الأربعاء، 31 أكتوبر 2018

مختارات من الشرح الممتع ، كتاب الوصايا

- وقوله: «يسن» صريح في أن الوصية للأقارب غير الوارثين ليست واجبة، وهذا هو الذي عليه جمهور العلماء، وقالوا: إن آيات المواريث نسخت قول الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} .
فأكثر العلماء على أن آيات المواريث ناسخة لهذه الآية، وأنه لا يُعمَل بأي حرف منها؛ لأنها منسوخة، والنسخ رفع الحكم.
ولكن أبى ذلك عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ فقال: إن الآية محكمة، وأن الوصية واجبة للأقارب غير الوارثين، وما ذهب إليه أقرب إلى الصواب.

- قوله: «وتكره وصية فقير» المراد بالفقير هنا الفقير عرفاً، وليس الفقير في باب الزكاة، فالفقير في باب الزكاة هو الذي لا يجد كفايته وكفاية عائلته سنة.

- تصح الهبة المشروطة بشرط، خلافاً للمذهب، مثل أن يقول لشخص: إن تزوجت فقد وهبت لك هذا البيت تسكنه أنت وزوجتك، فهذا يجوز؛ لأن المسلمين على شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرَّم حلالاً، والصحيح أن جميع العقود يجوز فيها التعليق إلا إذا كان هذا التعليق يحق باطلاً أو يبطل حقاً.

- القول الراجح أنه إذا ترك الحج لا يريد الحج فإنه لا يُقضى عنه، ويترك لربه يعاقبه يوم القيامة؛ لأنه ترك الحج وهو لا يريده، أما لو فرض أن الرجل متهاون، يقول: أحج العام القادم وهكذا، فهذا يتوجب القول بقضاء الحج عنه، وقد ذكر هذا ابن القيم ـ رحمه الله ـ في كتابه تهذيب السنن، وقال: قواعد الشريعة تقتضي ألا يقضى عنه الحج، ومثله الزكاة، فإن تركها الإنسان بخلاً لا تفريطاً في الأداء فإننا لا نؤدي الزكاة عنه، أما لو تركها تفريطاً ثم مات فهنا يتوجه أن نؤدي الزكاة عنه؛ لأنه يرجو أن يؤديها لكن عاجله الأجل.

- إذا اجتمعت ديون لله وللآدمي، فهل نقدم دَين الآدمي، أو دَين الله، أو يشتركان؟
مثال ذلك: رجل مات وفي ذمته خمسة آلاف ريال زكاة، وعليه لزيد خمسة آلاف، ولما توفي لم نجد إلا خمسة آلاف فقط، فالدين أكثر من التركة، فهل نصرف خمسة الآلاف في الزكاة؟ أو في دين الآدمي؟ أو يشتركان؟

في هذا ثلاثة أقوال للعلماء:

فمنهم من قال: يُقضى دين الآدمي، فنعطي خمسة آلاف ـ التي هي التركة ـ الآدمي، وعلل ذلك بأن حق الله مبني على المسامحة، وهو ـ سبحانه وتعالى ـ غني عنا، وحق الآدمي مبني على المشاحة، وهو بحاجة إلى حقه، فيقدم.

ومنهم من قال: يقدم حق الله ـ عزّ وجل ـ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «اقضوا الله، فالله أحق بالقضاء»، و (أحق) اسم تفضيل، فيقدم على الحق المفضل عليه، وعلى هذا القول نخرج خمسة الآلاف التي في التركة لأهل الزكاة.

ومنهم من قال: يشتركان؛ لأن كلًّا منهما دين في ذمة الميت فلا يفضل أحدهما على الآخر، وهذا هو المذهب عند الأصحاب ـ رحمهم الله ـ وهو الصحيح.

فإن قال قائل: ما هو الجواب عن قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «اقضوا الله، فالله أحق بالقضاء» ؟

الجواب: أن معنى الحديث: إذا كان دين الآدمي يقضى فدين الله من باب أولى؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «أرأيتِ لو كان على أمكِ دين فقضيتيه أيجزئ عنها؟» ، قالت: نعم، قال: «اقضوا الله فالله أحق بالقضاء» ، والمسألة لم ترد في حقين أحدهما لله والآخر للآدمي حتى نقول: إن الرسول صلّى الله عليه وسلّم حكم بأن دَين الله مقدم، إنما أراد الرسول صلّى الله عليه وسلّم القياس، فإذا كان دين الآدمي يقضى فالله أحق بالوفاء.

ونجيب عن القول الآخر، وهو أن حق الآدمي مبني على المشاحة والحاجة، بأن حق الله ـ عزّ وجل ـ يكون لعباد الله، فالزكاة ـ مثلاً ـ للمخلوقين وليست لله ـ عزّ وجل ـ، بمعنى أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ لا ينتفع بها، فهي في الحقيقة حق لله، وفي نفس الوقت حق لعباد الله، وكذلك نقول في الكفارات، وغيرها مما يجب على الإنسان لله ـ عزّ وجل ـ.

فالقول بأنهما يتحاصَّان ويشتركان هو القول الراجح.


- تصح الوصية للميت وتصرف صدقة له في أعمال الخير.

- وقوله: «ولو دية» إشارة خلاف لكنه خلاف ضعيف، فقيل: إن الدية لا تدخل في الوصية؛ لأنها إنما وجبت بعد موته فتكون للورثة خاصة، والذين قالوا تدخل في الوصية قالوا: لأن الموصى له صار مستحقاً لمال الموصي، وموته شرط لثبوتها، أما سبب الثبوت ـ وهو الجناية ـ فهو سابق على الموت؛ لأن الجناية حدثت قبل الموت، وهذا هو الصحيح أن الدية تدخل في الوصية.

مثال ذلك: رجل أوصى بثلث ماله وعنده مائتا ألف، ثم قُتِلَ خطأً فاستحق الدية مائة ألف، فيكون الجميع ثلاثمائة ألف فيكون للموصى له مائة ألف، ولو قلنا: إن الدية لا تدخل لكان للموصى له ثلث المائتين، أي: ستة وستون وثلثان، لكن نقول: له مائة ألف؛ لأن الدية تعتبر من ماله؛ لأنها عوض نفسه.

وبناءً على هذا ينبغي للقضاة إذا كتبوا تنازل الورثة عن الدية، أن يسألوا أولاً هل أوصى أو لا؟ فإن كان قد أوصى فليس لهم التنازل عن الدية كلها، إلا إذا كان له مال يقابل الثلث؛ لأن حق الوصية مشارك لحق الورثة، فيسأل ويقول: هل له ما يقابل الثلث؟ فإذا قالوا: ليس عنده إلا هذه الدية، فيقول: إذاً لا يصح عفوهم إلا عن ثلثي الدية، أما ثلثها فهي للوصية إذا كان قد أوصى بالثلث.

وهذه يغفل عنها بعض الناس، تجده ـ مثلاً ـ يحضر الورثة ويكتب تنازلهم ولا يسأل هل أوصى أو لا؟ وهل له مال سوى هذه الدية أو لا؟

- وشرب الدخان إصرار على صغيرة.

- وَلاَ تَصِحُّ وَصِيَّةٌ إِلاَّ فِي تَصَرُّفٍ مَعْلُومٍ يَمْلِكُهُ المُوصِي كَقَضَاءِ دَيْنِهِ وَتَفْرِقَةِ ثُلُثِهِ والنَّظَرِ لِصِغَارِهِ،.............

قوله: «ولا تصح وصية إلا في تصرف معلوم يملكه الموصي» أي: الوصية لا تصح بالنسبة للموصى إليه إلا في تصرف معلوم يبينه الموصي، ويكون الموصي يملك ذلك، فإن كان في تصرف مجهول فإنه لا يصح، وهل مثله إذا أَطلق ولم يذكر تصرفاً؟ يحتمل هذا وهذا، مثل أن يقول: أوصيت بخمسي إلى فلان، ولا يذكر شيئاً، فظاهر كلام المؤلف أنه لا تصح الوصية؛ لأن الموصى إليه ماذا يصنع؟

لكن القول الراجح: أنه تصح الوصية ويقال للموصى إليه: افعل ما يقتضيه العرف، أو افعل ما ترى أنه أحسن شيء في أمور الخير، حتى وإن اقتضى العرف خلافه، وَعُرْفُنا الآن ـ الذي جرى عليه أكثر الناس ـ إذا قال: أوصيت بخمس مالي أو ثلثه يجعل في أضحية، وعشاء في رمضان، وما أشبه ذلك من المصروفات التي يعرفها الناس من قبل، لكن لو رأى الموصى إليه أن يصرف هذا في عمارة المساجد وطبع الكتب المحتاج إليها، وتزويج المحتاجين وإعانة طلاب العلم، فهذا أفضل من أضحية تذبح ويتنازع عليها الورثة.

وكان الناس فيما سبق ـ لما كانت الأموال قليلة ـ يتنازعون على الأضحية نزاعاً شديداً، حتى لو أخذ أحدهم أكثر من الآخر برطل تنازع معه.

فنقول: إذا أوصى بشيء وأطلق، فالصحيح أنه جائز، ويصرف فيما اعتاده أهل البلد، أو على الأصح فيما يرى أنه أفضل.

- «وتفرقة ثلثه» وليته قال: تفرقة خمسه؛ لأنه في أول الوصايا قال: تسن بالخمس.

مختارات من الشرح الممتع ، باب الهبة والعطية

- والعطية معطوفة على الهبة من باب عطف الخاص على العام؛ لأن العطية هي التبرع بالمال في مرض الموت المخوف، فهي أخص من الهبة، والهبة أن يتبرع بالمال في حال الصحة، أو في مرضٍ غير مخوف، أو في مخوف لم يمت به.

- وهذه العقود الأربعة الوقف والهبة والعطية والهدية أوسع من عقود المعاوضات من وجه، وأضيق من وجه، فعقود المعاوضات كالبيع والإجارة تجوز حتى ممن عليه الدَّين، أما التبرعات فلا، وعقود التبرعات تجوز في الأشياء المجهولة، والمعاوضات لا تجوز.



- والصواب: أنه يصح هبة المجهول، سواء تعذر علمه أم لم يتعذر.



- الهبة لا تلزم إلا بالقبض، فإذا قبضها فليس فيها خيار مجلس؛ لأن هذا عقد تبرع، والذي فيه خيار المجلس هو عقد المعاوضة.



- القول الراجح هو ما ذكره المؤلف أن الأولاد يعطون على حسب ما ذكر الله ـ عزّ وجل ـ في كتابه في إرثهم: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} ولا شك أنه لا أعدل من قسمة الله ـ عزّ وجل ـ، ومن قال: إن هناك فرقاً بين الحياة والممات، فإنه يحتاج إلى دليل على ذلك، فنقول: هم في الحياة وبعد الممات سواء.
وأفادنا المؤلف ـ رحمه الله ـ بقوله: «في عطية» أنه بالنسبة للنفقة لا يكون التعديل بينهم بقدر إرثهم، بل بقدر حاجتهم.



- هل يفضِّل بينهم باعتبار البِرِّ؟ يعني إذا كان أحدهما أبر من الآخر، فقال: سأعطي البار أكثر مما أعطي العاق؛ تشجيعاً للبار وحثاً للعاق؟ فهذا لا يجوز.



- الأب لو أبرأ ابنه من دين فليس له الرجوع؛ لأن الإبراء ليس بهبة، بل هو إسقاط.



- وقوله: «إلا الأب» يخرج به الجد، فليس له أن يرجع فيما وهب لابن ابنه، أو لابن بنته، ويخرج من ذلك الأم، فليس لها أن ترجع فيما وهبت لابنها.



- الظاهر أن الحديث يدل على صحة تصرف الأب في مال ابنه إذا لم يضره أو يحتاجه، وأما الإبراء فليس له ذلك؛ لأن قوله صلّى الله عليه وسلّم: «أنت ومالك لأبيك» ، لا يدخل فيه الدَّين؛ لأن الدَّين لا يكون مالاً للابن حتى يقبضه.



- وأعتقد أن هذا العمل من الابن ـ أعني مطالبة أبيه بالنفقة ـ لا يخالف المروءة؛ لأن الذي خرم المروءة هو الأب، لِمَ لم ينفق؟! فإذا طالب أباه بالنفقة فله ذلك وله حبسه عليها.



- قوله: «وذات الجنب» وهو وجع في الجنب في الضلوع، يقولون: إن سببه أن الرئة تلصق في الضلوع، ولصوقها هذا يشل حركتها، فلا يحصل للقلب كمال دفع الدم وغير ذلك من أعماله، فهذا من الأمراض المخوفة.
وكان هذا الداء كثيراً جداً فيما سبق وقد عشنا ذلك، لا سيما في استقبال الشتاء، ولكنه ـ سبحان الله ـ يُشْفَى بإذن الله ـ عزّ وجل ـ بالكي، وهو أحسن علاج له، حتى إن بعض المرضى يغمى عليه، ويبقى الأيام والليالي وقد أغمي عليه، ثم يأتي الطبيب العربي، فيقص أثر الألم في الضلوع ثم يَسِم محل الألم بوَسْمٍ ثم يكويه، فإذا كواه ـ سبحان الله ـ لا يمضي ساعة واحدة إلا وقد تنفس المريض، ولذلك لا يوجد علاج فيما سبق لذات الجنب إلا الكي.
وذات الجنب تؤدي إلى الهلاك لا شك، ومن مات بذات الجنب لم يُعَدَّ مات بشيء غريب.



- والصواب في هذه المسألة: أنه إذا قال طبيب ماهر: إن هذا مرض مخوف، قبل قوله، سواء كان مسلماً أو كافراً، ولو أننا مشينا على ما قال المؤلف لم نثق في أي طبيب غير مسلم، مع أننا أحياناً نثق بالطبيب غير المسلم أكثر مما نثق بالطبيب المسلم، إذا كان الأول أشد حذقاً من الثاني.
ثم إن صناعة الطب يبعد الغدر فيها من الكافر؛ لسببين:
الأول: أن كل إنسان يريد أن تنجح صناعته، فالطبيب ولو كان غير مسلم يريد أن تنجح صناعته، وأن يكون مصيباً في العلاج وفي الجراحة.
الثاني: أن من الأطباء من يكون داعية لدينه وهو كافر،وإذا كان داعية لدينه فلا يمكن أن يغرر بالمسلم؛ لأنه يريد أن يمدحه الناس ويحبوه ويحترموه؛ لأنه ناصح، فالصواب في هذه المسألة أن المعتبر حذق الطبيب، والثقة بقوله، والأمانة، ولو كان غير مسلم، والدليل على هذا أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أخذ بقول الكافر في الأمور المادية التي مستندها التجارب، وذلك حينما استأجر رجلاً مشركاً من بني الديل اسمه عبد الله بن أريقط ليدله على الطريق في سفره في الهجرة ، فاستأجره النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو كافر، وأعطاه بعيره وبعير أبي بكر؛ ليأتي بهما بعد ثلاث ليال إلى غار ثور، فهذا ائتمان عظيم على المال وعلى النفس.
وحتى العدالة، فلو أننا اشترطناها في أخبار الأطباء ما عملنا بقول طبيب واحد إلا أن يشاء الله؛ لأن أكثر الأطباء لا يتصفون بالعدالة، فأكثرهم لا يصلي مع الجماعة ويدخن ويحلق لحيته، فلو اشترطنا العدالة لأهدرنا قول أكثر الأطباء.
وكذلك العدد، فالمؤلف اشترط أن يكون اثنين فأكثر، ولكن الصحيح أن الواحد يكفي؛ لأن هذا من باب الخبر المحض، ومن باب التكسب بالصنعة، فخبر الواحد كافٍ في ذلك.



- (في البلد التي وقع بها الطاعون) قيد النبي صلّى الله عليه وسلّم منع الخروج بما إذا كان فراراً، أما إذا كان الإنسان أتى إلى هذا البلد لغرض أو لتجارة وانتهت، وأراد أن يرجع إلى بلده فلا نقول: هذا حرام عليك، بل نقول: لك أن تذهب.



- قوله: «ولا بما فوق الثلث إلا بإجازة الورثة لها» يعني ولا بما فوق الثلث لأجنبي، فالأجنبي حده الثلث، فإذا أجاز الورثة فلا بأس، والورثة الذين تعتبر إجازتهم هم الذين يصح تبرعهم، ولا بد أن تكون الإجازة بعد الموت.



- تصح إجازة الورثة في مرض الموت المخوف؛ لأن سبب إرثهم قد انعقد وهم أحرار.



- يجوز أن يعطي بعض الورثة دون الآخرين، إن كانوا مِنْ غير الأولاد على القول الراجح، ويجوز أن يتبرع بأكثر من الثلث؛ لأن الصحيح يجوز أن يتبرع بجميع ماله.



- وقد ذكرنا أنه يصح على قول أن يوصي الإنسان بتزويج بناته وهذا هو المذهب، والصحيح أنه لا تصح وصيته بتزويج بناته؛ لأنه ولي على بناته ما دام حياً، وترتيب الولاية ليست إلى الولي، بل هي إلى ولي الولي وهو الله ـ عزّ وجل ـ، وعلى هذا فإذا مات الإنسان انقطعت ولايته في تزويج بناته، كما تنقطع ولاية بقية الأولياء.
فلو قال شخص عند موته: أوصيت إلى فلان أن يتولى تزويج بناتي ثم مات ولهن عم، فالقول الراجح أن يزوجهن العم، والقول الثاني: يزوجهن الوصي، وذكر هذه المسألة صفحة 193 من هذا الجزء في باب الموصى إليه.

مختارات من الشرح الممتع ، كتاب الوقف

- وبِالفِعْلِ الدَّالِّ عَلَيْهِ، كَمَنْ جَعَلَ أَرْضَهُ مَسْجِداً وأَذِنَ للنَّاسِ في الصَّلاةِ فِيهِ أَوْ مَقْبَرَةً وَأَذِنَ فِي الدَّفْنِ فِيهَا..

«وبالفعل الدال عليه، كمن جعل أرضه مسجداً وأذن للناس في الصلاة فيه» ، يعني بنى مسجداً وقال للناس: صلوا فيه، فهنا لم يقل: إنه وقف، لكنه فعل فعلاً يدل على الوقف؛ لأن الرجل بنى مسجداً وقال للناس: صلوا، وأما من بنى مصلى عند بستانه وصار الناس يأتون ويصلون فيه، فهذا لا يدل على أنه وقف، لكن إذا بنى مسجداً يعني على هيئة مسجد، وقال للناس: صلوا فيه، فهو وقف وإن لم يقل: وقفت؛ لأن هذا الفعل دال عليه حتى لو نوى خلافه، فإنه يكون وقفاً اعتباراً بقوة القرينة.
وإذا قال: إني أردت أنه عارية، قلنا: في هذه الحال يجب أن تكتب: إني أعرت هذا المكان للناس يصلون فيه، متى احتجته أخذته، ولا بد من هذا وإلا صار وقفاً.
قوله: «أو مقبرة وأذن في الدفن فيها» ، أي: سوَّر أرضه على أنها مقبرة، ولم يكتب على بابها أنها مقبرة، ولم يكتب في الوثيقة أنها مقبرة، وقال للناس: من شاء أن يدفن فيها ميتاً فليفعل، فهنا نقول: الأرض صارت مقبرة، أي: صارت وقفاً على المسلمين، ولا يمكنه أن يرجع.
نعم لو أراد أن يعير أرضاً للدفن فيها، فهنا لا بد أن يكتب أنه أعار هذه الأرض للدفن فيها، وإذا أعارها للدفن فيها فإنه لا يرجع حتى يبلى الميت؛ لأن من لازم الإذن في الدفن أن يبقى الميت مدفوناً محترماً، فلا ينبش إلا إذا بلي.
وهذا الفعل، أي: جعل الأرض مسجداً أو مقبرة لا يخلو من ثلاث حالات:



الأولى: أن ينوي بذلك أنها مسجد أو مقبرة، فتكون كذلك ولا إشكال في ذلك.

الثانية: أن ينوي خلاف ذلك، بأن ينوي بجعلها مسجداً أو مقبرة أنها مؤقتة، فقد صرح شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ أنها تكون وقفاً ولو نوى خلافه؛ لأن هذه النية تخالف الواقع؛ لأن من جعل أرضه مسجداً فإنه معلوم أن المسجد سوف يبقى، فكيف تنوي أن لا يبقى؟!

الثالثة: ألا ينوي هذا ولا هذا، فتكون وقفاً لا إشكال فيه.

ولو أن رجلاً عنده أرض بين شارعين، فجعل الناس يستطرقون هذه الأرض وهو ساكت، فهل نقول: إن هذا الطريق صار وقفاً؟ لا؛ لأن هذا لا يدل على الوقف، فكثير من الناس إذا لم يكن محتاجاً للأرض فإنه يسمح للناس أن يتجاوزوا منها، ولكن إذا احتاجها حرفها وسد الطريق، فلا بد في الفعل من قرينة ظاهرة تدل على الوقف؛ لأن الأصل بقاء ملك الإنسان فيما يملك، ولا نخرجه عن هذا الأصل إلا بقرينة ظاهرة.


- وهل يشترط أن يكون جائز التبرع، بمعنى أنه ليس عليه دينٌ يستغرق مالَهُ؟ في هذا خلاف بين العلماء، وهو مبني على جواز تصرف من عليه دين، فإن قلنا بجواز تصرف من عليه دين يستغرق ماله، قلنا بجواز الوقف، وإن لم نقل ذلك قلنا: لا يصح وقفه.
والصحيح أنه لا يصح تبرعه؛ لأن من عليه دينٌ يستغرق ماله فقد شغله بالدين، وقضاء الدين واجب، والتبرع والصدقة مستحب، فلا يمكن أن نسقط واجباً بمستحب، فالصحيح أنه لا يصح منه الوقف والعتق ولا يجوز له أن يتصدق، أما المذهب فيجوز إلا إذا حُجر عليه من قبل القاضي، فإنه لا يصح أن يتبرع.


- والأقارب من الجد الرابع فنازل، فالإخوان والأعمام وأعمام الأب وأعمام الجد وأعمام جد أبيك فهؤلاء أقارب، ومن فوق الجد الرابع فليسوا بأقارب، وإن كان فيهم قرابة لكن لا يُعَدُّون من الأقارب الأدْنَيْن، ولهذا لما أنزل الله: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ *} ، لم يدع النبي صلّى الله عليه وسلّم كل قريب، بل دعى من شاركوه في الأب الرابع فما دون.

- وإذا كان على لاعبي الكرة، فهذا لا يصح؛ لأن هذه جهة، ولا بد أن تكون على بر، وهذا ليس ببر.

- قوله: «وذريته لصلبه» يعني إذا نص على التقييد بالصلب فإن أولاد البنات لا يدخلون بلا إشكال.
فلو قال: هذا وقف على ولد ولدي لصلبي، فلا يدخل أولاد البنات؛ لأن أولاد البنات ليسوا ذرية لصلبه بل ذرية لبطنه، فالولد يكون في بطن الأنثى وفي صلب الرجل، فمن ينسب إليه عن طريق البنات لا ينسب إليه لصلبه بل لبطنه، وهو قيدها بصلبه.

- وهنا يرد علينا الإشكال الذي أجبنا عنه أولاً، وهو أن عيسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ من ذرية إبراهيم، فكيف كان ذلك؟ والجواب أن عيسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ أبوه أمه؛ لأنه خلق من دون أب، ولهذا لو أن شخصاً انتفى من ولده، وقال: هذا الولد ليس مني، وقُبِل انتفاؤه بالشروط المعروفة، صار هذا الولد أبوه أمه، ولهذا إذا مات عنها ترثه هي ميراث أم وأب، فيقال: إذا لم يكن له أبناء ولا إخوة، فأمه لها الثلث بالفرض والباقي بالتعصيب؛ لأنها هي أبوه وأمه.

- فالقول الراجح أننا نلغي هذا الوقف ( الوقف على البنين دون البنات ) ولا نصححه، ويعود هذا الموقوف ملكاً للورثة؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» ، وقد يقال: يبقى وقفاً على البنين والبنات؛ لأن المُوقف أخرجه عن ملكه إلى ملك هؤلاء، ولكن الاحتمال الأول أقرب، وهو إبطال الوقف؛ لأنه عمل ليس عليه أمر الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، بل هو مخالف لأمر الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم.

- وقوله: «وأهل بيته» يشمل الذكر والأنثى من أولاده، وأولاد أبيه، وأولاد جده، وأولاد جد أبيه.
وهل يشمل الزوجات؟
المذهب أنهن لا يدخلن؛ لأن أهل بيته مثل القرابة تماماً، والصحيح أن زوجاته إذا لم يطلقهن يدخلن في أهل بيته، ولا شك في هذا، لقوله تعالى في نساء النبي صلّى الله عليه وسلّم: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} ، وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي» ، بل لو قيل: إن أهل بيته هم زوجاته ومن يعولهم فقط، لكان قولاً قوياً؛ لأن هذا هو عرف الناس، فالآن عمك وأخوك إذا انفردا في بيت، لا يقول الناس: إنهما أهل بيتك، فأهل البيت عرفاً هم الذين يعولهم من الزوجات والبنين والبنات، لكن مهما كان الأمر فإن الزوجات بلا شك إذا لم يطلقهن يدخلن في أهل البيت، ولا يدخلن في القرابة.

- أما الوقف المعلق بالموت كما لو قال: هذا وقف بعد موتي، فالمذهب أنه لازم من حين قوله ولا يمكن فسخه، لكن مع ذلك لا ينفذ منه إلا ما كان من ثلث المال فأقل، فيجعلونه وصية من وجه ووقفاً من وجه، وهذا غير صحيح، فلا يمكن أن نعطي عقداً حكمين مختلفين، فإما أن نقول: إنه يلزم في الحال ونلغي التعليق، وإذا قلنا بأنه يلزم في الحال لزم، سواء كان الثلث أو أكثر أو أقل، وإما أن نقول: لا يلزم إلا بعد الموت، وحينئذٍ يكون من الثلث فأقل، وهذا هو الصحيح؛ لأن الرجل علق الوقف بشرط وهو الموت، فلا يمكن أن ينفذ قبل وجود الشرط، فلا ينفذ إلا بعد الموت ويكون من الثلث فأقل.

- قوله: «والوقف عقد لازم لا يجوز فسخه» ظاهر كلام المؤلف: أنه لا فرق بين أن يكون الإنسان مديناً أو غير مدين، ومن المعلوم أن المدين إذا كان قد حجر عليه فإن وقفه لا يصح، لكن إذا لم يحجر عليه وأوقف، وكان عليه دين يستغرق الوقف، فظاهر كلام المؤلف: أن الوقف لازم.
والقول الثاني وهو الراجح: أن الوقف في هذه الصورة ليس بلازم ولا يجوز تنفيذه؛ لأن قضاء الدين واجب والوقف تطوع، ولا يجوز أن نضيق على واجب لتطوع، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ.
فإن طرأ الدَّين بعد الوقف، كما لو وقف بيته ثم افتقر واستدان، فهل ينفسخ الوقف، أو نقول: إنه لا ينفسخ؛ لأنه تم بدون وجود المانع فيستمر؟ الأقرب الثاني، وقال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ: له أن يبيعه في دينه؛ لأن هذا ليس أشد من المدبَّر، وهو العبد الذي عُلِّق عتقه بموت سيده، وقد باعه النبي صلّى الله عليه وسلّم في الدين  .
لكن الأرجح الأول، يعني أنه إذا حدث الدَّين بعد الوقف فإن الوقف يمضي، والدَّيْنُ ييسر الله أمره.

- فالصواب أن ما فضل عن حاجة المسجد يجب أن يصرف في مسجد آخر، ما لم يتعذر أو ما لم يكن الناس في مجاعة فهم أولى؛ لأن حرمة الآدمي أشد من حرمة المسجد ولا شك.
حتى لو فرض أن المسجد مسجد جامع فيجب أن يصرف في مسجد جامع إن تيسر، وإلا ففي مسجد بقية الصلوات، وإنما قلنا: مسجد جامع؛ لأن المسجد الجامع أكثر أجراً وثواباً؛ حيث إنه تصلى فيه الجمعة، وبقية المساجد لا تصلى فيها الجمعة، ثم إنه في صلاة الجمعة يكون أكثر عدداً من المساجد الأخرى.

الثلاثاء، 30 أكتوبر 2018

مختارات من ديوان ابن زيدون

مَا ضرَّ لوْ أنّكَ لي راحمُ
وَعِلّتي أنْتَ بِها عَالِمُ

يَهْنِيكَ، يا سُؤلي ويَا بُغيَتي
أنّك مِمّا أشْتَكي سَالِمُ

تضحكُ في الحبّ، وأبكي أنَا
اللهُ، فيمَا بيننَا، حاكمُ

أقُولُ لَمّا طارَ عَنّي الكَرَى
قَولَ مُعَنًّى ، قَلْبُهُ هَائِمُ

يا نَائِماً أيْقَظَني حُبُّهُ
هبْ لي رُقاداً أيّها النّائِمُ!

&&&

إن غبتَ لم ألق إنسانا يؤنسني
وإن حضرت فكل الناس قد حضرا

&&&

أيُوحِشُني الزّمانُ، وَأنْتَ أُنْسِي
وَيُظْلِمُ لي النّهارُ وَأنتَ شَمْسي؟

وَأغرِسُ في مَحَبّتِكَ الأماني،
فأجْني الموتَ منْ ثمرَاتِ غرسِي

لَقَدْ جَازَيْتَ غَدْراً عن وَفَائي
وَبِعْتَ مَوَدّتي، ظُلْماً، ببَخْسِ

ولوْ أنّ الزّمانَ أطاعَ حكْمِي
فديْتُكَ، مِنْ مكارهِهِ، بنَفسي

&&&

لقد أعيا تلونك احتيالي
وهل يغني احتيال في ملول






فإن تتناقلك الديار فطالما
تناقلت البدر المنير المنازل

وما الشعر مما أدعيه فضيلة
تزين ولكن أنطقتني الفواضل

&&&

حليم تلافى الجاهلين أناته
إذ الحلم عن بعض الذنوب عقاب

&&&

لعمرك ما للمال أسعى، فإنما
يرى المال أسنى حظِّه الطبع الوغدُ





وورثت أعمار العدا
وقسمتها في الأولياء

&&&

قرت وفازت بالخطير من المنى
عين تقلب لحظها فتراك

&&&

يا ليلُ طلْ، لا أشتَهي
إلاّ بِوَصْلٍ، قِصَرَك

لوْ باتَ عندي قمرِي
ما بتُّ أرعَى قمرَكْ

يا ليلُ خبّرْ: أنّني
ألْتذُّ عنْهُ خبرَكْ

بِاللَّهِ قُلْ لي: هَلْ وَفَى ؟
فَقالَ: لا، بَل غَدَرَكْ!

&&&

بيْني وبينكَ ما لو شئتَ لم يضعِ
سرٌّ، إذا ذاعتِ الأسرَارُ، لم يَذعِ

يا بائعاً حَظَّهُ مِنّي، وَلَوْ بُذِلَتْ
ليَ الحياة ُ، بحظّي منهُ، لم أبعِ

يكفيكَ أنّك، إنْ حمّلتَ قلبي ما 
لم تستطِعْهُ قلوبُ الناسِ يستطعِ

تهْ أحتملْ واستطلْ أصبرْ وعزَّ أهنْ 
وَوَلّ أُقْبِلْ وَقُلْ أسمَعْ وَمُرْ أطعِ

&&&

فما لحقت تلك الليالي ملامة
ولا ذم من ذاك الحبيب ذمام

&&&

فديتُكِ، إنْ تعجَلِي بالجَفَا؛
فَقَدْ يَهَبُ الرّيثَ بَعْضُ العَجَلْ

عَلامَ اطّبَتْكِ دَوَاعِي القِلَى ؟
وَفِيمَ ثَنَتْكِ نَوَاهِي العَذَلْ؟

ألمْ ألزَمِ الصّبرَ كيْمَا أخفّ؟ 
ألمْ أكثرِ الهجرَ كي لا أملّ؟

ألمْ أرضَ منْكِ بغيرِ الرّضَى ؛
وأبدي السّرورَ بمَا لمْ أنلْ؟

ألَمْ أغتفِرْ موبقَاتِ الذّنُوبِ،
عَمْداً أتَيْتِ بِهَا أمْ زَلَلْ؟

ومَا ساءَ ظنِّيَ في أنْ يسيء، 
بِيَ الفِعْلَ، حُسْنُكِ، حتى فَعَلْ

سَعَيْتِ لِتَكْدِيرِ عَهْدٍ صَفَا،
وحاولتِ نقصَ ودادٍ كملْ

ومهمَا هززْتُ إليكِ العتابَ،
ظاهَرْتِ بَيْنَ ضُرُوبِ العِلَلْ

كأنّكِ ناظرْتِ أهلَ الكلامِ، 
وَأُوتِيتِ فَهْماً بعِلْمِ الجَدَلْ

وَمَا بِاخْتِيَارٍ تَسَلّيْتُ عَنْكِ،
ولكنّني: مكرهٌ لا بطلْ

ولَمْ يدرِ قلبيَ كيفَ النُّزُوعُ،
إلى أنْ رأى سيرة ً، فامتثلْ

&&&

قلْ للوزيرِ، وقدْ قطعْتُ بمدْحِهِ 
زَمني، فكانَ السّجنُ مِنهُ ثَوابي:

لا تَخْشَ في حَقّي بِمَا أمْضَيْتَهُ 
منْ ذاكَ فيّ، ولا توقّ عتابي

لمْ تُخْطِ في أمْرِي الصّوابَ مُوَفّقاً 
هذا جزاءُ الشّاعرِ الكذّابِ!

&&&

سقيم لا أعاد فيه وفي العا
ئد أنس يفي ببرء السقيم

&&&

وقد وسموني بالتي لست أهلها
ولم يمن أمثالي بأمثالها قط

فررت فإن قالوا الفرار إرابة
فقد فر موسى حين هم به القبط






اَللَهُ يَعلَمُ أَنَّ حُبَّ
كَ مِن فُؤادي بِالصَميم

قُل لي بِأَيِّ خِلالِ سَروِكَ
قَبلُ أُفتَنُ أَو أَهيم

إِنَّ الَّذي قَسَمَ الحُظوظَ
حَباكَ بِالخُلُقِ العَظيم

لا أَستَزيدُ اللَهَ نُعمى
فيكَ لا بَل أَستَديم

حَسبي الثَناءُ لِحُسنِ بِرِّ
كَ ما بَدا بَرقٌ فَشيم

ثُمَّ الدُعاءُ بِأَن تَهَنَّأَ
طولَ عَيشِكَ فو نَعيم

ثُمَّ السَلامُ تُبَلَّغَنهُ
فَغَيبُ مُهديهِ سَليم

&&&

قال في رثائه للوزير القاضي أبي بكر بن ذكوان:

من للندي إذا تنازع أهله
فاستجهلت حلماءه الجهال

من للعلوم فقد هوى العلم الذي
وسمت به أنواعها الأغفال

من للقضاء .. ، من لليتيم .. .
هذا الأسلوب في الرثاء لعله قديم.






تغيّرْتَ عن عهدي، وما زلتُ واثقاً 
بعهدكَ، لكنْ غيّرتْكَ الحوادثُ

وَما كنت، إذْ مَلّكتُكَ القلبَ، عالِماً
بأنّيَ، عَنْ حَتْفي، بكَفّيَ باحثُ

فديتُكَ، إنّ الشّوقَ لي مذ هجرْتني
مميتٌ فهلْ لي من وصالكَ باعثُ؟

ستبلَى اللّيَالي، والودادُ بحالِهِ 
جَديد ٌوتَفنى وَهْوَ للأرْضِ وَارِثُ

ولوْ أنّني أقسمتُ: أنّكَ قاتِلي،
وأنّي مقتولٌ، لمَا قيلَ: حانثُ

&&&

يا قاطعا صلتي من غير ما سبب
تا لله إنك عن روحي لمسؤول

&&&

لا تفسدن ماقد تأكد بيننا
من صالح خطرات ظن فاسد

&&&

إن أجنه خطأ فقد عاقبتني
ظلما بأبلغ من عقاب العامد






خليلي، لا فطر يسر ولا أضحى
فما حال من أمسى مَشوقا كما أضحى

&&&

أفْدِي الحَبيبَ الذي لوْ كَانَ مُقْتَدِرا
لكانَ بالنَّفْسِ وَالأهْلِينَ، يَفْدِيني

يا رَبِّ قَرّبْ، على خَيرٍ، تَلاقِينَا
(بالطّالِعِ السّعدِ وَالطّيرِ المَيامِينِ)!

&&&

وما ضر أنفاس الصبا في احتمالها
سلام هوى، يهديه جسم إلى قلب

&&&

ليس لي صبر جميل
غير أني أتجمل

ثم لا يأس، فكم قد
نيل أمر لم يؤمل

&&&

حسُنت خلقا، فأحسن لا تسؤ خُلقا
ما خير ذي الحسن إن لم يولِ إحسانا

&&&

أنت الذي لو تشترى ساعة
منه بدهر لم تكن غالية

&&&

ورابك أنني جلد صبور
وكم صبر يكون عن اصطبار






ولا زالت نبال الدهر تصمي
عداتك أيها الملك النبيل

&&&

فديتُكِ، إنْ تعجَلِي بالجَفَا؛
فَقَدْ يَهَبُ الرّيثَ بَعْضُ العَجَلْ

عَلامَ اطّبَتْكِ دَوَاعِي القِلَى ؟
وَفِيمَ ثَنَتْكِ نَوَاهِي العَذَلْ؟

ألمْ ألزَمِ الصّبرَ كيْمَا أخفّ؟ 
ألمْ أكثرِ الهجرَ كي لا أملّ؟

ألمْ أرضَ منْكِ بغيرِ الرّضَى ؛
وأبدي السّرورَ بمَا لمْ أنلْ؟

ألَمْ أغتفِرْ موبقَاتِ الذّنُوبِ،
عَمْداً أتَيْتِ بِهَا أمْ زَلَلْ؟

ومَا ساءَ ظنِّيَ في أنْ يسيء، 
بِيَ الفِعْلَ، حُسْنُكِ، حتى فَعَلْ

سَعَيْتِ لِتَكْدِيرِ عَهْدٍ صَفَا،
وحاولتِ نقصَ ودادٍ كملْ

ومهمَا هززْتُ إليكِ العتابَ،
ظاهَرْتِ بَيْنَ ضُرُوبِ العِلَلْ

كأنّكِ ناظرْتِ أهلَ الكلامِ، 
وَأُوتِيتِ فَهْماً بعِلْمِ الجَدَلْ

وَمَا بِاخْتِيَارٍ تَسَلّيْتُ عَنْكِ،
ولكنّني: مكرهٌ لا بطلْ

ولَمْ يدرِ قلبيَ كيفَ النُّزُوعُ،
إلى أنْ رأى سيرة ً، فامتثلْ

&&&

ولوْ أنّني أسطيعُ، كيْ أرضِيَ العدا،
شَريْتُ ببعضِ الحلمِ حظّاً من الجهلِ

هُمَامٌ عَريقٌ في الكِرَامِ،وقَلّما
ترَى الفرعَ إلاّ مستمدّاً من الأصلِ

أفي العَدْلِ أنْ وافَتكَ تَتْرَى رَسائلي
فلمْ تتركَنْ وضعاً لها في يديْ عدلِ؟

ولو أنّني واقعتُ عمداً خطيئة ً،
لما كانَ بدعاً من سجاياكَ أن تُملي

فلمْ أستَترْ حَرْبَ الفِجارِ، ولم أُطعْ
مُسَيلمة ً، إذ قالَ: إنّي منَ الرُّسْلِ

وإنّي لتنهَاني نهايَ عنِ الّتي
أشادَ بها الواشي، ويعقلُني عقلي

أجرِ أعدْ آمِن أحسنِ ابدأ عُدِ اكفِ حُط
تحفّ ابسطِ استألِفْ صُن احم اصْطنع أعلِ

مختارات من الشرح الممتع ، أبواب : الجعالة، واللقطة، واللقيط

ليس في باب إحياء الموات شيء


باب الجعالة


- والإنسان إذا نوى الشيء ولم يفعل فهو بالخيار، كما لو أعد الإنسان الدراهم ليتصدق بها وقبل أن يتصدق بها عدل عن هذا، وكما لو بنى بيتاً بنية أنه سيوقفه على الفقراء ثم بعد استكمال البيت عدل عن هذه النية، فإنه يجوز؛ لأنه لم يتلفظ بالوقف ولم يشرعه للفقراء، وكما لو نوى أن يضحي بهذه الشاة ثم عدل وباعها فليس عليه شيء، فلا حرج؛ لأن هذه الأشياء لا تتم إلا بالإمضاء فعلاً.


باب اللقطة


- والصحيح أن لقطة مكة لا تحل إلا لمنشد يريد أن يعرِّفها مدى الدهر، وهو الراجح، وهو اختيار ابن تيمية - رحمه الله تعالى - .


باب اللقيط


- اللقيط ميراثه وديته لواجده وهو الصحيح لحديث النبي صلّى الله عليه وسلّم: «تحوز المرأة ثلاثة: عتيقها، ولقيطها، وولدها الذي لاعنت عليه». وهو اختيار ابن تيمية - رحمه الله - .


- قوله: «الإمام يخير بين القصاص والدية» فأيهما كان أنفع فعله، أحياناً يكون القصاص أنفع وأحياناً تكون الدية أنفع، وإذا ترددنا فالدية.


- (وَإِنْ أَقَرَّ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ ذَاتُ زَوْجٍ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ أَنَّهُ وَلَدُهُ لَحِقَ بِه) وإذا كان كافراً فإننا نلحقه به لكننا لا نمكنه من حضانته، نقول: نعم الولد ولدك لكنه محكوم بإسلامه ولا حضانة لك عليه.
والفائدة من إلحاقه به النسب، وهذا الكافر ربما يسلم في يوم من الأيام، فيرد اللقيط إليه ويتوارثان، والشارع له تشوف بالغ في إلحاق النسب.

مختارات من الشرح الممتع ، باب الوديعة

- لا ضمان على المودَع عنده إلا بتعدٍّ أو تفريط حتى لو تلفت من بين ماله .

- فإن قال قائل: أرأيتم لو أقرضها مليئاً أيجوز؟ فالجواب: لا؛ لأن القرض عقد لا يجوز إلا ممن يملك العقد أو نائبه أو وكيله، وهذا المودَع لم يوكَّل في القرض.
ولاحظ أن الإيداع عند البنوك من باب القرض، والناس يسمون إعطاء البنوك الأموال إيداعاً، وهذه تسمية خطأ، بل هي في الحقيقة قرض، ولهذا ينتفع بها البنك ويدخلها في رأس ماله ويتجر بها ويضمنها لو تلف ماله كله؛ لأنه قرض، والعلماء نصُّوا تصريحاً بأنه إذا أذن المودِع للمودَع أن ينتفع فهذا يعتبر قرضاً.
ويوجد بنوك تقبل الوديعة، بمعنى أن الدراهم التي تعطى إياها تجعلها في صناديق معينة محفوظة لا يتصرف فيها البنك، فهذه وديعة محضة.


فصل


- ولذلك عندنا قاعدة:
أن من قبض العين لِحَظِّ مالكها قُبِلَ قولُه في الرد.
ومن قبض العين لمصلحته لم يُقبل قوله في الرد.
ومن قبض العين لمصلحته ومصلحة مالكها لم يقبل ـ أيضاً ـ تغليباً لجانب الضمان.

- فإن قال قائل: إذا ترك الميت وديعة، فهل يجب على الورثة أن يبلغوا صاحبها، أو يردوها إليه فوراً؟
الجواب: نعم، يجب على الورثة إذا خلف المورث وديعة أن يبلغوا صاحبها فوراً أو يردوها عليه فوراً؛ لأن المودِع لم يأتمن الورثة عليها، والورثة وجدوا مالاً لغيرهم غير مؤتمنين عليه، فيجب عليهم أن يبلغوه أو يردوها.

- (وَإِنْ طَلَبَ أَحَدُ المُودِعَيْنِ نَصِيبَهُ مِنْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ يَنْقَسِمُ أَخَذَهُ) والصحيح أنه لا يلزمه تسليمه، ويقال له: أحضر صاحبك أو هات منه موافقة وإلا فلا.