الخميس، 1 نوفمبر 2018

مختارات من الشرح الممتع ، كتاب العتق

- والفرق بين الصريح والكناية من حيث الحكم، أن الصريح لا يحتاج إلى نية، والكناية تحتاج إلى نية؛ لأن الكناية كل لفظ يحتمل المعنى المراد وغيره. 

- لو ملك من لو كان أنثى لحرم عليه برضاع لم يعتق، وهذا مما يفرق فيه بين الرضاع والنسب.

- فالعتق بالتدبير أقل أجراً من العتق في حال الحياة.

- القول الراجح أنه لا يحل للأب أن يطأ أمة ولده إلا بعد أن ينوي التملك، أما أن يطأها ونيته أنها باقية في ملك الولد، فهذا حرام؛ لأن الله قال: {إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ}، لكن لنقل: إنه جامع أمة ولده بشبهة، فإنها تكون أم ولد.

- واعلم أن أحكام الجنين تتنوع، فمنها ما يتعلق بكونه نطفة، ومنها ما يتعلق بكونه علقة، ومنها ما يتعلق بكونه مخلَّقاً، ومنها ما يتعلق بنفخ الروح فيه، ومنها ما يتعلق بوضعه حياً، هذه خمسة أحكام:

الأول: يتعلق بكونه نطفة أنه يجوز إلقاؤه عند الحاجة، وإن لم يكن هناك ضرورة.

الثاني: يتعلق بكونه علقة أنه لا يجوز إلقاؤه إلا للضرورة.

الثالث: يتعلق بكونه مضغة مخلقة أنه يترتب عليه النفاس، فالمرأة إذا وضعت الحمل قبل أن يتبيَّن فيه خلق إنسان فإن الدم الذي يخرج ليس دم نفاس.

الرابع: يتعلق بنفخ الروح، فيه الصلاة عليه، وتكفينه، وتغسيله، ودفنه مع المسلمين، وتسميته، وكذلك العقيقة عنه.

الخامس: يتعلق بخروجه حياً الإرث؛ لأنه لا يرث حتى يخرج حياً كما هو معروف.

مختارات من الشرح الممتع ، باب ميراث القاتل

- قوله: «لم يرثه إن لزمه قود أو دية أو كفارة» يلزمه القود إذا كان عمداً، وتلزمه الدية إذا كان خطأ أو شبه عمد، وتلزمه الكفارة ـ على المشهور من المذهب ـ إذا قتل بين صف الكفار لقوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ}، ولم يذكر الدية، وهذا في المؤمن إذا كان في صف الكفار، ثم قتله مؤمن فهذا يلزمه الكفارة، ولا تلزمه الدية؛ لأنه أهدر نفسه حيث صار في صف الكفار.


والقول الثاني في الآية: أنها في المؤمن يكون ورثته كفاراً، وهذا هو الصحيح والمتعين، فهو رجل مؤمن ورثته كفار أعداء لنا، فهذا تجب فيه الكفارة؛ لأنه مؤمن، ولا تجب الدية؛ لأننا لو بذلنا الدية سيأخذها الكفار، فلا نعطيهم ما يستعينون به على قتال المسلمين.

- القول الصواب في هذه المسألة الذي لا يجوز سواه فيما نرى، أن القتل خطأً لا يمنع من الميراث.

- وهنا يجب أن ننتبه إلى مسألة مهمة، وهي أن بعض الناس إذا حضر القاتل خطأً رحموه، ورقوا له وعفوا عن الدية، فالمقتول له أولاد صغار أو أولاده كلهم راشدون، ولكن عليه دين فيعفون، فالعفو هنا غير صحيح؛ لأن الميراث لا يثبت إلا بعد قضاء الدين {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ}، فإذا عفوا والميت عليه دين، قلنا: العفو غير صحيح، وتؤخذ الدية ويقضى بها دين الميت، وهذه مسألة قَلَّ من ينتبه لها، ولذلك على أولياء المقتول ألا يعفوا حتى ينظروا هل عليه دين أو لا؟ ثم بعد ذلك ينظرون هل في الورثة قُصَّر أو لا؟

- قوله: «أو قتل العادلُ الباغيَ وعكسه ورثه» ، الفرق بينهما أن العادل مدافع والباغي مهاجم، فإذا كان هناك بغاة خرجوا على الإمام، وقتل العادلُ الباغيَ أو بالعكس، فيقول المؤلف: إنه يرثه، وقيل: إن قتل الباغي العادلَ فإنه لا يرث؛ لأنه ليس بحق، وهو الراجح.

مختارات من الشرح الممتع ، باب ميراث أهل الملل، وباب الإقرار بمشارك في الميراث

- باب ميراث أهل الملل : وله: «لا يرث المسلمُ الكافرَ إلا بالولاء ولا الكافرُ المسلمَ إلا بالولاء» والدليل ما أشرنا إليه من الآية، وما قاله النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم» ، ولأن الإرث مبني على الموالاة والنصرة، ولا موالاة ولا نصرة بين المسلم والكافر، أما قول المؤلف: «إلا بالولاء» ، فهذا الاستثناء لا دليل عليه ولا يصح أثراً ولا نظراً، أما كونه لا يصح أثراً فلعدم الدليل الصحيح، وقد ورد فيه حديث ضعيف، وأما كونه لا يصح نظراً؛ فلأن الإرث بالولاء أضعف من الإرث بالنسب والزوجية، فإذا كان اختلاف الدين يمنع الميراث مع السبب الأقوى، فكيف لا يمنعه مع السبب الأضعف؟! هذا خلاف القياس وخلاف النظر، ولنضرب لهذا مثلاً: هلك هالك عن أب كافر هل يرثه أبوه؟ لا.

هلك هالك عن معتِق كافر والعبد المعتق مسلم، هل يرثه سيده؟ على المذهب يرثه، وعلى القول الراجح لا يرثه، ونحن نقول بالقول الراجح لعموم الحديث: «لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم» .



- أهل الذمة هل يمكن أن تختلف أديانهم؟ نعم، يهود، نصارى، مجوس، هؤلاء أهل الذمة، ثلاثة أصناف، والصحيح أنهم أكثر من ثلاثة أصناف، وأن جميع الكفار يمكن أن يكونوا أهل ذمة، تعقد لهم الجزية، كما صح ذلك فيما رواه مسلم عن بريدة ـ رضي الله عنه ـ.



- كما نقول مثلاً: أهل السنة يدخل فيهم المعتزلة، يدخل فيهم الأشعرية، يدخل فيهم كل من لم يَكْفُر من أهل البدع، إذا قلنا هذا في مقابلة الرافضة، لكن إذا أردنا أن نبين أهل السنة، قلنا: إن أهل السنة حقيقة هم السلف الصالح الذين اجتمعوا على السنة وأخذوا بها، وحينئذٍ يكون الأشاعرة والمعتزلة والجهمية ونحوهم ليسوا من أهل السنة بهذا المعنى.



- قوله: «وإن مات على ردته فماله فيء» يعني يُدخَل في بيت المال ، وبهذا نعلم أن العلماء ـ رحمهم الله ـ يحكمون على الشخص بعينه بالردة أو غيرها مما يقتضيه فعله، خلافاً لما عليه الشباب الآن فإنهم يتهيبون أن يكفروا أحداً بعينه، وهذا غلط، إذا وجد الكفر وتمَّت الشروط وانتفت الموانع، فإننا نكفره بعينه ونعامله معاملة الكافر في كل شيء؛ لأنه ليس لنا إلا الظاهر، أما لو فرضنا أنه كان مؤمناً بقلبه، ولكن يظهر الكفر، فهذا حسابه على الله ـ عزّ وجل ـ لكن نكفره بعينه؛ لأننا لو قلنا: إننا لا نكفر أحداً بعينه، وإنما نكفر الجنس، ما بقي أحد يكفر، ولا أحد يُدعى إلى الإسلام.



- وقوله: «وإن مات على ردته فماله فيء» دليل ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم» ، وهذا واضح؛ ولأن الإرث مبني على النصرة والولاء، ولا نصرة ولا ولاء بين المسلم والكافر، هذا ما ذهب إليه الفقهاء ـ رحمهم الله ـ وهم أسعد بالدليل مما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية، فإنه ـ رحمه الله ـ يرى أن المرتد يورث، ويستدل بأن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ في أيام الردة يورِّثون أهل المرتدين من أموال المرتد، ولكن الإنسان يقول: ما جوابي يوم القيامة حين يناديهم فيقول: «ماذا أجبتم المرسلين» ؟ ماذا نقول في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم» ؟ وأما فعل الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ، فهل أجمعوا عليه؟ لو أجمعوا عليه لقلنا: إجماعهم حجة، لكن من يقول: إنهم أجمعوا على هذا؟ والمسألة ليست عندي بذاك المسألة البينة، إذاً نبقى على الأصل وهو: «لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم» .



- ليس في باب ميراث المطلقة شيء.



- باب الإقرار بمشارك في الميراث : ونظير هذا مسألة تقع كثيراً، يقول أحد الورثة: قد قال الميت: إنه أوصى بثلثه في عمارة المساجد، والورثة لم يصدقوا هذا القائل، قالوا: أبداً أبونا لو كان عنده وصية لكتبها ولا نقبل كلامك، فهل يلزمه أن يخرج ثلث ما بيده؟ نعم يلزمه؛ لأنه أقر الآن أن ثلث مال أبيه قد أوصى به أبوه، فيلزمه أن يصرف ثلث ما بيده على حسب ما كان يقوله عن أبيه.

مختارات من الشرح الممتع ، أبواب : التصحيح، وميراث ذوي الأرحام، وميراث الحمل، وميراث المفقود، وميراث الغرقى

- باب التصحيح والمناسخات وقسمة التركات : هذا الفصل عقده المؤلف للمناسخات، وما أدراك ما المناسخات، أصعب علم المواريث، وقد قال الشيخ منصور البهوتي ـ رحمه الله ـ في شرحه للإقناع: إنه من أصعب علم الفرائض، وما أحسن الاستعانة عليه بالشُّباك لابن الهائب ـ رحمه الله ـ.

- أحال الشيخ - رحمه الله تعالى - على شرحه في البرهانية ، في 266، و 271.

- باب ذوي الأرحام : والقول بعدم التوريث قول ضعيف ـ سبحان الله ـ نحرم الخال أو أبا الأم من مال القريب، ونضعه في بيت المال يأكله أبعد الناس!! مثل هذا لا تأتي به الشريعة، فالصواب المقطوع به أن ذوي الأرحام وارثون، لكن بعد ألا يكون ذو فرض أو عاصب، ولهذا نقول: ذوو الأرحام كل قريب ليس بذي فرض ولا عصبة.

- باب ميراث الحمل والخنثى المشكل : ولهذا أحياناً نمنع الرجل من إتيان زوجته إذا كان حملها يرث الميت، كإنسان تزوج امرأة لها أولاد ممن سبق فمات أحد أولادها، نقول: لا تجامعها؛ لأنه إذا جامعها فسيكون هذا الولد الذي في بطنها أخاً من الأم فيرث، فنقول: لا تجامع حتى تحيض المرأة، إذا حاضت علم أن ليس في بطنها حمل.

- باب ميراث المفقود : الانتظار لمن ظاهر غيبته السلامة تسعون سنة، ولمن ظاهرها الهلاك أربع سنين التحديد بهذا ورد عن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ ، ولكن لنا أن نقول: ما ورد عن الصحابة قضايا أعيان، وقضايا الأعيان ليست توقيفية؛ لأن قضايا الأعيان يعني أننا ننظر إلى كل مسألة بعينها، وإذا كان قضايا أعيان فهو اجتهاد، فالقول الراجح في هذه المسألة أنه يرجع فيه إلى اجتهاد الإمام، أو من ينيبه الإمام في القضاء، والناس يختلفون، من الناس مَنْ إذا مضى سنة واحدة عرفنا أنه ميت؛ لأنه رجل شهير في أي مكان ينزل يُعرف، فإذا فُقِدَ يكفي أن نطلبه في سنة، ومن الناس من هو من العامة يدخل مع الناس، ولا يعلم عنه إن اختفى لم يفقد، وإن بان لم يؤبه به، هل نقول: إننا ننتظر في هذا الرجل كما انتظرنا في الأول؟ لا؛ لأن هذا يحتاج إلى أن نتحرى فيه أكثر؛ لأنه إنسان مغمور ليس له قيمة في المجتمع، فننتظر أكثر، ثم إذا غلب على الظن أنه ميت حكمنا بموته، وهنا يجب على القاضي أن يبحث عن هذا الشخص.
أيضاً تختلف المسألة باختلاف ضبط الدولة، بعض الدول تكون حدودها قوية لا يمكن أن يدخل عليها أحد، وإذا دخل عليها أحد لا يمكن أن يخرج، فهذه لا نطوِّل مدة الانتظار؛ لأنها محكمة محصورة، وما دامت الأمور تختلف باختلاف أحوال الشخص، وباختلاف السلطان وقوة النظام، فإننا يجب أن نرجع في ذلك في كل مكان وزمان بحسبه، وهذا هو الراجح. 
قال في الحاشية عن آثار الصحابة : ومن ذلك ما أخرجه مالك في الموطأ (2/575) عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قال: «أيما امرأة فقدت زوجها فلم تدرِ أين هو؟ فإنها تنتظر أربع سنين ثم تعتد أربعة أشهر وعشراً ثم تحل» .
وأخرجه ابن أبي شيبة (4/237) ؛ وعبد الرزاق (12317) عن عمر وعثمان رضي الله عنهما ـ. وأخرج سعيد بن منصور في سننه (1756) ؛ والبيهقي (7/445) عن ابن عباس وابن عمر ـ رضي الله عنهم ـ مثل ذلك، وصحح هذه الآثار الحافظ ابن حجر في الفتح (9/340) ط/دار الريان.

- باب ميراث الغرقى : أولاً نصور المسألة: هؤلاء جماعة ركبوا سفينة، غرقت السفينة وماتوا كلهم، ولا ندري أيهم الأول، فهل يجري التوارث بينهم أو لا؟ المذهب أنه يجري التوارث بينهم إذا لم يختلف الورثة.
القول الثاني: أنه لا توارث بينهم، كل واحد منهم لا يرث الآخر، وإنما يرثه الورثة الآخرون؛ لأن من شرط الإرث أن يوجد الوارث بعد موت المورث ، فلا بد أن نعلم أن الوارث وجد بعد موت المورث، وهنا الشرط غير موجود، إذاً لا توارث، وهذا القول مع كونه أصح وأوفق للأدلة الشرعية هو ـ أيضاً ـ أهون وأقطع للنزاع، على القول الأول سيكون نزاعٌ إذا كان أحد الذين غرقوا يملك الملايين، والثاني يملك ثوبه الذي عليه فقط، فنورث هذا من هذا وهذا من هذا، فالغني هل يرث من الفقير؟ لا؛ لأنه لا شيء له، والفقير يرث من الغني، فيعود مال هذا الغني لورثة الفقير بأي حق؟! فالقول الراجح بلا شك أنه لا توارث بينهم،
وعلى المذهب إن تنازع الورثة في المثال الذي ذكرنا، أخوان أحدهما يملك الملايين والثاني ما عنده شيء، كل واحد منهم له زوجة وأم، ثم تنازعوا فورثة الغني يقولون: إن مورثكم مات قبل مورثنا، وأولئك يقولون بالعكس، فهنا يتساقطون، وهذا فيه شيء من الصحة، ويكون ميراث كل ميت لورثته، وأما إذا لم يختلفوا قالوا: ما نعلم، فنحن لا ندعي أن مورثنا هو الأول أو الثاني، فحينئذٍ يرث كل واحد منهما من الآخر من تلاد ماله ـ أي: من قديمه ـ لا مما ورثه منه؛ لأننا لو قلنا: مما ورثه منه، صار دوراً، فيرث هذا مما ورثه منه، ثم ذاك يرث مما ورث منه، وهكذا... ومع هذا نحن نقول ونرجح: أنه لا توارث بينهما، وأنه لا حق لأحدهما في مال الآخر؛ لأن الشرط وهو وجود الوارث بعد موت المورث لم يتحقق، وهذا الذي اخترناه هو مذهب الشافعي ـ رحمه الله ـ وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ .

مختارات من الشرح الممتع ، باب العصبات ، وباب أصول المسائل

- قوله: «وهم كل من لو انفرد لأخذ المال بجهة واحدة، ومع ذي فرض يأخذ ما بقي» . المؤلف ـ رحمه الله ـ عَرَّف العصبة بالحكم، والتعريف بالحكم يسلكه كثير من العلماء، لكنه عند أهل المنطق معيب.

وعِنْدَهُمْ مِنْ جُمْلَةِ المَرْدُودِ

أَنْ تُدْخَلَ الأَحْكَامُ فِي الحُدُودِ

وما ذهب إليه أهل المنطق أوضح، فكيف تحكم على ما لا تعرف، فاعرف الشيء أولاً ثم احكم عليه، لكن من باب التسامح فإن الفقهاء ـ رحمهم الله ـ يستعملون الأحكام في الحدود.
أما تعريفه بالرسم فيقال: كل من يرث بلا تقدير.


- القول الراجح - في المسألة المشركة - بلا شك أنه لا يمكن أن يكون الإخوة الأشقاء مشاركين للإخوة من الأم؛ لأننا لو شركناهم لخالفنا الحديث والقرآن، فإذا شركناهم مع الإخوة من الأم، فهل يكون للإخوة من الأم الثلث؟ لا؛ لأن هؤلاء سيشاركونهم، وإذا شركناهم هل نحن امتثلنا أمر الرسول صلّى الله عليه وسلّم في قوله: «فما بقي فلأولى رجل ذكر» ؟ لا، ولذلك نحن نسأل الله ـ عزّ وجل ـ العفو والمغفرة لمن ذهبوا هذا المذهب، وشركوا الإخوة الأشقاء مع الإخوة لأم، ونقول: هم مجتهدون، ومن اجتهد فأصاب فله أجران، ومن لم يصب فله أجر واحد.

- قال في نهاية كتاب العصبات انتهى ـ والحمد لله ـ الكلام على المواريث فقهاً، وهذا هو المهم؛ ولم يبق إلا الكلام عليها حساباً، ومعرفة الفرائض حساباً ما هو إلا وسيلة فقط، والوسيلة قد لا تكون ضرورة، إن احتجنا إليها أخذنا بها وإلا فلا.

- مثال نصف وما بقي: هلكت عن زوج وعم، عن بنت وعم، عن بنت ابن وعم، أخت شقيقة وعم , أخت لأب وعم، خمس مسائل، لا يوجد غيرها.

- فثلثان وما بقي أربع مسائل: بنتان وعم، بنتا ابن وعم، أختان شقيقتان وعم، أختان لأب وعم.

- ثلث وما بقي مسألتان: أم وعم، إخوة من أم وعم، لا يوجد غير هذا.

- الثلثان والثلث، أختان شقيقتان وأختان من أم، أختان لأب وأختان من أم لا يوجد غير هذا.

- أختان شقيقتان وأختان من أم وأم، فالمسألة من ستة: الأختان الشقيقتان لهما الثلثان أربعة، والأختان من الأم الثلث اثنان، والأم لها السدس واحد، تعول إلى سبعة.
تعول إلى ثمانية: أختان شقيقتان وأم وزوج، المسألة من ستة للأختين الشقيقتين الثلثان أربعة، وللأم السدس واحد، وللزوج النصف ثلاثة.
تعول إلى تسعة: كزوج وأختين شقيقتين وأم وأخ من أم، المسألة من ستة، للزوج النصف ثلاثة، وللشقيقتين الثلثان أربعة، وللأم السدس واحد، وللأخ من الأم السدس واحد، تعول إلى تسعة، فإن جعلت معه أخاً آخر فلهما الثلث فتعول إلى عشرة، وهذا أعلى درجات العول، يعني عالت بثلثين، صار الذي له السدس ليس له إلا عشر، والذي له ثلثان ليس له إلا خمسان، وهذا أنقص ما يكون للورثة.

- لا يمكن أن تكون المسألة من أربعة وعشرين إلا وفيها ثمن.

- الثلث والثمن لا يجتمعان وكذلك الربع والثمن.

مختارات من الشرح الممتع ، كتاب الفرائض

- واعلم أن الإنسان إذا مات فإنه يتعلق بتركته خمسة حقوق:

الأول: تجهيز الميت بتغسيله وتكفينه وحنوطه وحمله ودفنه وما يتعلق بذلك، هذا قبل كل شيء، حتى لو كان عليه دين فإنه يقدم هذا على الدين.


الثاني: الدين الموثق برهن.

الثالث: الدين المرسل الذي ليس فيه رهن.

الرابع: الوصية بالثلث فأقل لغير وارث.

الخامس: الميراث.

- يثبت التوارث بين الزوجين من حين ما يعقد الرجل على المرأة، حتى وإن هلك في نفس مجلس العقد قبل أن يجتمع بها فإنها ترثه، ولو هلكت هي في مجلس العقد فإنه يرثها، إذاً يثبت التوارث بمجرد العقد، وينتهي بالبينونة، فلو طلق الرجل زوجته وانتهت العدة ثم مات لا يبقى التوارث، ولو طلق زوجته ومات وهي في العدة فالإرث باقٍ.
وهل يشترط الخلوة أو الدخول؟ لا.

- وقوله: «وولاء» وهو الاتصال بين إنسانين بسبب العتق، ويورث به من جانب واحد وهو الجانب الأعلى وهو المعتِق، فالمعتِق يرث عتيقَه، والعتيق لا يرث معتِقَهُ.

- والصواب أن أمهات الجد وارثات وإن علون أمومة؛ لأنهن مدليات بوارث، ومن أدلى بوارث من الأصول فهو وارث، وبناء على هذا القول الراجح يكون الشرط في إرث الجدة واحداً فقط، وهو ألا تدلي بذكر مسبوق بأنثى، وعلى هذا فأم أم أم أم أم أم أب ترث.

- إذا كان الله ـ تعالى ـ ذكر أحوال الأم وهي ثلاثة فقط، فكيف لا يذكر أحوال الجد وهي خمسة؟! وهذا من أكبر الأدلة على ضعف هذا القول، إذن الصحيح هو أن الجد بمنزلة الأب، لكنه يختلف عن الأب في مسألة واحدة، وهي مسألة العمريتين فإنه ليس كالأب، فزوجة وأم وجد، للزوجة الربع وللأم الثلث والباقي للجد، وزوج وأم وجد، للزوج النصف وللأم الثلث والباقي للجد، فهذه المسألة يخالف فيها الجدُ الأبَ فليس كالأب، والفرق ظاهر أن الجد أبعد من الأم مرتبة، ولا يمكن للأبعد أن يزاحم الأقرب، فنعطي الأم فرضها كاملاً ونقول: للجد ما بقي، بخلاف الأم مع الأب فهم سواء.

- فالخلاصة في ميراث الجد مع الإخوة، إذا لم يكن معهم صاحب فرض، إما مقاسمة أو ثلث المال، وإذا كان معهم صاحب فرض فأعط صاحب الفرض حقه، ثم قل للجد والإخوة: الباقي بينكم، ولكن الجد يخير بين سدس المال، أو ثلث الباقي، أو المقاسمة.

- وقسمة الأكدرية على القول الراجح للزوج النصف، وللأم الثلث والباقي للجد، حتى الأخت الشقيقة إذا لم تورثها أصلاً أهون من أن تعطيها ميراثها ثم ترجع عليها ... فالقول الصحيح أن الجد مسقط للإخوة كلهم الأشقاء أو لأب أو لأم، الذكور والإناث.

- والقول الصحيح أن الجد أب يسقط الإخوة كلهم.

- وأما أم أبي أبي الأب، سبق لنا أنها لا ترث على المذهب، وأن القول الراجح أنها ترث.

- القاعدة ـ وهي التي تكون عند كثير من العلماء مطلقة ـ أن من أدلى بواسطة حجبته تلك الواسطة إلا الإخوة من الأم، فهذه القاعدة يجب أن تقيد بأن من أدلى بواسطة وكان يقوم مقام هذه الواسطة عند عدمها، فإنه يسقط بها ومن لا فلا، إذاً أم الأب ترث مع الأب، وأم الجد ترث مع الجد، فلو هلك هالك عن أبيه وأم أبيه، فلأم أبيه السدس ولأبيه الباقي؛ لأن أباه يرث بالتعصيب لعدم الفرع الوارث، فهنا ورثت الأم مع الأب مع أنها مدلية به؛ لأنها لا تنزل منزلته عند عدمه.

- من قواعد الحجب في الفروع: كل ذكر يحجب من تحته، سواء من جنسه أو من غير جنسه، فابن يحجب ابن ابن، وابن يحجب بنت ابن، وابن ابن يحجب بنت ابن ابن؛ أما الأنثى فلا تحجب من تحتها، فلو هلك هالك عن بنت وبنت ابن، ورثت البنت النصف، ولبنت الابن السدس.

الأربعاء، 31 أكتوبر 2018

مختارات من الشرح الممتع ، كتاب الوصايا

- وقوله: «يسن» صريح في أن الوصية للأقارب غير الوارثين ليست واجبة، وهذا هو الذي عليه جمهور العلماء، وقالوا: إن آيات المواريث نسخت قول الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} .
فأكثر العلماء على أن آيات المواريث ناسخة لهذه الآية، وأنه لا يُعمَل بأي حرف منها؛ لأنها منسوخة، والنسخ رفع الحكم.
ولكن أبى ذلك عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ فقال: إن الآية محكمة، وأن الوصية واجبة للأقارب غير الوارثين، وما ذهب إليه أقرب إلى الصواب.

- قوله: «وتكره وصية فقير» المراد بالفقير هنا الفقير عرفاً، وليس الفقير في باب الزكاة، فالفقير في باب الزكاة هو الذي لا يجد كفايته وكفاية عائلته سنة.

- تصح الهبة المشروطة بشرط، خلافاً للمذهب، مثل أن يقول لشخص: إن تزوجت فقد وهبت لك هذا البيت تسكنه أنت وزوجتك، فهذا يجوز؛ لأن المسلمين على شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرَّم حلالاً، والصحيح أن جميع العقود يجوز فيها التعليق إلا إذا كان هذا التعليق يحق باطلاً أو يبطل حقاً.

- القول الراجح أنه إذا ترك الحج لا يريد الحج فإنه لا يُقضى عنه، ويترك لربه يعاقبه يوم القيامة؛ لأنه ترك الحج وهو لا يريده، أما لو فرض أن الرجل متهاون، يقول: أحج العام القادم وهكذا، فهذا يتوجب القول بقضاء الحج عنه، وقد ذكر هذا ابن القيم ـ رحمه الله ـ في كتابه تهذيب السنن، وقال: قواعد الشريعة تقتضي ألا يقضى عنه الحج، ومثله الزكاة، فإن تركها الإنسان بخلاً لا تفريطاً في الأداء فإننا لا نؤدي الزكاة عنه، أما لو تركها تفريطاً ثم مات فهنا يتوجه أن نؤدي الزكاة عنه؛ لأنه يرجو أن يؤديها لكن عاجله الأجل.

- إذا اجتمعت ديون لله وللآدمي، فهل نقدم دَين الآدمي، أو دَين الله، أو يشتركان؟
مثال ذلك: رجل مات وفي ذمته خمسة آلاف ريال زكاة، وعليه لزيد خمسة آلاف، ولما توفي لم نجد إلا خمسة آلاف فقط، فالدين أكثر من التركة، فهل نصرف خمسة الآلاف في الزكاة؟ أو في دين الآدمي؟ أو يشتركان؟

في هذا ثلاثة أقوال للعلماء:

فمنهم من قال: يُقضى دين الآدمي، فنعطي خمسة آلاف ـ التي هي التركة ـ الآدمي، وعلل ذلك بأن حق الله مبني على المسامحة، وهو ـ سبحانه وتعالى ـ غني عنا، وحق الآدمي مبني على المشاحة، وهو بحاجة إلى حقه، فيقدم.

ومنهم من قال: يقدم حق الله ـ عزّ وجل ـ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «اقضوا الله، فالله أحق بالقضاء»، و (أحق) اسم تفضيل، فيقدم على الحق المفضل عليه، وعلى هذا القول نخرج خمسة الآلاف التي في التركة لأهل الزكاة.

ومنهم من قال: يشتركان؛ لأن كلًّا منهما دين في ذمة الميت فلا يفضل أحدهما على الآخر، وهذا هو المذهب عند الأصحاب ـ رحمهم الله ـ وهو الصحيح.

فإن قال قائل: ما هو الجواب عن قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «اقضوا الله، فالله أحق بالقضاء» ؟

الجواب: أن معنى الحديث: إذا كان دين الآدمي يقضى فدين الله من باب أولى؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «أرأيتِ لو كان على أمكِ دين فقضيتيه أيجزئ عنها؟» ، قالت: نعم، قال: «اقضوا الله فالله أحق بالقضاء» ، والمسألة لم ترد في حقين أحدهما لله والآخر للآدمي حتى نقول: إن الرسول صلّى الله عليه وسلّم حكم بأن دَين الله مقدم، إنما أراد الرسول صلّى الله عليه وسلّم القياس، فإذا كان دين الآدمي يقضى فالله أحق بالوفاء.

ونجيب عن القول الآخر، وهو أن حق الآدمي مبني على المشاحة والحاجة، بأن حق الله ـ عزّ وجل ـ يكون لعباد الله، فالزكاة ـ مثلاً ـ للمخلوقين وليست لله ـ عزّ وجل ـ، بمعنى أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ لا ينتفع بها، فهي في الحقيقة حق لله، وفي نفس الوقت حق لعباد الله، وكذلك نقول في الكفارات، وغيرها مما يجب على الإنسان لله ـ عزّ وجل ـ.

فالقول بأنهما يتحاصَّان ويشتركان هو القول الراجح.


- تصح الوصية للميت وتصرف صدقة له في أعمال الخير.

- وقوله: «ولو دية» إشارة خلاف لكنه خلاف ضعيف، فقيل: إن الدية لا تدخل في الوصية؛ لأنها إنما وجبت بعد موته فتكون للورثة خاصة، والذين قالوا تدخل في الوصية قالوا: لأن الموصى له صار مستحقاً لمال الموصي، وموته شرط لثبوتها، أما سبب الثبوت ـ وهو الجناية ـ فهو سابق على الموت؛ لأن الجناية حدثت قبل الموت، وهذا هو الصحيح أن الدية تدخل في الوصية.

مثال ذلك: رجل أوصى بثلث ماله وعنده مائتا ألف، ثم قُتِلَ خطأً فاستحق الدية مائة ألف، فيكون الجميع ثلاثمائة ألف فيكون للموصى له مائة ألف، ولو قلنا: إن الدية لا تدخل لكان للموصى له ثلث المائتين، أي: ستة وستون وثلثان، لكن نقول: له مائة ألف؛ لأن الدية تعتبر من ماله؛ لأنها عوض نفسه.

وبناءً على هذا ينبغي للقضاة إذا كتبوا تنازل الورثة عن الدية، أن يسألوا أولاً هل أوصى أو لا؟ فإن كان قد أوصى فليس لهم التنازل عن الدية كلها، إلا إذا كان له مال يقابل الثلث؛ لأن حق الوصية مشارك لحق الورثة، فيسأل ويقول: هل له ما يقابل الثلث؟ فإذا قالوا: ليس عنده إلا هذه الدية، فيقول: إذاً لا يصح عفوهم إلا عن ثلثي الدية، أما ثلثها فهي للوصية إذا كان قد أوصى بالثلث.

وهذه يغفل عنها بعض الناس، تجده ـ مثلاً ـ يحضر الورثة ويكتب تنازلهم ولا يسأل هل أوصى أو لا؟ وهل له مال سوى هذه الدية أو لا؟

- وشرب الدخان إصرار على صغيرة.

- وَلاَ تَصِحُّ وَصِيَّةٌ إِلاَّ فِي تَصَرُّفٍ مَعْلُومٍ يَمْلِكُهُ المُوصِي كَقَضَاءِ دَيْنِهِ وَتَفْرِقَةِ ثُلُثِهِ والنَّظَرِ لِصِغَارِهِ،.............

قوله: «ولا تصح وصية إلا في تصرف معلوم يملكه الموصي» أي: الوصية لا تصح بالنسبة للموصى إليه إلا في تصرف معلوم يبينه الموصي، ويكون الموصي يملك ذلك، فإن كان في تصرف مجهول فإنه لا يصح، وهل مثله إذا أَطلق ولم يذكر تصرفاً؟ يحتمل هذا وهذا، مثل أن يقول: أوصيت بخمسي إلى فلان، ولا يذكر شيئاً، فظاهر كلام المؤلف أنه لا تصح الوصية؛ لأن الموصى إليه ماذا يصنع؟

لكن القول الراجح: أنه تصح الوصية ويقال للموصى إليه: افعل ما يقتضيه العرف، أو افعل ما ترى أنه أحسن شيء في أمور الخير، حتى وإن اقتضى العرف خلافه، وَعُرْفُنا الآن ـ الذي جرى عليه أكثر الناس ـ إذا قال: أوصيت بخمس مالي أو ثلثه يجعل في أضحية، وعشاء في رمضان، وما أشبه ذلك من المصروفات التي يعرفها الناس من قبل، لكن لو رأى الموصى إليه أن يصرف هذا في عمارة المساجد وطبع الكتب المحتاج إليها، وتزويج المحتاجين وإعانة طلاب العلم، فهذا أفضل من أضحية تذبح ويتنازع عليها الورثة.

وكان الناس فيما سبق ـ لما كانت الأموال قليلة ـ يتنازعون على الأضحية نزاعاً شديداً، حتى لو أخذ أحدهم أكثر من الآخر برطل تنازع معه.

فنقول: إذا أوصى بشيء وأطلق، فالصحيح أنه جائز، ويصرف فيما اعتاده أهل البلد، أو على الأصح فيما يرى أنه أفضل.

- «وتفرقة ثلثه» وليته قال: تفرقة خمسه؛ لأنه في أول الوصايا قال: تسن بالخمس.

مختارات من الشرح الممتع ، باب الهبة والعطية

- والعطية معطوفة على الهبة من باب عطف الخاص على العام؛ لأن العطية هي التبرع بالمال في مرض الموت المخوف، فهي أخص من الهبة، والهبة أن يتبرع بالمال في حال الصحة، أو في مرضٍ غير مخوف، أو في مخوف لم يمت به.

- وهذه العقود الأربعة الوقف والهبة والعطية والهدية أوسع من عقود المعاوضات من وجه، وأضيق من وجه، فعقود المعاوضات كالبيع والإجارة تجوز حتى ممن عليه الدَّين، أما التبرعات فلا، وعقود التبرعات تجوز في الأشياء المجهولة، والمعاوضات لا تجوز.



- والصواب: أنه يصح هبة المجهول، سواء تعذر علمه أم لم يتعذر.



- الهبة لا تلزم إلا بالقبض، فإذا قبضها فليس فيها خيار مجلس؛ لأن هذا عقد تبرع، والذي فيه خيار المجلس هو عقد المعاوضة.



- القول الراجح هو ما ذكره المؤلف أن الأولاد يعطون على حسب ما ذكر الله ـ عزّ وجل ـ في كتابه في إرثهم: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} ولا شك أنه لا أعدل من قسمة الله ـ عزّ وجل ـ، ومن قال: إن هناك فرقاً بين الحياة والممات، فإنه يحتاج إلى دليل على ذلك، فنقول: هم في الحياة وبعد الممات سواء.
وأفادنا المؤلف ـ رحمه الله ـ بقوله: «في عطية» أنه بالنسبة للنفقة لا يكون التعديل بينهم بقدر إرثهم، بل بقدر حاجتهم.



- هل يفضِّل بينهم باعتبار البِرِّ؟ يعني إذا كان أحدهما أبر من الآخر، فقال: سأعطي البار أكثر مما أعطي العاق؛ تشجيعاً للبار وحثاً للعاق؟ فهذا لا يجوز.



- الأب لو أبرأ ابنه من دين فليس له الرجوع؛ لأن الإبراء ليس بهبة، بل هو إسقاط.



- وقوله: «إلا الأب» يخرج به الجد، فليس له أن يرجع فيما وهب لابن ابنه، أو لابن بنته، ويخرج من ذلك الأم، فليس لها أن ترجع فيما وهبت لابنها.



- الظاهر أن الحديث يدل على صحة تصرف الأب في مال ابنه إذا لم يضره أو يحتاجه، وأما الإبراء فليس له ذلك؛ لأن قوله صلّى الله عليه وسلّم: «أنت ومالك لأبيك» ، لا يدخل فيه الدَّين؛ لأن الدَّين لا يكون مالاً للابن حتى يقبضه.



- وأعتقد أن هذا العمل من الابن ـ أعني مطالبة أبيه بالنفقة ـ لا يخالف المروءة؛ لأن الذي خرم المروءة هو الأب، لِمَ لم ينفق؟! فإذا طالب أباه بالنفقة فله ذلك وله حبسه عليها.



- قوله: «وذات الجنب» وهو وجع في الجنب في الضلوع، يقولون: إن سببه أن الرئة تلصق في الضلوع، ولصوقها هذا يشل حركتها، فلا يحصل للقلب كمال دفع الدم وغير ذلك من أعماله، فهذا من الأمراض المخوفة.
وكان هذا الداء كثيراً جداً فيما سبق وقد عشنا ذلك، لا سيما في استقبال الشتاء، ولكنه ـ سبحان الله ـ يُشْفَى بإذن الله ـ عزّ وجل ـ بالكي، وهو أحسن علاج له، حتى إن بعض المرضى يغمى عليه، ويبقى الأيام والليالي وقد أغمي عليه، ثم يأتي الطبيب العربي، فيقص أثر الألم في الضلوع ثم يَسِم محل الألم بوَسْمٍ ثم يكويه، فإذا كواه ـ سبحان الله ـ لا يمضي ساعة واحدة إلا وقد تنفس المريض، ولذلك لا يوجد علاج فيما سبق لذات الجنب إلا الكي.
وذات الجنب تؤدي إلى الهلاك لا شك، ومن مات بذات الجنب لم يُعَدَّ مات بشيء غريب.



- والصواب في هذه المسألة: أنه إذا قال طبيب ماهر: إن هذا مرض مخوف، قبل قوله، سواء كان مسلماً أو كافراً، ولو أننا مشينا على ما قال المؤلف لم نثق في أي طبيب غير مسلم، مع أننا أحياناً نثق بالطبيب غير المسلم أكثر مما نثق بالطبيب المسلم، إذا كان الأول أشد حذقاً من الثاني.
ثم إن صناعة الطب يبعد الغدر فيها من الكافر؛ لسببين:
الأول: أن كل إنسان يريد أن تنجح صناعته، فالطبيب ولو كان غير مسلم يريد أن تنجح صناعته، وأن يكون مصيباً في العلاج وفي الجراحة.
الثاني: أن من الأطباء من يكون داعية لدينه وهو كافر،وإذا كان داعية لدينه فلا يمكن أن يغرر بالمسلم؛ لأنه يريد أن يمدحه الناس ويحبوه ويحترموه؛ لأنه ناصح، فالصواب في هذه المسألة أن المعتبر حذق الطبيب، والثقة بقوله، والأمانة، ولو كان غير مسلم، والدليل على هذا أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أخذ بقول الكافر في الأمور المادية التي مستندها التجارب، وذلك حينما استأجر رجلاً مشركاً من بني الديل اسمه عبد الله بن أريقط ليدله على الطريق في سفره في الهجرة ، فاستأجره النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو كافر، وأعطاه بعيره وبعير أبي بكر؛ ليأتي بهما بعد ثلاث ليال إلى غار ثور، فهذا ائتمان عظيم على المال وعلى النفس.
وحتى العدالة، فلو أننا اشترطناها في أخبار الأطباء ما عملنا بقول طبيب واحد إلا أن يشاء الله؛ لأن أكثر الأطباء لا يتصفون بالعدالة، فأكثرهم لا يصلي مع الجماعة ويدخن ويحلق لحيته، فلو اشترطنا العدالة لأهدرنا قول أكثر الأطباء.
وكذلك العدد، فالمؤلف اشترط أن يكون اثنين فأكثر، ولكن الصحيح أن الواحد يكفي؛ لأن هذا من باب الخبر المحض، ومن باب التكسب بالصنعة، فخبر الواحد كافٍ في ذلك.



- (في البلد التي وقع بها الطاعون) قيد النبي صلّى الله عليه وسلّم منع الخروج بما إذا كان فراراً، أما إذا كان الإنسان أتى إلى هذا البلد لغرض أو لتجارة وانتهت، وأراد أن يرجع إلى بلده فلا نقول: هذا حرام عليك، بل نقول: لك أن تذهب.



- قوله: «ولا بما فوق الثلث إلا بإجازة الورثة لها» يعني ولا بما فوق الثلث لأجنبي، فالأجنبي حده الثلث، فإذا أجاز الورثة فلا بأس، والورثة الذين تعتبر إجازتهم هم الذين يصح تبرعهم، ولا بد أن تكون الإجازة بعد الموت.



- تصح إجازة الورثة في مرض الموت المخوف؛ لأن سبب إرثهم قد انعقد وهم أحرار.



- يجوز أن يعطي بعض الورثة دون الآخرين، إن كانوا مِنْ غير الأولاد على القول الراجح، ويجوز أن يتبرع بأكثر من الثلث؛ لأن الصحيح يجوز أن يتبرع بجميع ماله.



- وقد ذكرنا أنه يصح على قول أن يوصي الإنسان بتزويج بناته وهذا هو المذهب، والصحيح أنه لا تصح وصيته بتزويج بناته؛ لأنه ولي على بناته ما دام حياً، وترتيب الولاية ليست إلى الولي، بل هي إلى ولي الولي وهو الله ـ عزّ وجل ـ، وعلى هذا فإذا مات الإنسان انقطعت ولايته في تزويج بناته، كما تنقطع ولاية بقية الأولياء.
فلو قال شخص عند موته: أوصيت إلى فلان أن يتولى تزويج بناتي ثم مات ولهن عم، فالقول الراجح أن يزوجهن العم، والقول الثاني: يزوجهن الوصي، وذكر هذه المسألة صفحة 193 من هذا الجزء في باب الموصى إليه.

مختارات من الشرح الممتع ، كتاب الوقف

- وبِالفِعْلِ الدَّالِّ عَلَيْهِ، كَمَنْ جَعَلَ أَرْضَهُ مَسْجِداً وأَذِنَ للنَّاسِ في الصَّلاةِ فِيهِ أَوْ مَقْبَرَةً وَأَذِنَ فِي الدَّفْنِ فِيهَا..

«وبالفعل الدال عليه، كمن جعل أرضه مسجداً وأذن للناس في الصلاة فيه» ، يعني بنى مسجداً وقال للناس: صلوا فيه، فهنا لم يقل: إنه وقف، لكنه فعل فعلاً يدل على الوقف؛ لأن الرجل بنى مسجداً وقال للناس: صلوا، وأما من بنى مصلى عند بستانه وصار الناس يأتون ويصلون فيه، فهذا لا يدل على أنه وقف، لكن إذا بنى مسجداً يعني على هيئة مسجد، وقال للناس: صلوا فيه، فهو وقف وإن لم يقل: وقفت؛ لأن هذا الفعل دال عليه حتى لو نوى خلافه، فإنه يكون وقفاً اعتباراً بقوة القرينة.
وإذا قال: إني أردت أنه عارية، قلنا: في هذه الحال يجب أن تكتب: إني أعرت هذا المكان للناس يصلون فيه، متى احتجته أخذته، ولا بد من هذا وإلا صار وقفاً.
قوله: «أو مقبرة وأذن في الدفن فيها» ، أي: سوَّر أرضه على أنها مقبرة، ولم يكتب على بابها أنها مقبرة، ولم يكتب في الوثيقة أنها مقبرة، وقال للناس: من شاء أن يدفن فيها ميتاً فليفعل، فهنا نقول: الأرض صارت مقبرة، أي: صارت وقفاً على المسلمين، ولا يمكنه أن يرجع.
نعم لو أراد أن يعير أرضاً للدفن فيها، فهنا لا بد أن يكتب أنه أعار هذه الأرض للدفن فيها، وإذا أعارها للدفن فيها فإنه لا يرجع حتى يبلى الميت؛ لأن من لازم الإذن في الدفن أن يبقى الميت مدفوناً محترماً، فلا ينبش إلا إذا بلي.
وهذا الفعل، أي: جعل الأرض مسجداً أو مقبرة لا يخلو من ثلاث حالات:



الأولى: أن ينوي بذلك أنها مسجد أو مقبرة، فتكون كذلك ولا إشكال في ذلك.

الثانية: أن ينوي خلاف ذلك، بأن ينوي بجعلها مسجداً أو مقبرة أنها مؤقتة، فقد صرح شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ أنها تكون وقفاً ولو نوى خلافه؛ لأن هذه النية تخالف الواقع؛ لأن من جعل أرضه مسجداً فإنه معلوم أن المسجد سوف يبقى، فكيف تنوي أن لا يبقى؟!

الثالثة: ألا ينوي هذا ولا هذا، فتكون وقفاً لا إشكال فيه.

ولو أن رجلاً عنده أرض بين شارعين، فجعل الناس يستطرقون هذه الأرض وهو ساكت، فهل نقول: إن هذا الطريق صار وقفاً؟ لا؛ لأن هذا لا يدل على الوقف، فكثير من الناس إذا لم يكن محتاجاً للأرض فإنه يسمح للناس أن يتجاوزوا منها، ولكن إذا احتاجها حرفها وسد الطريق، فلا بد في الفعل من قرينة ظاهرة تدل على الوقف؛ لأن الأصل بقاء ملك الإنسان فيما يملك، ولا نخرجه عن هذا الأصل إلا بقرينة ظاهرة.


- وهل يشترط أن يكون جائز التبرع، بمعنى أنه ليس عليه دينٌ يستغرق مالَهُ؟ في هذا خلاف بين العلماء، وهو مبني على جواز تصرف من عليه دين، فإن قلنا بجواز تصرف من عليه دين يستغرق ماله، قلنا بجواز الوقف، وإن لم نقل ذلك قلنا: لا يصح وقفه.
والصحيح أنه لا يصح تبرعه؛ لأن من عليه دينٌ يستغرق ماله فقد شغله بالدين، وقضاء الدين واجب، والتبرع والصدقة مستحب، فلا يمكن أن نسقط واجباً بمستحب، فالصحيح أنه لا يصح منه الوقف والعتق ولا يجوز له أن يتصدق، أما المذهب فيجوز إلا إذا حُجر عليه من قبل القاضي، فإنه لا يصح أن يتبرع.


- والأقارب من الجد الرابع فنازل، فالإخوان والأعمام وأعمام الأب وأعمام الجد وأعمام جد أبيك فهؤلاء أقارب، ومن فوق الجد الرابع فليسوا بأقارب، وإن كان فيهم قرابة لكن لا يُعَدُّون من الأقارب الأدْنَيْن، ولهذا لما أنزل الله: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ *} ، لم يدع النبي صلّى الله عليه وسلّم كل قريب، بل دعى من شاركوه في الأب الرابع فما دون.

- وإذا كان على لاعبي الكرة، فهذا لا يصح؛ لأن هذه جهة، ولا بد أن تكون على بر، وهذا ليس ببر.

- قوله: «وذريته لصلبه» يعني إذا نص على التقييد بالصلب فإن أولاد البنات لا يدخلون بلا إشكال.
فلو قال: هذا وقف على ولد ولدي لصلبي، فلا يدخل أولاد البنات؛ لأن أولاد البنات ليسوا ذرية لصلبه بل ذرية لبطنه، فالولد يكون في بطن الأنثى وفي صلب الرجل، فمن ينسب إليه عن طريق البنات لا ينسب إليه لصلبه بل لبطنه، وهو قيدها بصلبه.

- وهنا يرد علينا الإشكال الذي أجبنا عنه أولاً، وهو أن عيسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ من ذرية إبراهيم، فكيف كان ذلك؟ والجواب أن عيسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ أبوه أمه؛ لأنه خلق من دون أب، ولهذا لو أن شخصاً انتفى من ولده، وقال: هذا الولد ليس مني، وقُبِل انتفاؤه بالشروط المعروفة، صار هذا الولد أبوه أمه، ولهذا إذا مات عنها ترثه هي ميراث أم وأب، فيقال: إذا لم يكن له أبناء ولا إخوة، فأمه لها الثلث بالفرض والباقي بالتعصيب؛ لأنها هي أبوه وأمه.

- فالقول الراجح أننا نلغي هذا الوقف ( الوقف على البنين دون البنات ) ولا نصححه، ويعود هذا الموقوف ملكاً للورثة؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» ، وقد يقال: يبقى وقفاً على البنين والبنات؛ لأن المُوقف أخرجه عن ملكه إلى ملك هؤلاء، ولكن الاحتمال الأول أقرب، وهو إبطال الوقف؛ لأنه عمل ليس عليه أمر الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، بل هو مخالف لأمر الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم.

- وقوله: «وأهل بيته» يشمل الذكر والأنثى من أولاده، وأولاد أبيه، وأولاد جده، وأولاد جد أبيه.
وهل يشمل الزوجات؟
المذهب أنهن لا يدخلن؛ لأن أهل بيته مثل القرابة تماماً، والصحيح أن زوجاته إذا لم يطلقهن يدخلن في أهل بيته، ولا شك في هذا، لقوله تعالى في نساء النبي صلّى الله عليه وسلّم: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} ، وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي» ، بل لو قيل: إن أهل بيته هم زوجاته ومن يعولهم فقط، لكان قولاً قوياً؛ لأن هذا هو عرف الناس، فالآن عمك وأخوك إذا انفردا في بيت، لا يقول الناس: إنهما أهل بيتك، فأهل البيت عرفاً هم الذين يعولهم من الزوجات والبنين والبنات، لكن مهما كان الأمر فإن الزوجات بلا شك إذا لم يطلقهن يدخلن في أهل البيت، ولا يدخلن في القرابة.

- أما الوقف المعلق بالموت كما لو قال: هذا وقف بعد موتي، فالمذهب أنه لازم من حين قوله ولا يمكن فسخه، لكن مع ذلك لا ينفذ منه إلا ما كان من ثلث المال فأقل، فيجعلونه وصية من وجه ووقفاً من وجه، وهذا غير صحيح، فلا يمكن أن نعطي عقداً حكمين مختلفين، فإما أن نقول: إنه يلزم في الحال ونلغي التعليق، وإذا قلنا بأنه يلزم في الحال لزم، سواء كان الثلث أو أكثر أو أقل، وإما أن نقول: لا يلزم إلا بعد الموت، وحينئذٍ يكون من الثلث فأقل، وهذا هو الصحيح؛ لأن الرجل علق الوقف بشرط وهو الموت، فلا يمكن أن ينفذ قبل وجود الشرط، فلا ينفذ إلا بعد الموت ويكون من الثلث فأقل.

- قوله: «والوقف عقد لازم لا يجوز فسخه» ظاهر كلام المؤلف: أنه لا فرق بين أن يكون الإنسان مديناً أو غير مدين، ومن المعلوم أن المدين إذا كان قد حجر عليه فإن وقفه لا يصح، لكن إذا لم يحجر عليه وأوقف، وكان عليه دين يستغرق الوقف، فظاهر كلام المؤلف: أن الوقف لازم.
والقول الثاني وهو الراجح: أن الوقف في هذه الصورة ليس بلازم ولا يجوز تنفيذه؛ لأن قضاء الدين واجب والوقف تطوع، ولا يجوز أن نضيق على واجب لتطوع، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ.
فإن طرأ الدَّين بعد الوقف، كما لو وقف بيته ثم افتقر واستدان، فهل ينفسخ الوقف، أو نقول: إنه لا ينفسخ؛ لأنه تم بدون وجود المانع فيستمر؟ الأقرب الثاني، وقال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ: له أن يبيعه في دينه؛ لأن هذا ليس أشد من المدبَّر، وهو العبد الذي عُلِّق عتقه بموت سيده، وقد باعه النبي صلّى الله عليه وسلّم في الدين  .
لكن الأرجح الأول، يعني أنه إذا حدث الدَّين بعد الوقف فإن الوقف يمضي، والدَّيْنُ ييسر الله أمره.

- فالصواب أن ما فضل عن حاجة المسجد يجب أن يصرف في مسجد آخر، ما لم يتعذر أو ما لم يكن الناس في مجاعة فهم أولى؛ لأن حرمة الآدمي أشد من حرمة المسجد ولا شك.
حتى لو فرض أن المسجد مسجد جامع فيجب أن يصرف في مسجد جامع إن تيسر، وإلا ففي مسجد بقية الصلوات، وإنما قلنا: مسجد جامع؛ لأن المسجد الجامع أكثر أجراً وثواباً؛ حيث إنه تصلى فيه الجمعة، وبقية المساجد لا تصلى فيها الجمعة، ثم إنه في صلاة الجمعة يكون أكثر عدداً من المساجد الأخرى.

الثلاثاء، 30 أكتوبر 2018

مختارات من ديوان ابن زيدون

مَا ضرَّ لوْ أنّكَ لي راحمُ
وَعِلّتي أنْتَ بِها عَالِمُ

يَهْنِيكَ، يا سُؤلي ويَا بُغيَتي
أنّك مِمّا أشْتَكي سَالِمُ

تضحكُ في الحبّ، وأبكي أنَا
اللهُ، فيمَا بيننَا، حاكمُ

أقُولُ لَمّا طارَ عَنّي الكَرَى
قَولَ مُعَنًّى ، قَلْبُهُ هَائِمُ

يا نَائِماً أيْقَظَني حُبُّهُ
هبْ لي رُقاداً أيّها النّائِمُ!

&&&

إن غبتَ لم ألق إنسانا يؤنسني
وإن حضرت فكل الناس قد حضرا

&&&

أيُوحِشُني الزّمانُ، وَأنْتَ أُنْسِي
وَيُظْلِمُ لي النّهارُ وَأنتَ شَمْسي؟

وَأغرِسُ في مَحَبّتِكَ الأماني،
فأجْني الموتَ منْ ثمرَاتِ غرسِي

لَقَدْ جَازَيْتَ غَدْراً عن وَفَائي
وَبِعْتَ مَوَدّتي، ظُلْماً، ببَخْسِ

ولوْ أنّ الزّمانَ أطاعَ حكْمِي
فديْتُكَ، مِنْ مكارهِهِ، بنَفسي

&&&

لقد أعيا تلونك احتيالي
وهل يغني احتيال في ملول






فإن تتناقلك الديار فطالما
تناقلت البدر المنير المنازل

وما الشعر مما أدعيه فضيلة
تزين ولكن أنطقتني الفواضل

&&&

حليم تلافى الجاهلين أناته
إذ الحلم عن بعض الذنوب عقاب

&&&

لعمرك ما للمال أسعى، فإنما
يرى المال أسنى حظِّه الطبع الوغدُ





وورثت أعمار العدا
وقسمتها في الأولياء

&&&

قرت وفازت بالخطير من المنى
عين تقلب لحظها فتراك

&&&

يا ليلُ طلْ، لا أشتَهي
إلاّ بِوَصْلٍ، قِصَرَك

لوْ باتَ عندي قمرِي
ما بتُّ أرعَى قمرَكْ

يا ليلُ خبّرْ: أنّني
ألْتذُّ عنْهُ خبرَكْ

بِاللَّهِ قُلْ لي: هَلْ وَفَى ؟
فَقالَ: لا، بَل غَدَرَكْ!

&&&

بيْني وبينكَ ما لو شئتَ لم يضعِ
سرٌّ، إذا ذاعتِ الأسرَارُ، لم يَذعِ

يا بائعاً حَظَّهُ مِنّي، وَلَوْ بُذِلَتْ
ليَ الحياة ُ، بحظّي منهُ، لم أبعِ

يكفيكَ أنّك، إنْ حمّلتَ قلبي ما 
لم تستطِعْهُ قلوبُ الناسِ يستطعِ

تهْ أحتملْ واستطلْ أصبرْ وعزَّ أهنْ 
وَوَلّ أُقْبِلْ وَقُلْ أسمَعْ وَمُرْ أطعِ

&&&

فما لحقت تلك الليالي ملامة
ولا ذم من ذاك الحبيب ذمام

&&&

فديتُكِ، إنْ تعجَلِي بالجَفَا؛
فَقَدْ يَهَبُ الرّيثَ بَعْضُ العَجَلْ

عَلامَ اطّبَتْكِ دَوَاعِي القِلَى ؟
وَفِيمَ ثَنَتْكِ نَوَاهِي العَذَلْ؟

ألمْ ألزَمِ الصّبرَ كيْمَا أخفّ؟ 
ألمْ أكثرِ الهجرَ كي لا أملّ؟

ألمْ أرضَ منْكِ بغيرِ الرّضَى ؛
وأبدي السّرورَ بمَا لمْ أنلْ؟

ألَمْ أغتفِرْ موبقَاتِ الذّنُوبِ،
عَمْداً أتَيْتِ بِهَا أمْ زَلَلْ؟

ومَا ساءَ ظنِّيَ في أنْ يسيء، 
بِيَ الفِعْلَ، حُسْنُكِ، حتى فَعَلْ

سَعَيْتِ لِتَكْدِيرِ عَهْدٍ صَفَا،
وحاولتِ نقصَ ودادٍ كملْ

ومهمَا هززْتُ إليكِ العتابَ،
ظاهَرْتِ بَيْنَ ضُرُوبِ العِلَلْ

كأنّكِ ناظرْتِ أهلَ الكلامِ، 
وَأُوتِيتِ فَهْماً بعِلْمِ الجَدَلْ

وَمَا بِاخْتِيَارٍ تَسَلّيْتُ عَنْكِ،
ولكنّني: مكرهٌ لا بطلْ

ولَمْ يدرِ قلبيَ كيفَ النُّزُوعُ،
إلى أنْ رأى سيرة ً، فامتثلْ

&&&

قلْ للوزيرِ، وقدْ قطعْتُ بمدْحِهِ 
زَمني، فكانَ السّجنُ مِنهُ ثَوابي:

لا تَخْشَ في حَقّي بِمَا أمْضَيْتَهُ 
منْ ذاكَ فيّ، ولا توقّ عتابي

لمْ تُخْطِ في أمْرِي الصّوابَ مُوَفّقاً 
هذا جزاءُ الشّاعرِ الكذّابِ!

&&&

سقيم لا أعاد فيه وفي العا
ئد أنس يفي ببرء السقيم

&&&

وقد وسموني بالتي لست أهلها
ولم يمن أمثالي بأمثالها قط

فررت فإن قالوا الفرار إرابة
فقد فر موسى حين هم به القبط






اَللَهُ يَعلَمُ أَنَّ حُبَّ
كَ مِن فُؤادي بِالصَميم

قُل لي بِأَيِّ خِلالِ سَروِكَ
قَبلُ أُفتَنُ أَو أَهيم

إِنَّ الَّذي قَسَمَ الحُظوظَ
حَباكَ بِالخُلُقِ العَظيم

لا أَستَزيدُ اللَهَ نُعمى
فيكَ لا بَل أَستَديم

حَسبي الثَناءُ لِحُسنِ بِرِّ
كَ ما بَدا بَرقٌ فَشيم

ثُمَّ الدُعاءُ بِأَن تَهَنَّأَ
طولَ عَيشِكَ فو نَعيم

ثُمَّ السَلامُ تُبَلَّغَنهُ
فَغَيبُ مُهديهِ سَليم

&&&

قال في رثائه للوزير القاضي أبي بكر بن ذكوان:

من للندي إذا تنازع أهله
فاستجهلت حلماءه الجهال

من للعلوم فقد هوى العلم الذي
وسمت به أنواعها الأغفال

من للقضاء .. ، من لليتيم .. .
هذا الأسلوب في الرثاء لعله قديم.






تغيّرْتَ عن عهدي، وما زلتُ واثقاً 
بعهدكَ، لكنْ غيّرتْكَ الحوادثُ

وَما كنت، إذْ مَلّكتُكَ القلبَ، عالِماً
بأنّيَ، عَنْ حَتْفي، بكَفّيَ باحثُ

فديتُكَ، إنّ الشّوقَ لي مذ هجرْتني
مميتٌ فهلْ لي من وصالكَ باعثُ؟

ستبلَى اللّيَالي، والودادُ بحالِهِ 
جَديد ٌوتَفنى وَهْوَ للأرْضِ وَارِثُ

ولوْ أنّني أقسمتُ: أنّكَ قاتِلي،
وأنّي مقتولٌ، لمَا قيلَ: حانثُ

&&&

يا قاطعا صلتي من غير ما سبب
تا لله إنك عن روحي لمسؤول

&&&

لا تفسدن ماقد تأكد بيننا
من صالح خطرات ظن فاسد

&&&

إن أجنه خطأ فقد عاقبتني
ظلما بأبلغ من عقاب العامد






خليلي، لا فطر يسر ولا أضحى
فما حال من أمسى مَشوقا كما أضحى

&&&

أفْدِي الحَبيبَ الذي لوْ كَانَ مُقْتَدِرا
لكانَ بالنَّفْسِ وَالأهْلِينَ، يَفْدِيني

يا رَبِّ قَرّبْ، على خَيرٍ، تَلاقِينَا
(بالطّالِعِ السّعدِ وَالطّيرِ المَيامِينِ)!

&&&

وما ضر أنفاس الصبا في احتمالها
سلام هوى، يهديه جسم إلى قلب

&&&

ليس لي صبر جميل
غير أني أتجمل

ثم لا يأس، فكم قد
نيل أمر لم يؤمل

&&&

حسُنت خلقا، فأحسن لا تسؤ خُلقا
ما خير ذي الحسن إن لم يولِ إحسانا

&&&

أنت الذي لو تشترى ساعة
منه بدهر لم تكن غالية

&&&

ورابك أنني جلد صبور
وكم صبر يكون عن اصطبار






ولا زالت نبال الدهر تصمي
عداتك أيها الملك النبيل

&&&

فديتُكِ، إنْ تعجَلِي بالجَفَا؛
فَقَدْ يَهَبُ الرّيثَ بَعْضُ العَجَلْ

عَلامَ اطّبَتْكِ دَوَاعِي القِلَى ؟
وَفِيمَ ثَنَتْكِ نَوَاهِي العَذَلْ؟

ألمْ ألزَمِ الصّبرَ كيْمَا أخفّ؟ 
ألمْ أكثرِ الهجرَ كي لا أملّ؟

ألمْ أرضَ منْكِ بغيرِ الرّضَى ؛
وأبدي السّرورَ بمَا لمْ أنلْ؟

ألَمْ أغتفِرْ موبقَاتِ الذّنُوبِ،
عَمْداً أتَيْتِ بِهَا أمْ زَلَلْ؟

ومَا ساءَ ظنِّيَ في أنْ يسيء، 
بِيَ الفِعْلَ، حُسْنُكِ، حتى فَعَلْ

سَعَيْتِ لِتَكْدِيرِ عَهْدٍ صَفَا،
وحاولتِ نقصَ ودادٍ كملْ

ومهمَا هززْتُ إليكِ العتابَ،
ظاهَرْتِ بَيْنَ ضُرُوبِ العِلَلْ

كأنّكِ ناظرْتِ أهلَ الكلامِ، 
وَأُوتِيتِ فَهْماً بعِلْمِ الجَدَلْ

وَمَا بِاخْتِيَارٍ تَسَلّيْتُ عَنْكِ،
ولكنّني: مكرهٌ لا بطلْ

ولَمْ يدرِ قلبيَ كيفَ النُّزُوعُ،
إلى أنْ رأى سيرة ً، فامتثلْ

&&&

ولوْ أنّني أسطيعُ، كيْ أرضِيَ العدا،
شَريْتُ ببعضِ الحلمِ حظّاً من الجهلِ

هُمَامٌ عَريقٌ في الكِرَامِ،وقَلّما
ترَى الفرعَ إلاّ مستمدّاً من الأصلِ

أفي العَدْلِ أنْ وافَتكَ تَتْرَى رَسائلي
فلمْ تتركَنْ وضعاً لها في يديْ عدلِ؟

ولو أنّني واقعتُ عمداً خطيئة ً،
لما كانَ بدعاً من سجاياكَ أن تُملي

فلمْ أستَترْ حَرْبَ الفِجارِ، ولم أُطعْ
مُسَيلمة ً، إذ قالَ: إنّي منَ الرُّسْلِ

وإنّي لتنهَاني نهايَ عنِ الّتي
أشادَ بها الواشي، ويعقلُني عقلي

أجرِ أعدْ آمِن أحسنِ ابدأ عُدِ اكفِ حُط
تحفّ ابسطِ استألِفْ صُن احم اصْطنع أعلِ

مختارات من الشرح الممتع ، أبواب : الجعالة، واللقطة، واللقيط

ليس في باب إحياء الموات شيء


باب الجعالة


- والإنسان إذا نوى الشيء ولم يفعل فهو بالخيار، كما لو أعد الإنسان الدراهم ليتصدق بها وقبل أن يتصدق بها عدل عن هذا، وكما لو بنى بيتاً بنية أنه سيوقفه على الفقراء ثم بعد استكمال البيت عدل عن هذه النية، فإنه يجوز؛ لأنه لم يتلفظ بالوقف ولم يشرعه للفقراء، وكما لو نوى أن يضحي بهذه الشاة ثم عدل وباعها فليس عليه شيء، فلا حرج؛ لأن هذه الأشياء لا تتم إلا بالإمضاء فعلاً.


باب اللقطة


- والصحيح أن لقطة مكة لا تحل إلا لمنشد يريد أن يعرِّفها مدى الدهر، وهو الراجح، وهو اختيار ابن تيمية - رحمه الله تعالى - .


باب اللقيط


- اللقيط ميراثه وديته لواجده وهو الصحيح لحديث النبي صلّى الله عليه وسلّم: «تحوز المرأة ثلاثة: عتيقها، ولقيطها، وولدها الذي لاعنت عليه». وهو اختيار ابن تيمية - رحمه الله - .


- قوله: «الإمام يخير بين القصاص والدية» فأيهما كان أنفع فعله، أحياناً يكون القصاص أنفع وأحياناً تكون الدية أنفع، وإذا ترددنا فالدية.


- (وَإِنْ أَقَرَّ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ ذَاتُ زَوْجٍ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ أَنَّهُ وَلَدُهُ لَحِقَ بِه) وإذا كان كافراً فإننا نلحقه به لكننا لا نمكنه من حضانته، نقول: نعم الولد ولدك لكنه محكوم بإسلامه ولا حضانة لك عليه.
والفائدة من إلحاقه به النسب، وهذا الكافر ربما يسلم في يوم من الأيام، فيرد اللقيط إليه ويتوارثان، والشارع له تشوف بالغ في إلحاق النسب.

مختارات من الشرح الممتع ، باب الوديعة

- لا ضمان على المودَع عنده إلا بتعدٍّ أو تفريط حتى لو تلفت من بين ماله .

- فإن قال قائل: أرأيتم لو أقرضها مليئاً أيجوز؟ فالجواب: لا؛ لأن القرض عقد لا يجوز إلا ممن يملك العقد أو نائبه أو وكيله، وهذا المودَع لم يوكَّل في القرض.
ولاحظ أن الإيداع عند البنوك من باب القرض، والناس يسمون إعطاء البنوك الأموال إيداعاً، وهذه تسمية خطأ، بل هي في الحقيقة قرض، ولهذا ينتفع بها البنك ويدخلها في رأس ماله ويتجر بها ويضمنها لو تلف ماله كله؛ لأنه قرض، والعلماء نصُّوا تصريحاً بأنه إذا أذن المودِع للمودَع أن ينتفع فهذا يعتبر قرضاً.
ويوجد بنوك تقبل الوديعة، بمعنى أن الدراهم التي تعطى إياها تجعلها في صناديق معينة محفوظة لا يتصرف فيها البنك، فهذه وديعة محضة.


فصل


- ولذلك عندنا قاعدة:
أن من قبض العين لِحَظِّ مالكها قُبِلَ قولُه في الرد.
ومن قبض العين لمصلحته لم يُقبل قوله في الرد.
ومن قبض العين لمصلحته ومصلحة مالكها لم يقبل ـ أيضاً ـ تغليباً لجانب الضمان.

- فإن قال قائل: إذا ترك الميت وديعة، فهل يجب على الورثة أن يبلغوا صاحبها، أو يردوها إليه فوراً؟
الجواب: نعم، يجب على الورثة إذا خلف المورث وديعة أن يبلغوا صاحبها فوراً أو يردوها عليه فوراً؛ لأن المودِع لم يأتمن الورثة عليها، والورثة وجدوا مالاً لغيرهم غير مؤتمنين عليه، فيجب عليهم أن يبلغوه أو يردوها.

- (وَإِنْ طَلَبَ أَحَدُ المُودِعَيْنِ نَصِيبَهُ مِنْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ يَنْقَسِمُ أَخَذَهُ) والصحيح أنه لا يلزمه تسليمه، ويقال له: أحضر صاحبك أو هات منه موافقة وإلا فلا.