- وقال مالك - رحمه الله - : إن المراد به التفرق بالأقوال، وأنه إذا تم العقد فلا خيار في المجلس؛ لأن التفرق بالأقوال يحصل بالقبول بعد الإيجاب، والبيع من العقود اللازمة التي تلزم من حينها ولكن قوله ـ رحمه الله ـ ضعيف جداً، لأن حمله على التفرق بالأقوال يناقض الحديث؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «إذا تبايع الرجلان»، والتبايع يتم بالإيجاب والقبول، ثم قوله: «ما لم يتفرقا وكانا جميعاً»، المراد في المجلس.
- (دون سائر العقود) وذلك لأن هذه العقود لا تخلو من حالين:
الأولى: أن تكون من العقود الجائزة، فهذه جوازها يغني عن قولنا إن فيها الخيار؛ لأن العقد الجائز يجوز فسخه حتى بعد التفرق، سواء في مجلس العقد أو بعده.
الثانية: أن تكون من العقود النافذة، التي لقوة نفوذها لا يمكن أن يكون فيها خيار، مثل العتق والوقف.
- كل عقد جائز فليس فيه خيار المجلس .
- إذا كان المجلس طويلا كرحلة في طيارة لمدة ثلاث عشرة ساعة فحل هذه المشكلة أن يتبايعا على أن لا خيار.
- مسألة ذكرها العلماء: قالوا: إذا تولى واحد طرفي العقد فمتى يكون الخيار؟
يقولون: ليس فيه خيار؛ لأننا لو قلنا له الخيار بقي البيع جائزاً؛ لأنه لا يمكن أن يفارق الشخص نفسه.
مثاله: وكلتك أن تشتري لي كتاباً ووكلك آخر أن تبيعه له، فقلت: اشتريت الكتاب من فلان لفلان، فهنا تولى الوكيل طرفي العقد، والصحيح أن تولي طرفي العقد فيه الخيار ويكون المدار على مفارقة هذا الرجل للمكان الذي أمضى فيه البيع، فإذا قال الوكيل: اشتريت هذا الكتاب من فلان لفلان، ثم قام ومشى فالآن لزم البيع.
- يصح الشرط قبل العقد كما ذكروا في النكاح.
- والصحيح أنه يجوز اشتراط الخيار، ولو على مدة تلي العقد، ولو في خيار لا ينتهي إلا بعد بدء المدة التي لا تلي العقد.
- لا يصح خيار الشرط فيما قَبْضُهُ قبل التفرق شرط لصحته.
- يثبت خيار الشرط في الصرف .
- «وله نماؤه المنفصل» «له» أي: للمشتري.
- لا يلزم من التحريم عدم الصحة، ويلزم من عدم الصحة التحريم، والدليل قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تَلقوا الجَلَب فمن تلقى فاشترى منه، فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار» ، فهذا تحريم والعقد الصحيح، لأن قوله: «فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار»، يدل على صحة العقد؛ إذ لا خيار إلا بعد صحة العقد؛ لأن الخيار فرع عن الصحة، والدليل على أن كل شيء لا يصح فهو حرام، قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط» ، قال ذلك محذراً من الشروط التي ليست في كتاب الله.
- (إلا عتق المشتري) الصحيح أن العتق كغيره يحرم ولا يصح .
- الظاهر أن الخيار يورث .
- مسألة: لو نام أحدهما في خيار المجلس بأن كان متعباً جداً وفيه نوم، فقال البائع: بعتك هذا الشيء، فقال: قبلت، وإذا رأسه على صدره ينعس فنام، فهذا لا يبطل خياره ما داما في المجلس، ولو طال نومه؛ لأنه لم يفارق الحياة بخلاف من مات.
- وهل واحد من عشرة يعتبر غبناً؟.
الظاهر لي يعتبر غبناً، ولا سيما إذا كانت السيولة بأيدي الناس عزيزة.
- صاحب القول إذا رجح قوله لا بد أن يأتي بالمرجحات، وبالدافعات التي تدفع قول خصمه.
- فإن قال قائل: هل الغبن يكون للبائع أيضاً؟
الجواب: نعم وهذه تقع كثيراً لا سيما فيما سبق من الزمان، ـ فمثلاً ـ يعلم التاجر بأن السكر ارتفعت قيمته، فيذهب إلى من عندهم السكر، ويشتري كل ما عندهم بالقيمة الحاضرة، وهم لا يعلمون أن قيمته ارتفعت فيكون غبناً ولا شك، وهم لم يفرطوا في الواقع في مثل الصورة التي ذكرتها الآن؛ لأنه باع على أن هذه القيمة، وأن الأسعار مستقرة.
- مسألة: إذا فقد التمر فما يقوم مقامه يجزئ عنه.
- الصواب أن إزالة الأصبع الزائدة في وقتنا الحاضر جائزة ولا شيء فيها، وهذا نظير ما قال العلماء في البواسير، قالوا: إن قطع البواسير حرام؛ لأنه يمكن أن ينزف الدم حتى يموت، فيكون متسبباً في قتل نفسه، ولكنه في الوقت الحاضر أصبحت هذه العملية عملية بسيطة وليس فيها أي نوع من الخطر، فلكل مقام مقال، والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً.
- والفرق بين القيمة والثمن، أن القيمة هي ثمنه عند عامة الناس، والثمن هو الذي وقع عليه العقد، فإذا اشتريت ما يساوي ثمانية بستة، فالقيمة ثمانية والثمن الستة، ولهذا انتبه عند كتابة العقود لا تقل: باعه عليه بقيمة قدرها كذا وكذا، قل: بثمن قدره كذا وكذا، وما أكثر الكُتَّاب الذين يخطئون في هذا، أو يقول: باعه بثمن قدره كذا وكذا، والقيمة واصلة، بدلاً من أن تقول: القيمة، قل: الثمن واصل.
- فالضابط: إذا تعذر الرد تعين الأرش، وإذا لزم منه الوقوع في الربا تعين الرد.
- (وخيار عيب متراخ) وهو الصحيح .
- قوله: «وإن اختلفا عند من حدث العيب» الفاعل البائع والمشتري، و «من» استفهامية، اختلفا فقال البائع: حدث العيب عندك فلا خيار لك، وقال المشتري: بل هو سابق للعقد فلي الخيار.
- قوله: «فقول مشترٍ مع يمينه، وإن لم يحتمل إلا قول أحدهما قُبل بلا يمين» فهذه المسألة، أفادنا المؤلف ـ رحمه الله ـ أنها لا تخلو من حالين:
الحال الأولى: أن يمتنع صدق أحدهما، فهنا القول قول من لا يحتمل قوله الكذب.
الحال الثانية: أن يكون هناك احتمال، فهنا يكون القول قول المشتري.
مثال ما لا يحتمل قول البائع: الإصبع الزائدة، فإذا اشترى عبداً فوجد فيه إصبعاً زائدة، فأراد رده، فقال البائع: حدث هذا العيب عندك، وقال المشتري: أبداً، فالقول قول المشتري؛ إذ لا يمكن أن يحدث له إصبع زائدة، ولو أمكن أن يحدث لكان كل إنسان يتوقع أن يحدث له ذلك، وإذا قبلنا قول المشتري فلا يشترط أن يحلف؛ لأنه لا حاجة للحلف.
مثال ما لا يحتمل قول المشتري: اشترى بهيمة ثم ردها، والعيبُ الذي فيها جُرْحٌ، ادعاه المشتري فنظرنا إلى الجرح وإذا هو يثعب دماً، جرح طري والبيع له مدة أسبوع، فالقول قول البائع بلا يمين؛ لأنه لا يحتمل أن يكون هذا الجرح قبل العقد.
أما إذا كان يحتمل هذا وهذا، كعرج وفساد في طعام، وما أشبه ذلك فالمؤلف يقول: إن القول قول المشتري.
وعلة ذلك أن العيب فوات جزء في البيع وهو الكمال، فالمعيب قد فاته الكمال، والأصل عدم قبض هذا الجزء الفائت، والذي يدعي عدم قبضه المشتري، فيكون القول قول المشتري وهذا وجهه؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «البينة على المدعي واليمين على من أنكر» ، فالبائع الآن يقول: إني بعت عليك هذا الشيء
سليماً، وهو يقول بعته علي معيباً، والمسألة محتملة فالقول: قول المشتري؛ لأن الأصل عدم قبض هذا الجزء الفائت بالعيب، فيكون المشتري مدعى عليه والبائع مدعياً، وهذه الرواية من مفردات مذهب الإمام أحمد رحمه الله.
والقول الثاني: أن القول قول البائع، وهو مذهب الأئمة الثلاثة ـ رحمهم الله ـ وهو القول الراجح؛ للأثر والنظر، أما الأثر فقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إذا اختلف المتبايعان فالقول ما قال البائع أو يترادَّان» ، وهذا نص صريح؛ ولأن المشتري مدعٍ أن العيب سابق، حتى على قاعدة الفقهاء، المدعي: من إذا سكت تُرك، والمشتري هنا لو سكت لم يُطالب، والرسول صلّى الله عليه وسلّم يقول: «البينة على المدعي»، والمدعي هنا بلا شك هو المشتري، فنقول له: إيت ببينة أن العيب حدث عند البائع.
وأما النظر فلأن الأصل عدمُ وجودِ العيب والسلامةُ، ودعوى أن العيب سابق على العقد خلاف الأصل، وإذا كان لا يقبل قول المشتري في أصل العيب، فكذلك لا يقبل قوله في زمن العيب.
ولكن يجب أن نعلم أن كل من قلنا القول قوله، فإنه لا بد من اليمين، وهذه قاعدة عامة.
- لو قيل: خيار يثبت فيما إذا أخبره بالثمن لكان أوضح .
- والبيع بالتخبير يقابله البيع بالمساومة.
- قوله: «متى بان أقل أو أكثر» «متى بان أقل» واضح؛ لأن المشتري مغبون، أي: متى بان الثمن أقل مما أخبر به، لكن قوله: «أو أكثر» تصويرها صعب، ولهذا لا توجد هذه العبارة «أكثر» لا في «الإقناع»، ولا في «المنتهى»، ولا في «المقنع» الذي هو أصل هذا الكتاب، ولا غيره، وهي عند التأمل لا وجه لها، فلعلها سبق قلم من المؤلف.
- فسبب ثبوت الخيار للمشتري التخبير الكاذب بالثمن؛ لأن البائع أخبره خبراً كاذباً بثمن هذه السلعة، وهو نوع من الغش والتدليس.
- (أو ممن لا تقبل شهادته له ) والصحيح في هذه المسألة أنه لا يثبت له الخيار إلا إذا ظهر في ذلك غبن.
- والفقهاء إذا قالوا: «في الجملة»، فالمعنى أكثر الصور، وإذا قالوا: «بالجملة»، فالمعنى جميع الصور، هذا مصطلح عندهم، والفرق أن «في» للظرفية و «الباء» للاستيعاب.
- فإذا اختلفا في قدر الثمن «تحالفا» أي: كل واحد يحلف لأن كل واحد منهما مدع ومنكر، وقال الشيخ إن القول قول البائع هذا هو الأقوى .
- «وإذا فسخ العقد انفسخ ظاهراً وباطناً » فلا حق لأحدهما على الآخر ولو كان كاذباً
والصواب أن الكاذب منهما لا ينفسخ العقد في حقه باطناً ولا يحل له التصرف فيه .
- «وإن اختلفا في عين المبيع تحالفا» كما سبق في قدر الثمن فالصحيح أن القول قول البائع وهذا الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية في قدر الثمن، وكذلك في عين المبيع من باب أولى.
- قوله: «وبطل البيع" الصواب أن يقال : وانفسخ البيع .
- الثمن المعين : هو الدَّين الذي يعرفه العامة، فكل ما لم يعين من ثمن، فهو دين.
- والقول الراجح في هذه المسألة أن للبائع حبس المبيع على ثمنه.
- قوله: «وإن كان غائبا بعيدا عنها والمشتري معسر فللبائع الفسخ» هذه العبارة فيها قلق؛ لأن ظاهر قوله: «والمشتري معسر» أنها قيد فيما إذا كان غائباً بعيداً عنها، وأن الواو للحال، ولكن الواقع خلاف ذلك، فالواو هنا بمعنى «أو» .
- فثبت الآن عندنا خيار ثامن، وهو إذا ظهر أن المشتري معسر أو مماطل على القول الراجح.
- وعلى هذا فحصر الخيار في خمسة أو عشرة أو سبعة لا يستقيم .
فصل
- ( وَلَمْ يَصِحَّ تَصرفُهُ فِيه حَتَّى يَقْبِضَهُ ) فالمراد التصرف العوضي، أي: أن يكون تصرفه بعوض، مثل البيع، والهبة بعوض، وجعله أجرة.
وأما تصرفه فيه بهبة أو صدقة أو هدية أو ما أشبه ذلك فلا بأس، هذا هو المراد وهو المذهب أيضاً؛ لأن عمر ـ رضي الله عنه ـ باع على النبي صلّى الله عليه وسلّم بعيراً، فوهبه النبي صلّى الله عليه وسلّم لابن عمر ـ رضي الله عنه ـ واختار شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ أنه يصح تصرفه مع البائع، وأن قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «فلا يبعه حتى يقبضه»، يعني لا يبيعه على غير بائعه؛ لحديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ كنا نبيع الإبل بالدراهم فنأخذ عنها الدنانير ونبيعها بالدنانير، فنأخذ عنها الدراهم، فسألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تتفرقا وبينكما شيء» ، وهذا هو الصحيح.
واختار ـ أيضاً ـ أنه إذا باعه تولية فلا بأس ، ولكن الأولى أن نأخذ بعموم الحديث .
- ويشبه الآفة السماوية من لا يمكن تضمينه، كما لو تلف بأكل حيوان له أو تلف بأكل الجند له .
- إذا أتلفه البائع انفسخ البيع، وقيل: إن أتلفه البائع ضمنه، وهذا هو الراجح. خلافا لمن يقول : انفسخ البيع ، وإن أتلفه آدمي يمكن تضمينه يخير المشتري بين أن يفسخ البيع ويرجع على البائع بالثمن ، أو يمضي البيع ويرجع على المتلف بالبدل .
- وَمَا عَدَاهُ يَجُوزُ تَصَرّفُ المُشْتَرِي فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ. والقول الثاني: أنه لا يجوز أن يتصرف في المبيع قبل قبضه مطلقاً في كل شيء وهو الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ وهذا الذي يؤيده حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ: (أنهم كانوا يبيعون الطعام جزافاً..) واستدل الشارح لهذه المسألة: بحديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: «كنا نبيع الإبل بالبقيع بالدراهم ـ وفي لفظ بالنقيع بالدراهم ـ فنأخذ عنها الدنانير وبالعكس»، أي: بالدنانير فنأخذ الدراهم فسألنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «لا بأس أن تؤخذ بسعر يومها ما لم يفترقا وبينهما شيء». والحديث دليل لا يطابق المدلول؛
لأنه بيع في الذمة، وليس بيع شيء معين ، فلا دلالة في الحديث.
وأنا سقت هذا الحديث لفائدة، وهي أنه يجوز بيع الدين على من هو عليه بشرطين:
الشرط الأول: أن يكون بسعر يومه.
والشرط الثاني: أن يتقابضا قبل التفرق.
- وعليه فيكون قوله: «ما عدا المبيع بكيل ونحوه» فيه قصور، والصواب أن يزاد ثلاثة أشياء المبيع برؤية سابقة، أو بصفة، والثمر على الشجر.
- القول الراجح أنها تجوز بأقل وأكثر إذا كان من جنس الثمن؛ لأن محذور الربا في هذا بعيد فليست كمسألة العينة؛ لأن مسألة العينة محذور الربا فيها قريب، أما هذه فبعيد .