سُكْرًا وَعَرْبَدَةً لَا تَخْفَى، وَكَذَلِكَ الشَّبَابُ لَهُ سَكْرَةٌ قَوِيَّةٌ، وَهِيَ شُعْبَةٌ مِنَ الْجُنُونِ، وَكَذَلِكَ الْخَوْفُ، لَهُ سَكْرَةٌ تَحُولُ بَيْنَ الْخَائِفِ وَبَيْنَ حُكْمِ الْعَقْلِ.
سَكَرَاتٌ خَمْسٌ إِذَا مُنِيَ الْمَرْ ... ءُ بِهَا صَارَ ضِحْكَةً لِلزَّمَانِ
سَكْرَةُ الْحِرْصِ وَالْحَدَاثَةِ وَالْعِشْ ... قِ وَسُكْرِ الشَّرَابِ وَالسُّلْطَانِ

وَآخِرُ ذَلِكَ سَكْرَةُ الْمَوْتِ الَّتِي تَأْتِي بِالْحَقِّ {هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} . ص261.

الخميس، 22 يناير 2015

الشهر التاسع، 2014 3 فوائد


- د. محمد العريفي (@MohamadAlarefe):
الاحتشام .. مفهوم لا يقتصر على الملابس فقط
فهناك ضحكة محتشمة
وهناك مشية محتشمة...

وهناك سلوك محتشم
وهناك أخلاق محتشمة.
(منقول)


- بندر الشويقي (@Drbandarsh):
وجهة نظر: من أخطاء الماضي القريب، المبالغة في إشغال الشباب في سن مبكر بالقضايا العامة، قبل تمام البناء العلمي والإيماني .. الآن ندفع الثمن.

- د.علي الشبيلي (@Ali_Alshobaili):
معلومة..
متوسط مايضيع من عمر الإنسان الإنتاجي في المدن المزدحمة مايعادل 7 سنوات من عمره..
ولذا رتبوا أوقاتكم واتبعوا سياسة التجميع والتفويض.