- قال بعض العلماء: إنه يجوز على شجر لا ثمر له، إذا كانت أغصانه يُنتفع بها، مثل أن تكون أغصانه تقطع وتجعل أبواباً صغاراً ـ مثلاً ـ أو ما أشبه ذلك، أو سدر يمكن أن يُنتفع بأوراقه، وعلى شجر له ثمر لكن لا يؤكل لكنه مقصود، مثل الأثل له ثمر فيؤخذ هذا الثمر ويجعل في الدِّيار، تدبغ به الجلود، فهو ثمر مقصود لكنه لا يؤكل، وهذا القول هو الصحيح؛ لأن القاعدة هي أن يكون للعامل شيء في مقابلة عمله.
- (فَإِنْ فَسَخَ المالكُ قَبْلَ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ فلِلعَامِلِ الأُجْرَةُ) ولو قال قائل: إنه يعطى بالقسط من سهم المثل لكان له وجه؛ لأن العامل لم يعمل على أنه أجير، بل عمل على أنه شريك.
- (وَإِنْ فَسَخَها هُوَ فَلاَ شَيْءَ لَهُ) إذا كان فسخه لعذر ـ أي العامل ـ مثل أن ينفد ما بيده من المال، أو يكون عنده خادم فيموت أو يهرب ولا يستطيع أن يكمل العمل بنفسه، فهنا نقول: إنه معذور فلا يضمن شيئاً، أما إذا كان غير معذور وفات غرض صاحب الأصل، فينبغي أن يُضَمَّن، وإلا يلزم بإتمام العمل، وهذا قبل ظهور الثمرة، فإذا كان الفسخ بعد ظهور الثمرة، فلا يملك مالك الأصل أن يفسخ، والعامل ـ أيضاً ـ يُلزم بإتمام العمل، يعني تكون لازمة بعد ظهور الثمرة؛ لأن العامل أصبح الآن شريكاً في الثمرة، ولا يمكن لرب الأصل أن يطرده، وصاحب الأصل ـ أيضاً ـ لا يُمَكّن العامل من الفسخ إلا إذا رضي أن يفسخ مجاناً فلا بأس، فلو قال العامل: أنا الآن لا أستطيع، فله ذلك بشرط أن يتنازل عن حقه ويقول: أنا لا أريد شيئاً، فصار قبل ظهور الثمرة كما سبق، إن فسخ المالك لزمه أجرة المثل، وعلى قولنا يلزمه قسط السهم الذي عامل عليه، والعامل إذا فسخ قبل ظهور الثمرة فلا شيء له؛ لأنه هو الذي رضي لنفسه ذلك، ولكن هل يضمن العامل للمالك؟ الجواب: إن فسخ لعذر فلا شيء عليه، وإن فسخ مضارَّة فينبغي أن يضمن.
- المساقاة عقد لازم كالإجارة، وبناء على هذا القول يتعين تعيين المدة، فيقال: ساقيتك على سنة أو سنتين أو ثلاث سنين أو ما أشبه ذلك؛ لأن العقد اللازم لا بد أن يحدد؛ حتى لا يكون لازماً مدى الدهر، فيتعين تحديد المدة، ولا يمكن لأحد منهما فسخها ما دامت المدة باقية، فإن تعذر العمل عليه لمرض أو غيره أقيم من يقوم بالعمل على نفقة العامل، وله السهم المتفق عليه وهذا هو الصحيح، وعليه عمل الناس اليوم وربما يستدل لذلك بأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج من ثمر أو زرع، وقال: نقركم في ذلك ما شئنا ، أي نقركم ما شئنا من الإقرار وأنتم ما دمتم باقين فعلى المعاملة، ولأننا لو قلنا: إنه عقد جائز كثر الضرر والنزاع بين الناس، ولأن العامل ربما يتحيل فيأتي إلى صاحب الملك ويأخذ منه الملك مساقاة في موسم المساقاة، فإذا زال الموسم جاء إلى المالك وفسخ، وكذلك بالعكس ربما يكون المالك أعطى العامل هذا الملك ليعمل فيه، فإذا زادت الأسهم للملاك فسخها وأعطاه أجرة المثل، فالصواب أن المساقاة عقد لازم ويتعين فيها تحديد المدة.
- الصواب أنه يتبع في ذلك العُرف، فإذا جرت العادة أن الجذاذ يكون على العامل فهو على العامل، وإذا جرت العادة أن يكون على صاحب المال فهو على صاحب المال، والعادة عندنا أنه إذا نضجت الثمار قَسَمُوها على رؤوس النخل، وقيل: لك أنت أيها الفلاح هذا الجانب وللثاني الجانب الآخر، وكل واحد منهما يجذ نخله، وهذا في عُرفنا ولا ندري عن عُرف الآخرين.
- الدولاب هو آلة استخراج الماء من البئر ونحوه، ويستعمل بدل الدولاب الرحى، حيث يستعمل الدولاب في الآبار، والرحى تستعمل في الأنهار.
- إذا كان العرف مطرداً فبها ونعمت، وهذا هو المطلوب، ونمشي على ما جرى عليه العرف، وإذا لم يكن مطرداً، وجب على كل منهما أن يُبَيِّن للآخر ما عليه وما له حتى لا يقع نزاع؛ لأنه من المعلوم أن المتعاقدين عند أول الدخول في العقد، يكون كل واحد منهما مشفقاً، وربما ينسى أو يتناسى بعض الشروط، ويقول: هذا هَيِّن، لكن نقول: هذا لا يجوز، فلا بد أن يكون الشيء واضحاً بيّناً؛ لأنه ربما يحدث نزاع ثم لا نستطيع أن نؤلف بين الطرفين.
فصل
- المزارعة هي أن يدفع أرضاً لمن يزرعها بجزء من الزرع.
والفرق بينها وبين المساقاة أن المساقاة على الشجر، والمزارعة على الزرع، والفرق بين الشجر والزرع أن ما له ثمر وساق وأغصان يسمى شجراً، وما ليس كذلك فإنه يسمى زرعاً.
- قوله: «مما يخرج من الأرض» أي من الزرع، فإن أعطاه إياها بجزء أو بشيء معلوم مما لا يخرج من الأرض، فليست مزارعة بل هي إجارة.
- قوله: «والغراس» إشارة إلى المغارسة، والمؤلف لم يذكرها، فهناك عقد ثالث غير المساقاة والمزارعة، ويسمى المغارسة، ويسمى المناصبة، وهي أن يدفع الإنسان الأرض لشخص، يغرسها بأشجار ويعمل عليها بجزء من الأشجار، ليس بجزء من الثمرة، بل بجزء من الغرس، والثمرة تتبع الأصل، والفرق بينها وبين المساقاة، أن المساقاة بجزء من الثمرة، والأصل ـ أي: الشجر ـ لرب الأرض، وهذه بجزء من الأصل نفسه، أي: من الغرس، وهي جائزة، وإذا تمت كان للعامل نصف الشجر، أو ربعه، حسب الشرط، والمساقاة إذا تمت كان للعامل نصف الثمرة أو ربعها حسب الشرط، إذن بينهما فرق.
ففي المغارسة الجزء المشروط للعامل من الأصل، أي: من الشجر نفسه، فهل يشترط إذا أعطيت شخصاً أرضاً مغارسة، أن يكون الفرخ الصغير من رب الأرض، أو يجوز أن يكون من العامل؟
الجواب: المذهب أنه لا بد أن يكون من رب الأرض، كالمزارعة تماماً، لكن ما مشى عليه المؤلف أنه ليس بشرط.
فيجوز أن تقول: يا فلان هذه أرض بيضاء، تحمل ألفاً خذها مغارسة بالنصف، فعلى كلام المؤلف الذي يشتري الغراس هو العامل، ثم إذا انتهت مدة المغارسة يقسم النخل، وعلى المذهب لا بد أن الذي يدفع ثمن الغرس هو رب الأرض.
ولكن الصحيح ما مشى عليه المؤلف، أنه ليس بشرط.