الأربعاء، 4 أكتوبر 2017

مختارات من الشرح الممتع ، باب المساقاة

- قال بعض العلماء: إنه يجوز على شجر لا ثمر له، إذا كانت أغصانه يُنتفع بها، مثل أن تكون أغصانه تقطع وتجعل أبواباً صغاراً ـ مثلاً ـ أو ما أشبه ذلك، أو سدر يمكن أن يُنتفع بأوراقه، وعلى شجر له ثمر لكن لا يؤكل لكنه مقصود، مثل الأثل له ثمر فيؤخذ هذا الثمر ويجعل في الدِّيار، تدبغ به الجلود، فهو ثمر مقصود لكنه لا يؤكل، وهذا القول هو الصحيح؛ لأن القاعدة هي أن يكون للعامل شيء في مقابلة عمله.


- (فَإِنْ فَسَخَ المالكُ قَبْلَ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ فلِلعَامِلِ الأُجْرَةُ) ولو قال قائل: إنه يعطى بالقسط من سهم المثل لكان له وجه؛ لأن العامل لم يعمل على أنه أجير، بل عمل على أنه شريك.

- (وَإِنْ فَسَخَها هُوَ فَلاَ شَيْءَ لَهُ) إذا كان فسخه لعذر ـ أي العامل ـ مثل أن ينفد ما بيده من المال، أو يكون عنده خادم فيموت أو يهرب ولا يستطيع أن يكمل العمل بنفسه، فهنا نقول: إنه معذور فلا يضمن شيئاً، أما إذا كان غير معذور وفات غرض صاحب الأصل، فينبغي أن يُضَمَّن، وإلا يلزم بإتمام العمل، وهذا قبل ظهور الثمرة، فإذا كان الفسخ بعد ظهور الثمرة، فلا يملك مالك الأصل أن يفسخ، والعامل ـ أيضاً ـ يُلزم بإتمام العمل، يعني تكون لازمة بعد ظهور الثمرة؛ لأن العامل أصبح الآن شريكاً في الثمرة، ولا يمكن لرب الأصل أن يطرده، وصاحب الأصل ـ أيضاً ـ لا يُمَكّن العامل من الفسخ إلا إذا رضي أن يفسخ مجاناً فلا بأس، فلو قال العامل: أنا الآن لا أستطيع، فله ذلك بشرط أن يتنازل عن حقه ويقول: أنا لا أريد شيئاً، فصار قبل ظهور الثمرة كما سبق، إن فسخ المالك لزمه أجرة المثل، وعلى قولنا يلزمه قسط السهم الذي عامل عليه، والعامل إذا فسخ قبل ظهور الثمرة فلا شيء له؛ لأنه هو الذي رضي لنفسه ذلك، ولكن هل يضمن العامل للمالك؟ الجواب: إن فسخ لعذر فلا شيء عليه، وإن فسخ مضارَّة فينبغي أن يضمن.

- المساقاة عقد لازم كالإجارة، وبناء على هذا القول يتعين تعيين المدة، فيقال: ساقيتك على سنة أو سنتين أو ثلاث سنين أو ما أشبه ذلك؛ لأن العقد اللازم لا بد أن يحدد؛ حتى لا يكون لازماً مدى الدهر، فيتعين تحديد المدة، ولا يمكن لأحد منهما فسخها ما دامت المدة باقية، فإن تعذر العمل عليه لمرض أو غيره أقيم من يقوم بالعمل على نفقة العامل، وله السهم المتفق عليه وهذا هو الصحيح، وعليه عمل الناس اليوم وربما يستدل لذلك بأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج من ثمر أو زرع، وقال: نقركم في ذلك ما شئنا ، أي نقركم ما شئنا من الإقرار وأنتم ما دمتم باقين فعلى المعاملة، ولأننا لو قلنا: إنه عقد جائز كثر الضرر والنزاع بين الناس، ولأن العامل ربما يتحيل فيأتي إلى صاحب الملك ويأخذ منه الملك مساقاة في موسم المساقاة، فإذا زال الموسم جاء إلى المالك وفسخ، وكذلك بالعكس ربما يكون المالك أعطى العامل هذا الملك ليعمل فيه، فإذا زادت الأسهم للملاك فسخها وأعطاه أجرة المثل، فالصواب أن المساقاة عقد لازم ويتعين فيها تحديد المدة.

- الصواب أنه يتبع في ذلك العُرف، فإذا جرت العادة أن الجذاذ يكون على العامل فهو على العامل، وإذا جرت العادة أن يكون على صاحب المال فهو على صاحب المال، والعادة عندنا أنه إذا نضجت الثمار قَسَمُوها على رؤوس النخل، وقيل: لك أنت أيها الفلاح هذا الجانب وللثاني الجانب الآخر، وكل واحد منهما يجذ نخله، وهذا في عُرفنا ولا ندري عن عُرف الآخرين.

- الدولاب هو آلة استخراج الماء من البئر ونحوه، ويستعمل بدل الدولاب الرحى، حيث يستعمل الدولاب في الآبار، والرحى تستعمل في الأنهار.

- إذا كان العرف مطرداً فبها ونعمت، وهذا هو المطلوب، ونمشي على ما جرى عليه العرف، وإذا لم يكن مطرداً، وجب على كل منهما أن يُبَيِّن للآخر ما عليه وما له حتى لا يقع نزاع؛ لأنه من المعلوم أن المتعاقدين عند أول الدخول في العقد، يكون كل واحد منهما مشفقاً، وربما ينسى أو يتناسى بعض الشروط، ويقول: هذا هَيِّن، لكن نقول: هذا لا يجوز، فلا بد أن يكون الشيء واضحاً بيّناً؛ لأنه ربما يحدث نزاع ثم لا نستطيع أن نؤلف بين الطرفين.



فصل

- المزارعة هي أن يدفع أرضاً لمن يزرعها بجزء من الزرع.
والفرق بينها وبين المساقاة أن المساقاة على الشجر، والمزارعة على الزرع، والفرق بين الشجر والزرع أن ما له ثمر وساق وأغصان يسمى شجراً، وما ليس كذلك فإنه يسمى زرعاً.

- قوله: «مما يخرج من الأرض» أي من الزرع، فإن أعطاه إياها بجزء أو بشيء معلوم مما لا يخرج من الأرض، فليست مزارعة بل هي إجارة.

- قوله: «والغراس» إشارة إلى المغارسة، والمؤلف لم يذكرها، فهناك عقد ثالث غير المساقاة والمزارعة، ويسمى المغارسة، ويسمى المناصبة، وهي أن يدفع الإنسان الأرض لشخص، يغرسها بأشجار ويعمل عليها بجزء من الأشجار، ليس بجزء من الثمرة، بل بجزء من الغرس، والثمرة تتبع الأصل، والفرق بينها وبين المساقاة، أن المساقاة بجزء من الثمرة، والأصل ـ أي: الشجر ـ لرب الأرض، وهذه بجزء من الأصل نفسه، أي: من الغرس، وهي جائزة، وإذا تمت كان للعامل نصف الشجر، أو ربعه، حسب الشرط، والمساقاة إذا تمت كان للعامل نصف الثمرة أو ربعها حسب الشرط، إذن بينهما فرق.
ففي المغارسة الجزء المشروط للعامل من الأصل، أي: من الشجر نفسه، فهل يشترط إذا أعطيت شخصاً أرضاً مغارسة، أن يكون الفرخ الصغير من رب الأرض، أو يجوز أن يكون من العامل؟
الجواب: المذهب أنه لا بد أن يكون من رب الأرض، كالمزارعة تماماً، لكن ما مشى عليه المؤلف أنه ليس بشرط.
فيجوز أن تقول: يا فلان هذه أرض بيضاء، تحمل ألفاً خذها مغارسة بالنصف، فعلى كلام المؤلف الذي يشتري الغراس هو العامل، ثم إذا انتهت مدة المغارسة يقسم النخل، وعلى المذهب لا بد أن الذي يدفع ثمن الغرس هو رب الأرض.
ولكن الصحيح ما مشى عليه المؤلف، أنه ليس بشرط.

الثلاثاء، 3 أكتوبر 2017

مختارات من الشرح الممتع ، باب الشركة

- حكمها من حيث الحكم الوضعي فإنها من العقود الجائزة وليست من العقود اللازمة، بمعنى أنه يجوز لكل واحد من المشتركين أن يفسخ الشركة.

- ربما تحدث أنواع من الشركات يصعب تنزيلها على ما قاله الفقهاء، فإذا وجدنا نوعاً من الشركات حدث كما يحدث الآن في المعاملات الأخيرة، فلا نقول: إنه حرام؛ لأنه خارج عما قال الفقهاء؛ لأن الأصل الحل والإباحة.

- يصح أن يكون رأس المال من غير النقدين المضروبين، ولكن تقدر قيمته بالنقدين عند عقد الشركة؛ ليرجع كل واحد منهما إلى قيمة ملكه عند فسخ الشركة، وهذا القول هو الراجح، وعليه العمل.على أن يكون التقدير بالأكثر رواجاً.

- المضاربة والمساقاة والمزارعة كل هذه الثلاث لا بد أن يُشترط لأحدهما جزء مشاع معلوم.

- الخسارة على قدر المال بخلاف الربح فعلى ما شرطاه ، لأن تحميلنا إياه أكثر من خسارة ماله، معناه إضافة شيء من ماله إلى مال الآخر وهذا أكل للمال بالباطل.

- «ولا يشترط خلط المالين» إشارة إلى نفي القول باشتراطه، والقول باشتراط الخلط نوعان:

الأول: أنه لا بد أن يؤتى بالمالين، ويجعلا في متجر واحد، ولو كان كل واحد منهما ماله متميزاً.
مثاله: شخص ماله أقمشة، والثاني ماله أطعمة، يقول: لا بد أن يؤتى بالأطعمة إلى مكان الأقمشة، أو بالعكس ويكون محلهما واحداً، وإن كان هذا يعمل بماله وذاك يعمل بماله، وهذا اختلاط في المكان، وبه قال الإمام مالك رحمه الله.
الثاني: أنه لا بد أن يختلط المالان جميعاً، ويتصرف كل واحد منهما فيهما جميعاً، بمعنى أن المالين صارا خليطين كالمال الواحد كأنه متجر لشخص واحد، وكل منهما يعمل به، وهذا اختلاط تام، وبه قال الشافعي.
إذاً الاختلاط نوعان: اختلاط تام، واختلاط في المكان.

القول الثاني: أنه ليس بشرط، وكل واحد منهما يعمل بماله في مكانه، حتى لو كان أحدهما في مكة والآخر في المدينة، واشتركا شركة عِنان فلا بأس.
فالذين قالوا بالاشتراط قالوا: أين الشركة إذا كان كل واحد يعمل في مكان، وفي ماله الخاص؟! أجيب أنهما إذا اختلطا صار المال الذي في البلد هناك، بينه وبين شريكه نصفين، والمال الذي في بلده بينه وبين شريكه نصفين، كما لو كانا شريكين شركة أملاك، فإنهما يكونان هكذا.
والقول الراجح أنه لا يشترط خلط المالين كما قال المؤلف؛ لأن الشركة حاصلة بدون الخلط إذ المقصود الربح.


فصل



- معلوم أن كل تجارة فهي مضاربة، يعني يضرب الإنسان في الأرض، لكن خُصت بهذا النوع من المعاملة اصطلاحاً لا لغة، كما قيل: مزدلفة تسمى جمعاً، مع أن الحجاج يجتمعون في عرفة، لكن هكذا اصطلح أهل اللغة على أن مزدلفة تسمى جمعاً، وسميت مزدلفة كذلك لقربها من الحرم، مع أن منى أقرب من مزدلفة إلى الحرم، لكن هكذا اصطُلِح، وقد يقال: إن مزدلفة سميت بهذا باعتبار أنها مشعر وعرفة مشعر أيضاً، وهي أقرب المشعرين إلى مكة.


- (وإن اختلفا لمن المشروط فلعامل مالم يدع خلاف العادة) الصحيح أنه للعامل ما لم يدع خلاف العادة .


- إن اختلفا في قدر المشروط فالقول قول رب المال، بأن قال العامل: شرطنا لك ثلث الربح، وقال صاحب المال: بل نصف الربح، فهما متفقان على أن المشروط له هو رب المال، لكن اختلفوا في القدر، فصاحب المال يقول: النصف، والعامل يقول: الثلث، فإذا قدرنا أنه الثلث فإنه يكون للعامل الثلثان، وإذا قدرنا أنه النصف فليس له إلا النصف، فالقول قول رب المال؛ لأن الربح تبع للأصل.


- مسألة: إذا فسدت المضاربة فالربح كله لرب المال، وللعامل أجرة المثل، فمثلاً إذا كان مثل هذا العامل راتبه الشهري ألف ريال، فيكون له على رب المال ألف ريال، حتى لو أحاطت بالربح كله، أو كانت جزءاً من ألف جزء من الربح، هذا هو المشهور من المذهب؛ والتعليل أن هذه المضاربة فاسدة فيستحق العامل أجر عمله.
والصحيح في هذه المسألة أن للعامل سهم المثل، فيقال: لو اتجر الإنسان بهذا المال كم يعطى في العادة؟ فقالوا ـ مثلاً ـ: يعطى نصف الربح، فيكون له نصف الربح، وهكذا؛ لأن العامل إنما عمل على أنه شريك، لا على أنه أجير، ولأنا لو قلنا: يعطى الأجرة فربما تحيط الأجرة بالربح كله، وحينئذٍ يخسر رب المال، ورب المال لم يعطه على أنه أجير.


- إذا ضارب العامل بمال لشخص وربح، فإن هذا الربح يضاف إلى ربح المضاربة الأولى، ويكون المضارِب الأول شريكاً، كأن هذا الربح من المضاربة الثانية ربح مالهما، هذا ما ذهب إليه المؤلف.
وقال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ: إنه لا يستحق من ربح المضاربة الثانية شيئاً؛ لأنها ليست من ماله، وإنما هي من كسب العامل، والعامل أخطأ في كونه يضارب بمال الآخر مع الإضرار بالأول، لكن ما الذي يُحل هذا الربح لصاحب المال الأول؟! ففي الواقع أنه لا يحل، ولهذا كان هذا القول هو الراجح، أنه لا يضيف ربحه من المضاربة الثانية إلى ربح المضاربة الأولى، بل هو له لكنه آثم.
فإن قال قائل: لو فرض أنه فوت على المضارب الأول، أي: على رب المال أرباحاً، فهنا ربما نضمنه، وقد لا نضمنه أيضاً، لكن الكلام على أن الربح من المضاربة الثانية، لا يرد في ربح المضاربة الأولى على القول الراجح، أما المذهب فكما سبق بيانه.


- الوضيعة : أي الخسارة ، على قدر المال في جميع الشركات.


- إن طالبه الصحيح أن يقيم مُقامه لزمه، فإن أبى فللآخر فسخ الشركة.


- اختلف فيها الفقهاء رحمهم الله، فمنهم من أجازها، ومنهم من منعها، وقال: إننا لو أجزنا هذه الشركة وهي واسعة فلا تمكن الإحاطة بها، فهي مفاوضة قد تؤدي إلى الفوضى والغرر؛ لأن فيها كل شيء، يعني أحدهما ضارب والثاني شارك في بدن، والثالث شارك في وجوه، والرابع شارك في عنان.
فنقول: لا مانع فيه؛ لأن كل أنواع الشركة تدخل في عقد المفاوضة، فلم تَعْدُ أن تجمع بين متفرق؛ لأن المضاربة وحدها جائزة، والعنان وحدها جائزة، والوجوه جائزة، والأبدان جائزة، إذاً هذه لم تعدُ إلا أنها جمعت بين هذه الأربعة، وما جاز أفراداً جاز جمعاً، فالصواب هو ما ذهب إليه الحنابلة ـ رحمهم الله ـ أنها جائزة والحاجة تدعو إليها، وعمل الناس اليوم على هذا،فكثير من الشركاء التجار الكبار، شركاتهم مفاوضة.

الاثنين، 25 سبتمبر 2017

مختارات من الشرح الممتع ، باب الوكالة

- جائز التصرف هو الحر البالغ العاقل الرشيد.


- القول الراجح أن الوكالة تصح بالقول والكتابة والفعل، وتصح مطلقة ومقيدة، ومؤقتة ومؤبدة، فالمهم أن الوكالة من أوسع الأبواب.

- قوله: «لا الظهار واللعان والأيمان» فهذه لا يجوز فيها الوكالة؛ لأنها متعلقة بالفاعل نفسه.

- كل العبادات المالية تدخلها النيابة، كتفريق زكاة وصدقة وكفارة.

- يصوم الإنسان عن ميته سواء أوصى به أم لم يوصِ به.

- إذا أمكنه أن يصوم ولكنه فرط ثم مات يصام عنه ، وأما من لم يفرط فإنه لا صيام عليه؛ لأنه إن كان مريضاً مرضاً لا يرجى برؤه ففرضه الإطعام، وإن كان مرضاً يرجى برؤه واستمر به المرض حتى مات، فلا قضاء عليه؛ لأنه لم يدرك أن يقضي، ومثل ذلك إذا حصل حادث ومات الإنسان المخطئ في نفس الحادث في الحال، والمخطئ إذا قتل نفساً خطأ فيكون عليه إما عتق رقبة، وإما صيام شهرين متتابعين، فإن مات وكان ذا مال يتسع لعتق الرقبة، أُعتق من ماله؛ لأنه دين عليه، وإن كان ليس عنده مال أو لا توجد الرقبة فلا صيام عليه؛ لعدم التمكن من الأداء، فالرجل لم يتمكن من الأداء؛ لأنه مات في الحال، فكيف نلزمه صيام أيام لم يعشها؟!
ثم نقول ـ أيضاً ـ: أيهما أكثر أن يموت الإنسان، وعليه صيام من رمضان أو عليه صيام نذر؟
الجواب: الأول لا شك.

- أقرب الأقوال: أن التوكيل في النفل للقادر لا يصح أبداً ، فأين الحج الذي جعله الرسول صلّى الله عليه وسلّم جهاداً.

- «وعزل الوكيل» هذه العبارة لم نرها في المنتهى، ولا في الإقناع، ولا في المقنع ـ أيضاً ـ الذي هو أصل الكتاب، وهي في الحقيقة زائدة، لأن عزل الوكيل يغني عنه قوله: «بفسخ أحدهما».

- في الحجر لفلس : إن كانت الوكالة في أعيان مال الموكل انفسخت، وإن كانت في ذمته لم تنفسخ، أما الوكيل فإنه إذا حجر عليه لفلس لا تنفسخ الوكالة بذلك؛ لصحة تصرفه في مال غيره.

- يجوز أن يبيع على ولده ووالده وأمه وجدته وبنته وبنت بنته إلا إذا ظهرت المحاباة ، إلا إذا كان شريكاً لهم؛ لأن حقيقة الأمر أنه باع على نفسه.

- المؤجل غير النسأ، والنسأ هو تأخير القبض ولو كان غير مؤجل، والمؤجل تأخير الوفاء.
مثال ذلك: قلت: بعتك هذا الشيء بثمن يحل بعد شهر فهذا مؤجل، وبعتك هذا الشيء ولم أقبض الثمن فهذا نسأ؛ لأن فيه تأخيراً، وبعتك هذا الشيء بعشرة وأعطيتني إياها وأخذته فهذا يداً بيد.




فصل



- «إن جهل رده» فقط ولا يملك أخذ الأرش؛ لأن أخذ الأرش معاوضة جديدة إذ أن الأرشَ عوض عن الجزء الفائت بالعيب، ولا يملك أن يعاوض هو لأنه ليس أصيلاً بل هو وكيل وفرع، إلا إذا قال الموكل: لا بأس أن تأخذ الأرش.
وعند شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ أن لا أرش وأنه يقال لمن اشترى المبيع المعيب: إما أن ترد وإما تأخذه معيباً ولا أرش إلا برضا البائع.

- (وَإِن وكَّلَهُ فِي بَيْعٍ فَاسِدٍ فَبَاعَ صَحِيحَاً، أَوْ وَكَّلَهُ فِي كلِّ قَلِيلٍ وكَثِيرٍ، أَوْ شِرَاءِ ما شَاءَ، أو عَيْناً بِمَا شَاءَ وَلَمْ يُعَيِّنْ لَمْ يَصِحَّ) مثل أن يوكله في بيع جمل شارد فالتوكيل لا يصح؛ لأن البيع حينئذ فاسد، فلو حضر الجمل فباعه بدون توكيل جديد لم يصح؛ لأن أصل الوكالة فاسد؛ إذ إن الموكل لا يملك بيع الجمل الشارد حتى يحضر، فإن علق الوكالة بحضوره فقال: متى حضر فأنت وكيل في بيعه، صحت الوكالة؛ لأنها تصح معلقة.

- (أَوْ وَكَّلَهُ فِي كلِّ قَلِيلٍ وكَثِيرٍ) لعظم الضرر.

- الوكيل في القبض لا يملك الخصومة، إلا بإذن خاص.

الخميس، 21 سبتمبر 2017

مختارات من الشرح الممتع ، باب الحجر

- في الاصطلاح: فهو منع إنسان من التصرف في ماله، وذمته، أو في ماله فقط.

- لا يحل للقاضي أن يحكم بحبس المطلوب؛ لأن حبسه ليس فيه فائدة بل لا يزيد الأمر إلا شدة، ليدعه يطلب الرزق في أرض الله فلعله أن يوفي، بل ويحرم على القاضي سماع الدعوى في مطالبته متى تبين له أنه فقير، ويجب على القاضي إذا نهى من له الدين عن الطلب وأصرَّ، أن يؤدب هذا المطالب؛ لأنه فعل معصية، وقد قال العلماء: التعزير واجب في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة.

- (يحل عرضه وعقوبته) الصحيح أن العقوبة مطلقة ترجع إلى اجتهاد القاضي.

- «ولا ينفذ تصرفه في ماله» يؤخذ منه أنه يصح تصرفه في ذمته، بأن يشتري شيئا بثمن مؤجل.


- قوله : «ولا إقراره عليه» يعني لا يصح بعد الحجر أن يقر على شيء من ماله الذي بيده، ويصح إقراره في ذمته.

- إذا تم للإنسان خمس عشرة سنة فهو بالغ، وإن كان صغيراً في جسمه، وإن لم يحتلم، وإن لم تنبت عانته.

- وقوله: «قبل بلوغه» يعني لا بد أن يكون قبل بلوغه، لأجل إذا بلغ فمن حين بلوغه يدفع إليه المال؛ لأن الأصل في بقاء المال في يد الولي التحريم، ولهذا نقدم الاختبار قبل البلوغ من أجل أن ندفع إليه ماله فور بلوغه إذا علمنا رشده، قال الله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ} ... }.

- القول الثاني في المسألة: أن الولاية تكون لأولى الناس به، ولو كانت الأم إذا كانت رشيدة؛ لأن المقصود حماية هذا الطفل الصغير أو حماية المجنون أو السفيه، فإذا وجد من يقوم بهذه الحماية من أقاربه فهو أولى من غيره، وهذا هو الحق ـ إن شاء الله تعالى ـ وعليه فالجد أو الأب يكون ولياً لأولاد ابنه، والأخ الشقيق ولياً لأخيه الصغير، والأم إذا عدم العصبة تكون ولية لابنها، نعم إذا قدر أن أقاربه ليس فيهم الشفقة والحب والعطف، فحينئذٍ نلجأ إلى الحاكم ليولي من هو أولى.

- (وَيَأْكُلُ الوَلِيُّ الفَقِيْرُ مِنْ مَالِ مَوْلِيِّهِ الأقلَّ مِن كفايتِهِ أو أجرتِهِ مَجَّاناً) ظاهر الآية الكريمة: {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} أنه يأكل بالمعروف، وأنه إذا كانت الأجرة أقل تُكمل له الكفاية وعلى هذا فنقول: يأكل كفايته سواءً كانت بقدر الأجرة أو أقل أو أكثر.

- ( ويُقْبَلُ قَولُ الوَلِيِّ والحَاكِمِ بَعْدَ فَكِّ الحَجْرِ فِي النَّفَقَةِ والضَّرورَةِ والغِبْطَةِ والتَّلَفِ وَدَفْعِ المَالِ ) والحاكم بلا يمين؛ لأن الحاكم يقول بمقتضى السلطة ، الضرورة: ألا يكون للمحجور عليه دراهم إطلاقاً، والمحجور عليه يضطر إلى أكل وشرب فيبيع البستان مثلاً.
الغبطة: أن يُبذل فيه مال كثير أكثر من قيمته المعتادة، فيأتي إنسان يقول: أنا أريد أن أشتري هذا البستان أو هذا البيت بمائة ألف، وهو لا يساوي في السوق، إلا خمسين ألفاً، فهذه غبطة.
كل أمين إذا ادعى التلف، فإنه يقبل قوله بيمينه ما لم يدعِهِ بأمر ظاهر، فإذا ادعاه بأمر ظاهر كالحريق والغرق والجنود التي احتلت البلاد، وما أشبه ذلك، فلا بد من أن يقيم البينة على وجود هذا الحادث الظاهر، ثم يقبل قوله في التلف، وهذه قاعدة ذكرت في الأبواب السابقة.


- وكما أسلفنا كثيراً أن من رجح قولاً على قول فلا بد من أمرين:

الأول: بيان دليل الرجحان.

والثاني: والإجابة على أدلة الخصوم.

ولا يكفي أن تذكر أدلتك حتى ترد على أدلة خصومك.



- والفرق بين تعلقه برقبة العبد وتعلقه بذمة السيد، أنه إذا تعلق بذمة السيد لزمه وفاؤه مهما بلغ، حتى لو كان أكثر من قيمة العبد عشر مرات.
أما إذا تعلق برقبة العبد، فإنه يخير السيد بين أمور ثلاثة، إما أن يبيعه ويعطي ثمنه من استدان منه العبد، وإما أن يسلمه لمن استدان منه عوضاً عن الدين، وإما أن يفديه السيد بما استدان.


- «استيداعه» يعني أن يأخذ وديعة فيتلفها فيتعلق برقبته.

- فعندنا الآن أربع مسائل: إذا استدان بغير إذن السيد، أو استودع، أو جنى، أو أتلف، كل هذه تتعلق برقبته، وكل شيء يتعلق برقبته فإن سيده يخير بين الأمور الثلاثة:

الأول: أن يعطيه صاحب الحق ويقول: هو لك بدينك أو بجنايتك أو قيمة متلفك.

الثاني: أن يبيعه ويعطي صاحب الحق قيمة العبد.

الثالث: أن يفديه ويبقى العبد عنده.

الثلاثاء، 19 سبتمبر 2017

مختارات من الشرح الممتع ، باب الصلح

- يمتنع الإصلاح في حالة واحدة، وهي ما إذا تبين للقاضي أن الحق مع أحد الخصمين، فإن الصلح هنا ممتنع ولا يجوز ما لم يبين لصاحب الحق أن الحق له، ثم يطلب منه الصلح؛ لأنه يوجد قضاة علمهم ضعيف، فكل مسألة ترد عليهم يجعلونها صلحاً، وهذا حرام ولا يجوز.

- وهناك فرق بين من يصح تبرعه ومن يصح تصرفه، فالذي يصح تصرفه أوسع من الذي يصح تبرعه، فمثلاً ولي اليتيم يصح تصرفه ولا يصح تبرعه، وكذلك الوكيل.

- ( وَإِنْ وَضَعَ بَعْضَ الحَالِّ وَأجَّلَ بَاقِيَهُ صَحَّ الإسْقَاطُ فَقَطْ ) فالصواب أنه يصح الوضع، وأن الحال يتأجل بالتأجيل وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ .

- «وإن صالح عن المؤجل ببعضه حالاً» والصواب أنه جائز، وهو اختيار شيخنا ابن سعدي - رحمه الله تعالى - .

- (أَوْ أَقَرَّ لَهُ بِبَيْتٍ فَصَالَحَهُ عَلَى سُكْناهُ، أَوْ يَبْنِيَ لَهُ فَوْقَهُ غُرْفَةً) فلا يصح، لأنه صالح عن ماله ببعض ماله.


فصل



- هذا الفصل فيه الصلح على إنكار، وفيه بيان حقوق الجيران بعضهم على بعض، وإنما جعل الفقهاء ـ رحمهم الله ـ حقوق الجيران بعضهم على بعض في هذا الباب؛ لكثرة المصالحة بين الجيران في حقوقهم.

- «وإن كذب أحدهما لم يصح في حقه باطناً وما أخذه حرام» أما ظاهراً فإنهما لو ترافعا إلى القاضي في المحكمة حكم بالصلح، لكن باطناً فيما بينه وبين الله، فالكاذب لا يصح الصلح في حقه.


- وهذا هو الصواب في هذه المسألة، أنه يصح أن يصالح عن حق الشفعة، وتسقط الشفعة.

- «الروشن» هو أن يجعل سقفاً لا يتصل بالجدار الآخر.
و «الساباط» أن يجعل سقفاً يتصل بالجدار الآخر.
الصحيح أنه لا بأس أن يُخْرِجَ ما جرت به العادة، ( من الروشن والساباط والدكة ) مما لا يضر الناس وبإذن الإمام، فإن كان مما يضرهم فإنه لا يجوز حتى لو أذن من له الولاية على البلد، كرئيس البلدية ـ مثلاً ـ، فلو أذن له أن يخرج هذا الساباط أو الروشن وهو يضر بالناس فإنه ليس له أن يفعله، فإن أخرجه وكان نازلاً بحيث يضرب الراكب أو ما أشبه ذلك فإنه ممنوع.

- الصحيح أن له إخراج الميازيب بشرط ألا يحصل بها ضرر؛ لأن هذا عادة الناس حتى في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم، الميازيب تكون في الشارع ، وقال شيخ الإسلام: إن استئذان الإمام خلاف السنة، وأن السنة جرت أن الناس يخرجون ميازيبهم بدون استئذان الحاكم، وهذا هو الصحيح والعمل عليه إلى يومنا هذا.

- (بلا إذن المستحق) والمستحقون هم الذين لهم أبواب شارعة على هذا الدرب، وليس الذين لهم بيوت على الدرب؛ فالذي له بيت على الدرب وليس له باب، لا حق له في الدرب.

- وبناء على ذلك فإن ما يعرف عند الناس بالمباناة لا تحل للجار، فبعض الناس إذا بنى بيته وجاء جاره وبنى قال له: أعطني نصف تكاليف الجدار، فهذا حرام عليه؛ لأنه إنما بنى الجدار على أنه ملكه، فما الذي يُحل له أن يأخذ نصف تكاليفه من هذا الجار؟! نعم تلزمه إن علمنا أن الجار تباطأ في البناء وتأخر من أجل أن يبني الجار.

- قوله: «وكذلك المسجد» أي: أن المسجد كالجار، فإذا احتاج جار المسجد إلى أن يضع خشبه على جدار المسجد، أو أن يغرزها فيه غرزاً، فلا بأس بالشرطين المذكورين وهما الضرورة، وعدم الضرر على الجدار.

الاثنين، 18 سبتمبر 2017

مختارات من الشرح الممتع ، باب الحوالة


- «لا تصح إلا على دينٍ مستقر» غير المستقر كدين الكتابة ، غير مستقر على العبد ، ومهر المرأة قبل الدخول غير مستقر على الزوج .

- (ولا يعتبر استقلال المحال به ) فلو أن المكاتب أحال سيده بدينه على من في ذمته دين مستقر للمكاتب، فإن الحوالة صحيحة؛ لأنه لا يشترط استقرار المحال به، ومثل لو أحال الزوج زوجته .. إلخ.
فالشرط أن تكون على دين مستقر، فإن كانت على عين فتوكيل، وإن كانت على دين غير مستقر لم تصح، وإن كان على غير دين ولا عين فهذه لا تصح حوالة، لكنها توكيل في الاستقراض.

- فإن أحاله بمائة صاع بر على مائة صاع شعير فإنه لا يصح، لاختلاف الجنسين، فهي ليست حوالة ولكنها في الحقيقة بيع.

- فصار اتفاقهما في القدر تحته أمران:

الأول: التحويل بالناقص على الزائد، على أساس أنه يأخذ مقدار حقه والباقي يبقى في ذمة المحال عليه، فهذا جائز.

الثاني: التحويل بالزائد على الناقص ـ على كلام المؤلف ـ لا يصح، لكن ما هو الطريق للصحة؟

الجواب: الطريق أن يبرئه من الزائد، ثم يحيله على المساوي.

فإذا قال: أنا أريد أن أبرأ منه نهائيّاً؟ قلنا: الطريق إلى هذا أن يبرئه من الزائد ثم يحيله، وهذه حيلة لا بأس بها؛ لأنها حيلة على مباح.

ولو قيل: إذا لم يكن في المسألة إجماع، فإنه يصح بدون إبراء لكان له وجه؛ لأن حقيقة تحول الدائن على ما هو أقل من حقه حقيقته الإبراء، لكن بدلاً من أن يقول: أبرأتك ثم ذاك يقول: أحلتك، اكتفى بالحوالة.

والخلاصة: (أن الحوالة من باب الاستيفاء، فإذا انقلبت إلى معاوضة صار لا بد من مراعاة شروط البيع المعروفة) ، هذه هي القاعدة، أما هذه الشروط التي ذكرها المؤلف فكما سبق أن بعضها فيه نظر.

- فإذا صحت نقلت الحق من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه، وبرئ المحيل براءة تامة، والحوالة غير الضمان، فالضمان سبق أنه لا ينقل الحق؛ فلا ينقل الحق من ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن، وكذلك الكفالة.

- فصار المحيل والمحتال والمحال عليه باعتبار الرضا على ثلاثة أقسام:

الأول: من يعتبر رضاه بكل حال وهو المحيل.

الثاني: من لا يعتبر رضاه على كل حال وهو المحال عليه.

الثالث: من فيه التفصيل وهو المحتال، إن كان على مليء لم يشترط رضاه، وإن كان على غير مليء اشترط رضاه.

ومن هو المليء؟

الجواب: قال العلماء: هو القادر على الوفاء بقوله وماله وبدنه.

أما «قوله» : فألا يكون كاذباً يَعِدُ ويُخْلِفُ، وهذا هو المماطل.

«وبدنه» وهو أن يمكن إحضاره عند المحاكمة إلى مجلس الحكم، فإن كان لا يمكن محاكمته شرعاً أو عادة، فإنه لا يلزمه أن يتحول، ولا بد من رضاه، فمثلا الأب والسلطان لا يمكن إحضارهما إلى مجلس الحكم.

فالصواب أنه لا بد من رضا المحتال سواء كان على مليء أم على غير مليء، وهو قول الجمهور.

الأحد، 17 سبتمبر 2017

مختارات من الشرح الممتع ، باب الضمان

- في الشرع: فهو التزام جائز التصرف ما وجب أو يجب على غيره، من حق مالي.


- فالأشياء التي تحفظ بها الحقوق: الشهادة، وهذه يستوفى بها الحق، والضمان والكفالة والرهن، وهذه يستوفى منها الحق.

- والرشد: هو إحسان التصرف في المال، وهو في كل موضع بحسبه، فمثلاً الرشد في الدين استقامة الدين، الرشد في باب الولي في النكاح، معرفة الكفء ومصالح النكاح، والرشيد في العبادات هو الذي قام بالواجبات وترك المحرمات، والرشد في المال إحسان التصرف فيه؛ لأن هناك كلمات تفسر في كل موضع بما يناسب.

- شيخنا ابن سعدي - رحمه الله - يرى أنه لا يملك مطالبة الضامن إلا إذا تعذرت مطالبة المضمون عنه، والمذهب كما في الزاد : ( مطالبة من شاء منهما ..).

- قوله: «ويصح ضمان المجهول إذا آل إلى العِلم» ضمان المجهول إذا آل إلى العلم جائز، ومنه ما يعرف عند الفقهاء بضمان السوق، بأن يلتزم الإنسان بضمان كل ما يجب على هذا المضمون في معاملته في هذا السوق.
مثلاً: سوق الذهب، كل معاملة تجري في سوق الذهب فأنا ضامن لهذا الرجل، فهذا يجوز مع أنه مجهول.

- قوله: «وعهدة مبيع» وذلك أن البائع إذا باع الشيء فقد ضمن عهدته، أي تعهد بأن هذا البيع صحيح، وأن المال ملكه وما أشبه ذلك.

- مسألة: لو قضى الضامن الدين، فهل يرجع على المضمون عنه؟
الجواب: نعم يرجع؛ لأنه هو الأصيل، ومعلوم أنه لا يمكن أن نجعل الضامن يخسر ولا يُعوض، ورجوعه لا يخلو من ثلاث حالات:
الأولى: أن ينوي التبرع فهذا لا يرجع.
الثانية: أن ينوي الرجوع فيرجع.
الثالثة: إذا أوفى ولم يطرأ على باله نية الرجوع أو عدمها، على المذهب لا يرجع، والصحيح أنه يرجع؛ لأنه إنما التزمها فرعاً عن أصل.
وعلى هذا فإنه على القول الراجح يرجع في حالين، إذا نوى الرجوع، وإذا لم ينو شيئاً، ولا يرجع إذا نوى التبرع، والمذهب يرجع إذا نوى الرجوع فقط، قال العلماء: وهكذا كل من أدى عن غيره ديناً واجباً، فإنه يرجع إن نوى الرجوع، ولو بغير إذنه، إلا إذا كان الدين مما تشترط فيه نية المدين، فإنه لا يرجع إلا بإذن مثل الزكاة والكفارة؛ لأن الذي عليه الزكاة لم ينوِ ولم يوكل.
مثاله: جاء رجل وقال: أنا سأذهب إلى المجاهدين أعطوني دراهم من الزكاة، وكنت أعلم أن صاحبي عنده زكاة كثيرة، فأعطيت هذا الرجل ثلاثين ألفاً على أنها زكاة صاحبي فهل أرجع؟ لا؛ لأن الزكاة تجب فيها النية، وهنا الذي عليه الزكاة لم ينو، وأما الثلاثون ألفاً فلا تذهب، بل عند الله وفيها أجر وتكون صدقة للذي بذلها.
فلو أنني أخبرته، وقلت: إنني دفعت عنك زكاة، فقال: جزاك الله خيراً، وأنا مجيز لك هذا التصرف، فالمذهب لا يجزئ؛ لعدم وجود النية حين الدفع، والصحيح جواز ذلك، والدليل على ذلك حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ في قصة حفظه التمر، وهو وكيل للرسول صلّى الله عليه وسلّم على صدقة الفطر يحفظها.


فصل 


- والكفالة التزام جائز التصرف إحضار بدن من عليه الحق، وإن شئت فقل: إحضار من يصح ضمانه؛ حتى تدخل الأعيان المضمونة كالعواري على القول بأنها مضمونة بكل حال، والمغصوب، وعهدة المبيع، وضمان التعدي في الأمانات.
وبهذا التعريف نعرف الفرق بينها وبين الضمان، فالضمان أن يلتزم إحضار الدين، وهذا إحضار البدن، فإذا أحضر الكافل المكفول وسلمه لصاحب الحق برئ منه، سواء أوفاه أو لم يوفه، وهذا فرق واضح وحينئذٍ تكون الكفالة أدنى توثقة من الضمان؛ لأن الضمان يضمن الدين، وهذا يضمن من عليه الدين، فإذا أحضره برئ منه، وإذا مات المكفول برئ، وإذا مات في الضمان لا يبرأ.
ولكن لو كان العرف عند الناس أن الكفالة بمعنى الضمان، فهل يحمل المعنى على العرف أو على الشرع؟
الجواب: على العرف؛ لأن هذه معاملات يجري الناس فيها على أعرافهم، فعندنا الآن عرف متبع، إذا قال: أنا أكفل فلاناً، يريدون بذلك أن يضمن ما عليه من الدين.
لكن بدؤوا الآن يعرفون بعض الشيء، فصار إذا قال: أنا أكفله، إن أضاف إليها كفالةَ غُرمٍ صار ضامناً، وإن أطلق فهي كفالة بدن، فيُعمل بالعُرف سواء في هذا أو هذا.


- والعين المضمونة هي التي تضمن بكل حال سواء بتفريط أو بغير تفريط.
مثاله: المسروق عند السارق عين مضمونة، والمغصوب عند الغاصب عين مضمونة، المبيع بكيل أو وزن أو ما أشبه ذلك قبل قبضه هذا ـ أيضاً ـ من الأعيان المضمونة على البائع، فكل عين تضمن بكل حال فإنها تصح الكفالة ببدن من هي عنده.
أما بالنسبة للعارية فعلى ما جرى عليه المؤلف فهي عين مضمونة تصح كفالة من هي عنده، وأما على القول الصحيح فليست من الأعيان المضمونة؛ بل هي أمانة وإذا وجد فيها تلفاً، نظرنا هل يضمن أو لا يضمن؟.

- إذا مات المضمون لم يبرأ الضامن، أما الكفالة فإذا مات المكفول برئ الكفيل.

الجمعة، 15 سبتمبر 2017

مختارات من الشرح الممتع ، باب الرهن

- الصحيح أنه يصح توثيق الدين بالمنافع أو بالدين.

- وعقود التوثقة ثلاثة أشياء: الشهادة والرهن والضمان ومنه الكفالة أيضاً. وكلها في القرآن.

- وإذا قال: رهنتك ما في بطن هذه الشاة فلا يجوز؛ لأنه لا يجوز بيعها، والصحيح أنه يصح رهنها؛ لأن الرهن ليس عقد معاوضة حتى نقول: لا بد من تحريره وعلمه، فهذا الحمل الذي في البطن لا يخلو من أربع حالات: إما أنه أكثر من قيمة الدين أو يكون أقل أو يكون مساوياً أو يموت، فإذا مات أو خرج معيباً بحيث لا يساوي قيمة الدين فلم يَضِع الحق، وغاية ما هنالك أن الوثيقة التي كان يؤمل عليها نقصت أو عدمت ولكن حقه باق، فإذا خرج الحمل أكثر من الحق فقد زاد على الحق، ويجوز أن أرهن عيناً أكثر من الدين، فما دامت المسألة توثقة فقط والحق باق لن يضيع، فالصحيح أنه جائز، والرسول صلّى الله عليه وسلّم إنما نهى عن بيع الغرر ، وفرق بين البيع الذي يقصد فيه التحري في مقابلة العوض بالعوض، وبين شيء لا يقصد منه إلا التوثقة، إن حصلت فهي كمال وإن لم تحصل فالحق باق.

- فالصواب: أن الرهن جائز مع الحق وقبل الحق وبعد الحق.

- والصحيح أنه يصح أن يؤخذ رهن بالأعيان؛ لأن ذلك عقد جائز لا يتضمن شيئاً محظوراً، وليس فيه ضرر، وليس هذا كالتأمين؛ لأن التأمين يدفع المؤمِّن الدراهم على كل حال سواء حصل النقص أم لم يحصل، أما هذا فهو رهنه هذا الشيء، فإن حصل على السيارة تَلَفٌ أخذه من الرهن، وإن لم يحصل تلف فالرهن لصاحبه وكذلك الكتاب.

- قوله: «بدين ثابت» هذا متعلق بقوله: «يصح» أي: لا بد أن يكون الرهن بدين ثابت على الراهن، فالراهن هو الذي يبذل الرهن وهو الذي عليه الدين، فلا بد أن يكون دينه ثابتاً ـ أي: الدين الذي عليه ـ فإن كان غير ثابت كدين الكتابة ـ مثلاً ـ، فإنه ليس ثابتاً على المكاتب؛ إذ في إمكان المكاتب أن يُعجز نفسه، فلا يصح الرهن به، وكذلك الدين الذي على العاقلة، فإذا جاء أحد إلى عاقلة شخص قاتل خطأً، وقال: أعطوني الدية، فقالوا: الدية مؤجلة، فقال: أعطوني بها رهناً، فإن الرهن هنا لا يصح؛ لأن الدية ليست ديناً ثابتاً، إذ أنها لا تجب على العاقلة إلا إذا كانوا أغنياء في وقت الدفع، فلا يصح الرهن بها؛ وذلك لأن الرهن عقد لازم، والدين غير الثابت ليس بلازم، ولا يمكن أن يوثق غير الثابت بالثابت، فلذلك قالوا: لا يصح أن يرهن إلا بدين ثابت.
والقول الراجح أنه يصح الرهن بالدين غير الثابت، ويكون الرهن تبعاً للدين، إن استقر الدين وثبت، ثبت الرهن واستقر، وإلا فلا؛ لأن الرهن فرع عن الدين، فإذا كان الدين غير ثابت، صار الرهن كذلك غير ثابت حتى يثبت الدين.

- والدليل على جواز بيع المشاع قول جابر ـ رضي الله عنه ـ «قضى النبي صلّى الله عليه وسلّم بالشفعة في كل ما لم يُقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة»، فهذا يدل على جواز بيع المشاع، فإذا كان بيع المشاع جائزاً كان رهنه جائزاً؛ لأنه إذا حل أجل الدين ولم يوف بيع، وبيع المشاع جائز، إذاً يصح رهن المشاع.

- (ويَجُوزُ رَهْنُ المَبِيعِ غَيْرِ المَكِيلِ وَالمَوْزُونِ عَلَى ثَمَنِهِ وَغَيْرِهِ) مثال ذلك: باعه كتاباً بعشرة دراهم لمدة ستة أشهر بشرط أن يرهنه نفس الكتاب، فهذا رهن المبيع على ثمنه، وهو رهن مع الحق.
وقوله: «وغيره» أي: كما لو كان عند المشتري له دين سابق فقال: سأبيعك هذا الشيء وأرهنه بدينك السابق، فهذا جائز وهو رهن بعد الحق.
ويجوز رهنه على ثمنه وغيره جميعاً، فمثلاً باعه كتاباً بعشرة دراهم ثمناً مؤجلاً، وعليه من قبل عشرة دراهم، فقال البائع: أرهني هذا الكتاب على ثمنه وعلى الدين السابق فهذا يجوز.
وقوله: «غير المكيل والموزون» المكيل والموزون لا يجوز رهنه على ثمنه، ولا على غيره، وهذا إنما يستثنى فيما إذا رهنه قبل القبض؛ لأن المكيل والموزون لا يجوز بيعهما إلا بعد القبض، أي: لو بعت عليك مائة صاع بر بمائتي ريال، وقلتُ: أنا سوف أرهن المائة صاع حتى تعطيني مائتي الريال، فالمؤلف يقول لا يجوز؛ لأن ما لا يصح بيعه لا يصح رهنه، والمكيل قبل أن يقبض لا يجوز بيعه، فلا يجوز رهنه، هذا وجه العلة، ومثل ذلك المعدود والمذروع؛ لأنه لا يجوز التصرف في المعدود حتى يعده، فكل ما لا يجوز بيعه لا يجوز رهنه.
إذاً كل مبيع يرهنه الإنسان على ثمنه، إن كان بعد القبض فلا بأس به مطلقاً بدون تفصيل، وإن كان قبل القبض نظرت فإن كان يصح بيعه قبل قبضه جاز رهنه وإلا فلا؛ لأن الرهن فرع للبيع وهذا هو المذهب.
والصحيح الجواز؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم إنما نهى عن بيع المبيع قبل قبضه على غير بائعه؛ والحكمة من ذلك لئلا يربح فيما لم يدخل في ضمانه، ولئلا يربح ربحاً يغار منه البائع ويحاول فسخ البيع، أما إذا رهنه على البائع وهو مكيل أو موزون، فالصحيح أنه جائز، وأنه لو قال البائع الذي باع عليه مائة صاع بمائتي ريال: أنا لا أسلمك الأصواع إلا أن تأتيني بالثمن، أريد أن تكون عندي رهناً، فالقول الراجح أنه جائز؛ وذلك لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم إنما نهى عن بيع المكيل والموزون قبل قبضه على غير بائعه، وهذا رهن على بائعه، فإذا حلَّ الأجل، وكان الدين مؤجلاً ولم يوفِ، باعه البائع واستوفى حقه.

- مسألة: رهن الثمرة قبل خروجها، والزرع قبل زرعه لا يصح، يؤخذ من قوله: «إلا الثمرة والزرع» ، وقبل الخروج الثمرة معدومة، والرهن توثقة دين بعين، وهنا لا عين،لكن عمل الناس على خلاف ذلك فيرهنون ذلك باعتبار المآل.

- (وَلاَ يَلْزَمُ الرَّهْنُ إِلاَّ بِالقَبْضِ) فالصواب أنه يلزم بمجرد العقد، وأن القبض من التمام ،لأننا متفقون على أن الرهن يثبت بالعقد، وهو الذي عليه عمل الناس من قديم الزمان ـ وهو خلاف المذهب ـ فتجد الفلاح يستدين من الشخص ويرهن مزرعته وهو باقٍ في المزرعة، ويستدين صاحب السيارة من شخص ويرهن السيارة والسيارة بيد صاحبها، وكلٌ يعرف أن هذا المرهون لا يمكن أن يتصرف فيه الراهن، وأن الرهن لازم، ولا يملك الراهن أن يفسخه.

- (وَلاَ يَنْفُذُ تَصَرُّفُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيهِ بغَيْرِ إِذْنِ الآخَرِ) أما الراهن؛ فلأن الرهن مشغول بحق غيره، وأما المرتهن فلأنه ليس مالكاً ولا قائماً مقام المالك.

- (إلا عتق الراهن .. مكانه) الصواب أن عتقه حرام ولا يصح، وأما قولهم : (قوة سريانه) فنقول : مالم يبطل به حق الغير.

- وكل مال حصل بإذن من المالك، أو إذن من الشارع فهو بيد صاحبه أمانة، بإذن من المالك كالوكيل، وإذنٍ من الشارع مثل ولي اليتيم، وضد ذلك الغاصب فإن المال بيده ليس أمانة ولهذا يضمنه مطلقاً.

- قوله: «وتجوز الزيادة فيه دون دينه» مثاله: رجل استدان من شخص خمسين ألفاً، وقال له: لك البيت رهناً، ثم إن المدين احتاج زيادة مال فجاء إلى المرتهن وقال: أقرضني، قال: أعطني رهناً، قال: الرهن الأول، فالدين الأخير يتبع الرهن الأول، يقول المؤلف: إن هذا لا يجوز؛ لأن الرهن مشغول بالدراهم الأولى.
والصواب: الجواز، وأنه لا بأس بزيادة الدين؛ لأنه برضا الطرفين وفيه مصلحة للراهن، وقولهم: إن المشغول لا يشغل، فصحيح إذا كان الشاغل أجنبياً، أما إذا كان الشاغل هو الشاغل الأول ورضي بذلك فما المانع؟! ولهذا عمل الناس على جواز الزيادة في الدين، أي: خلاف المذهب، فيأتي الفلاح عندنا ويستدين من التاجر ويقول: أرهنك الفلاحة بهذا الدين، ثم يستدين منه مرة ثانية، ويقول: هذا الدين داخل في الرهن الأول، والقضاة يحكمون بصحة ذلك.


فصل


- قوله: «في البيع لم يبع إلا بنقد البلد» والصحيح أنه يبيعه أولاً بجنس الدين ثم بنقد البلد.

- وَإِنِ ادَّعَى دَفْعَ الثَّمَنِ إِلى المُرْتَهِنِ فَأنْكَرَهُ وَلاَ بَيِّنَةَ وَلَمْ يَكُنْ بِحُضُورِ الرَّاهِنِ فهنا يضمن العدل؛ لأنه فرط بعدم إشهاده،والخلاصة: أن العدل إذا أوفى المرتهن بدون بينة، ولا حضور الراهن وأنكر المرتهن فعليه الضمان.

- وَإِنْ شَرَطَ ألاَّ يَبِيعَهُ إِذَا حَلَّ الدَّيْنُ، أوْ إِن جَاءَهُ بِحَقِّهِ فِي وَقْتِ كَذَا، وَإِلاَّ فَالرَّهْنُ لَهُ لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ وَحْدَهُ والدليل قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا يَغْلَقُ الرهن من صاحبه»الصحيح أنه يصح وأما التعليل بأن البيع المعلق لا يصح فيحتاج إلى دليلغَلْقُ الرهن من صاحبه، أنه إذا حل الدين ولم يأت به أخذه المرتهن قهراً، سواء يساوي الدين أو أكثر أو أقل، هذا الذي يقال: إنه غلق من صاحبه، وكانوا في الجاهلية إذا رهنوا الشيء وحل الأجل ولم يوفوا امتلكه المرتهن، وأخذه ملكاً له، رضي الراهن أم لم يرض، فهذا لا شك أنه إغلاق للرهن، وتَمَلُّكٌ له بغير حق، وأما إذا كان باختيار صاحبه فإنه لم يغلق عليه أحد.

- (وَيُقْبَلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ فِي قَدْرِ الدَّيْنِ والرهن ورده) والصواب في ذلك التفصيل وأن القول قول من يشهد العرف له؛ لأن الظاهر إذا قوي غُلِّب على الأصل، فإذا وجدت قرينة قوية تدل على رجحان من ادعى الظاهر غلب على الأصل كما سبق.

- (ورده) وعلى هذا فنقول: إذا ادعى المرتهن أنه رد الرهن إلى الراهن فإننا لا نقبل قوله، فالقول قول الراهن.
وليعلم أن من كان القول قوله فلا بد من اليمين؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «اليمين على من أنكر».

- قاعدة: «أن من قبض الشيء لحظ نفسه كالمستعير لم يُقبل قوله في الرد، ومن قبضه لحظ مالكه كالمودَع قُبل قوله في الرد، ومن قبضه لحظهما جميعاً مثل الرهن والعين المؤجرة لم يقبل قوله في الرد، كمن قبض الشيء لحظ نفسه؛ تغليباً لجانب الحماية، وعلى هذا فلا يقبل قول المستأجر في رد العين المؤجرة إلا ببينة.
أما في التلف فكل من كانت بيده العين بإذن من مالكها أو من الشرع فقوله في التلف مقبول، إلا إذا ادعى التلف بسبب ظاهر، فإنه يلزم بإقامة البينة على هذا الظاهر، ثم يقبل قوله في أن هذا المال تلف من جملة ما تلف.

- (وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ مُلْكُ غَيْرِهِ، أَوْ أَنَّهُ جَنَى قُبِلَ عَلَى نَفْسِهِ وَحُكِمَ بِإقْرَارِه بَعْدَ فَكِّهِ) لأن حق المرتهن سابق على هذا الإقرار.


فصل


- وَلِلْمُرتَهِنِ أَنْ يَرْكَبَ مَا يُرْكَبُ وَيَحْلِبَ مَا يُحْلَبُ بِقَدْرِ نَفَقَتِهِ فيقال ـ مثلاً ـ: هذا البعير الذي يركبه المرتهن لو استأجره لمدة عشرة أيام لكانت الأجرة مائة، والنفقة قدرها مائة، حينئذٍ تساوت النفقة والأجرة، فلا شيء له وليس عليه شيء؛ لأنه ركب بقدر النفقة.
فإذا كانت أجرته أكثر من النفقة، فلا بد أن يدفع ما زاد على النفقة، فإذا قدرنا أن نفقته خمسون، وأن أجرته مائة، فعليه أن يدفع خمسين؛ لأنه لو لم يفعل لكان ظالماً للراهن، وإذا كان دينه قرضاً صار دينه قرضاً جر نفعاً.

- الأصل في مال الغير أنه محترم لا يجوز الانتفاع به.

- والمتبرع لا يرجع في تبرعه؛ لأن رجوعه في تبرعه رجوع في الهبة وهو حرام.

- وكل من أنقذ مال غيره من هلكة فله الرجوع بمثل عمله.

- (وَلَو لَمْ يَسْتَأذِن الحَاكِمَ) والصحيح ما ذهب إليه المؤلف أنه لا يحتاج إلى إذن الحاكم.

- قوله: «ولو خرب الرهن فعمَّره بلا إذن رجع بآلته فقط» والآلة عندهم أي: مادة الشيء، يعني مواد البناء، أي: بما جعل فيه فقط، كاللَّبِن والحديد والأبواب وما أشبهها، فيرجع بهذه فقط دون أجرة العمال، والماء، وما أشبه ذلك، والفرق بين هذا وبين الحيوان، أن الحيوان يحتاج إلى نفقة أما هذا فلا.

الأحد، 27 أغسطس 2017

فوائد من من قرة العين في تراجم رجال الصحيحين للشيخ الأثيوبي وفقه الله تعالى

لايوجد ممن اسمه أبي واتفق على الإخراج له أصحاب الكتب الستة إلا أبي بن كعب رضي الله عنه.
وكذلك في اسم بلال وحذيفة والحسين وحكيم، لا يوجد إلا شخص واحد وكلهم صحابة بلال بن رباح وحذيفة بن اليمان والحسين بن علي وحكيم بن حزام رضي الله عنهم.
وكذلك في اسم خباب وخبيب لا يوجد إلا الصحابيان المشهوران وفي اسم خالد لا يوجد إلا خالد بن زيد (أبو أيوب الأنصاري) رضي الله عنهم.
وكذلك في سلمان (الفارسي فقط) وصهيب وشداد (ابن أوس فقط). رضي الله عنهم.
ممن اسمه سفيان لا يوجد إلا الثوري وابن عيينة.
وممن اسمه إسرائيل واحد فقط وهو حفيد السبيعي.
وفي عروة لم يجتمعوا إلا في عروة ابن الجعد الصحابي وكذلك في العلاء للصحابي ابن الحضرمي رضي الله عنهم جميعا.
ولم يخرج الجماعة لأحد اسمه كعب إلا للصحابيين ابن مالك وابن عجرة رضي الله عنهما.
وكذلك ممن اسمه النعمان للصحابيين ابن مقرن وابن بشير رضي الله عنهما.
كل أمهات المؤمنين أخرج لهن الجماعة عدا : خديجة وزينب بنت خزيمة وسودة رضي الله عنهن جميعا .
في تفاريق الأسماء ونحوها :
لم يتفقوا في الإخراج لمن اسمه المقداد إلا للمقداد بن عمرو الذي شهد بدرا، رضي الله عنه.
وممن اسمه معيقيب إلا للصحابي البدري رضي الله عنه.
لم يتفقوا في الإخراج لمن اسمه قتادة إلا لأشهرهم وهو قتادة بن دعامة رحمه الله،
ومثله في : مجاهد ، ومعمر ، ومنصور بن المعتمر ، ومسروق ، ومسع ، والمعتمر بن سليمان ، وهشيم ، رحمهم الله تعالى وجمعنا بهم في مستقر رحمته.

منقول بتصرف قرة العين في تراجم رجال الصحيحين للشيخ الأثيوبي وفقه الله .

مختارات من الشرح الممتع ، باب القرض

- فقولنا : «يرد بدله» خرج بذلك العارية.

- وهو عقد إرفاق ، وهو أيضا من عقود التبرعات ، ولهذا جاز القرض مع أن صورته صورة ربا.

- وربما يكون القرض أحياناً أكثر ثواباً من الصدقة؛ لأنه لا يستقرض إلا محتاج في الغالب، والصدقة أفضل من جهة أنها لا تشغل الذمة، فإذا أعطيته لم يكن في ذمته شيء.

- ويجب القرض أحياناً فيما إذا كان المقترض مضطراً لا تندفع ضرورته إلا بالقرض، ولكن لا يجب إلا على من كان قادراً عليه من غير ضرر عليه في مؤونته ولا مؤونة عياله.

- وأما بالنسبة للمستقرض فإنه مباح، ولا يقال: إنه من المسألة المذمومة، وقد ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه استقرض وظاهر كلام الفقهاء أنه مباح مطلقاً، وينبغي أن يقال: إنه مباح لمن له وفاء، وأما من ليس له وفاء فإن أقل أحواله الكراهة، ولهذا لم يرشد النبي صلّى الله عليه وسلّم الرجل الذي أراد أن يتزوج وقال: «ليس عندي شيء» إلى أن يقترض، بل زوجه بما معه من القرآن.

- والصحيح: أنه إذا أجله ورضي المُقْرِض فإنه يثبت الأجل، ويكون لازماً، ولا يحل للمقرض أن يطالب المستقرض حتى يحل الأجل.وهو اختيار شيخ الإسلام.

- قوله: «فإن رده المقترض لزم قَبوله» لكن بشرط ألا يتغير، وألا يكون متقوماً، والصحيح : أنه إذا رده المقترض فإنه لا يلزم المقرض قبوله، لكن لو قبله فلا بأس؛ لأن الحق له، ولا فرق بين أن يكون مثليّاً أو متقوماً، فإنه لا يلزم القبول على القول الراجح.

- الفلوس : هي كل نقد من غير الذهب والفضة.

- ومع هذا قال العلماء: يحرم على السلطان أن يحرم السكة الجارية بين الناس؛ لما في ذلك من الضرر العظيم؛ لأنه إذا حرمها صارَت سلعة من السلع، ولم تكن نقداً، وهذا قد يضر بالمسلمين، ولهذا يحرم على الإمام أن يفعل ذلك، لكن ربما تدعو الحاجة إلى هذا بحيث يدخلها الغش والتلفيق وما أشبه ذلك، فيرى السلطان أن من المصلحة أن يُحرم التعامل بها.

- فهل له القيمة وقت القرض، أو وقت الوفاء، أو وقت المنع؟
المذهب : وقت القرض ، الأقرب : وقت المنع لأنه ثابت في ذمته إلى أن منعت.

- والمثلي على كلام الأصحاب ـ رحمهم الله ـ (كل مكيل أو موزون يصح السلم فيه، وليس فيه صناعة مباحة) .
فقولنا: (كل مكيل أو موزون) خرج به ما سواهما كالمعدود، والمذروع، والحيوان، والثياب، وهلمّ جرّاً.
وقولنا: (يصح السلم فيه) فإن كان لا يصح السلم فيه كالغالية والمعاجين وما أشبه ذلك، فإنه ليس مثليّاً بل هو متقوّم.
وقولنا: (ليس فيه صناعة مباحة) فالحديد موزون، فإذا صنع أواني خرج عن كونه موزوناً؛ لأن فيه صناعة مباحة، والذهب موزون فإذا صُنع أواني، فالصناعة هنا غير مباحة، فيبقى موزوناً.
الصحيح لا، فالمثلي ما كان له مثيل مقارب، وليس بلازم أن يكون مطابقاً، ، ولهذا استسلف النبي صلّى الله عليه وسلّم بَكْراً ورد خياراً رباعيّاً ، فجعله مثليًّا، ولما جاء غلام إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو عند إحدى نسائه بطعام، ضربت المرأة ـ التي كان النبي صلّى الله عليه وسلّم في بيتها ـ يد الغلام حتى سقط الطعام وانكسرت الصحفة، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إناء بإناء وطعام بطعام» ، وأخذ طعام التي كان عندها وصحفتها وردهما مع الغلام، فهنا ضمن الإناء بالمثل مع أن فيه صناعة، فجعله النبي صلّى الله عليه وسلّم مثليّاً، ولا شك أن هذا القول هو الأقرب، وعلى هذا فإذا استقرض بعيراً ثبت في ذمته بعير مثله، وإذا استقرض إناء ثبت في ذمته إناء مثله، وهذا أقرب من القيمة.
إذاً خالفنا المؤلف في هذه المسألة في معنى المثل، لكننا نتفق معه في أنه يرد المثل في المثليات والقيمة في غيرها.

- (فَإِنْ أعْوَزَ المِثْلُ فَالقِيْمَةُ إذاً) : يكون الإعواز بأحد ثلاثة : العدم، الغلاء الفاحش، البعد الشاق.

- (ويحرم كل شرط جر نفعا) : لأنه يشتمل على ربا الفضل وربا النسيئة ..  قال العلماء: كل قرض جر منفعة بشرط فهو ربا، وقد ورد «كل قرض جر منفعة فهو ربا» ، لكنه حديث ضعيف أما معناهُ فصحيح.
وعُلِم من قول المؤلف: «كل شرط جر نفعاً» أنه لو لم يكن شرط فإنه لا يحرم، أي : لو جر منفعة للمقرض بدون شرط فإنه ليس حراماً.

- وعُلم من قول المؤلف: «أو أعطاه أجود» أنه لو أعطاه أكثر بلا شرط فإنه على المذهب لا يجوز، والفرق أن الأجود في الصفة، والأكثر في الكمية، فلا يجوز.
والصحيح أنه جائز بشرط ألا يكون مشروطاً.

-  (فَطَالَبَهُ بِهَا بِبَلَدٍ آخَرَ لَزِمَتْهُ ) : بخلاف ما سبق في باب السلم فيكون الوفاء في موضع العقد، والفرق بينهما أن السلم من باب المعاوضات، وهذا من باب الإحسان.

الثلاثاء، 6 يونيو 2017

مختارات من الشرح الممتع ، باب السلم

- وقد استدل ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ بهذه الآية على جوازه ؛ لأن قوله: {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ} يعم ما إذا كان الدين هو الثمن أو المثمن، فإن كان الدين هو المثمن فهذا هو السلم.

- وجواز السلم هو القياس الصحيح الموافق للأصول خلافاً لمن قال: إن السلم على خلاف الأصول؛ لأنه بيع معدوم والواقع أنه ليس بيع معدوم في الحقيقة؛ لأنه بيع موصوف في الذمة.

- والعقود فيها من هذه الجهة أربعة أنواع: 


 حالّ بحالٍّ، ومؤجّل بمؤجلٍ، ومؤجّل ثمنه معجّل مثمنه، ومعجّل ثمنه مؤجّل مثمنه. 

 الأول: الحال بالحال كأن تقول: اشتريت منك هذا الكتاب بعشرة ريالات، هذا حال بحال ولا إشكال فيه.

الثاني: المؤجل بمؤجل أن تقول اشتريت منك كتاباً صفته كذا وكذا تسلمنيه بعد سنة بعشرة ريالات مؤجلة إلى ستة أشهر، وهذا لا يصح؛ لأنه بيع كالئ بكالئ أي مؤخر بمؤخر.

الثالث: أن يعجل الثمن ويؤخر المثمن وهذا هو السلم.

الرابع: أن يعجل المثمن ويؤخر الثمن وهذا كثير في المعاملات.

ذكرنا الصورة الثانية: أن يكون كل من الثمن والمثمن مؤجلاً، وقلنا: هذا لا يصح، وهذا يقع كثيراً بين الناس اليوم، لكنهم لا يعلمون عن حكمه، فيشتري منه الشيء مؤجلاً ـ مثلاً ـ إلى سنة ثم يعطيه شيكاً مؤجلاً لمدة ستة أشهر، يعني لا يقبضه إلا بعد ستة أشهر.

فالثمن مؤجل والمثمن مؤجل، فهذا لا يصح؛ لأن كلًّا منهما مؤجل ولا بد أن يكون أحدهما أو كلاهما مقبوضاً، أما مع تأجيلهما فلا يصح.

فإن تأخر القبض بدون تأجيل، مثل أن يقول: اشتريت منك مائة صاع بر بمائة ريال ولم يسلمه، على أن يأتي به العصر أو الغد أو بعد غد لكن الثمن غير مؤجل هل يصح أم لا؟

المذهب: لا يصح، قالوا: لأن هذا بيع دَين بدين، إذ أنه ليس واحد منهما معيناً، لا عُيّن الثمن، ولا عُين المثمن.
ولكن الصحيح أن هذا صحيح، والمحظور أن يكون كل منهما مؤجلاً، أما إن لم يكن فيه تأجيل فإنه لا يشترط القبض، إلا شيئاً واحداً لا بد فيه من القبض، وهو بيع الربوي بجنسه.


 - (بمجلس العقد ) فإن قبضه بعد التفرق فلا يصح.

- (انضباط صفاته) لئلا يؤدي إلى الغرر .

- وعُلمَ من قوله: «والحامل من الحيوان» أنه يصح السلم في الحيوان؛ لأنه يمكن انضباط صفاته، ولهذا أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ: «أن يأخذ على إبل الصدقة البعير بالبعيرين والبعيرين بالثلاثة»، وهذا عكس السلم، لكن يدل على جواز البيع بالصفة بالنسبة للحيوان.

- قوله: «ويصح في الحيوان» هذا مطلق، فيشمل أي حيوان من إبل أو بقر أو غنم أو حُمُر أو ظباء أو أرانب، والدليل أن النبي صلّى الله عليه وسلّم استسلف من رجل بَكراً ، وكان عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ قد أمره النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يجهز جيشاً فنفدت الإبل، فأمره أن يأخذ على إبل الصدقة البعير بالبعيرين والبعيرين بالثلاثة ، فهذا دليل على جواز السلم في الحيوان، لكن لا بد من ضبطه، فيقال: ثني أو رباع أو جذع، سمين، ضعيف، متوسط، فلا بد أن يضبط، بكل وصف يختلف به الثمن.

- والصواب: أنه لا يشترط ذكر الجنس؛ لأن ذكر النوع كاف، إذ أن مَنْ ذكر النوع فقد ذكر الجنس؛ لأن النوع أخص، والأخص يدخل في الأعم، فلا حاجة من ذكر الأعم، وهذا القول هو الراجح، بل هو ظاهر المذهب؛ لأن صاحب المنتهى ـ وهو العمدة في مذهب الإمام أحمد عند المتأخرين ـ لم يذكر ذكر الجنس.

- يصح شرط الأردأ دون الأجود بأن يشترطه المسلم إليه.

- الثالث : أسلم إليه في تمر سكري وجاء إليه ببر، فلا يجوز القبول، حتى لو رضي؛ والسبب قالوا: إنه إذا أخذ عنه بدلاً من غير الجنس صار ذلك بيعاً، وبيع المسلم فيه لا يصح قبل قبضه وهذا على قاعدة المذهب.
 وأما القسم الثالث: فنرى ـ أيضاً ـ أنه إذا جاءه بشيء من غير جنسه ورضي الآخر فإنه لا بأس به، مثل أن يقول: هذه مائة صاع من البر بمائة صاع تمر سكري ورضي المسلم إليه، فنرى أنه لا بأس بهذا؛ لأن البر والتمر ليس بينهما ربا فضل، وهنا إذا أحضره هو وسلمه إياه انتفى ربا النسيئة، فأي محظور في هذا؟ فليس فيه ربا ولا ظلم ولا غرر.


- «وإن أسلم في المكيل وزناً، أو في الموزون كيلاً لم يصح» والصواب: أنه يصح أن يسلم في المكيل وزناً، وفي الموزون كيلاً.

- السلم فالمقصود انضباط الصفات والقدر، وهذا يحصل فيما إذا أسلم في المكيل وزناً أو في الموزون كيلاً.

- «ولا إلى الحصاد والجذاذ» الصواب يصح . وأما اشتراط أن يكون له وقع في الثمن، فليس في الحديث ما يدل عليه، ففي الحديث: «إلى أجل معلوم»، وليس فيه قيد أن يكون له وقع في الثمن؛ ولذلك لم يشترطه كثير من الفقهاء، وقد تبين أن اشتراط أن يكون له وقع في الثمن مبني على تعليل، والتعليل ينظر فيه هل يكون صحيحاً فيقبل أو غير صحيح فلا يقبل؟ فمن نظر إلى ظاهر الحديث قال: هذا لا دليل عليه، ومن نظر إلى العلة التي من أجلها شرع السلم، قال: هذا الاشتراط لا بد منه؛ لأنه إذا كان من الصباح إلى المساء والأسعار لا تختلف في هذه المدة القصيرة فلا فائدة من السلم، فهو في الحقيقة كالذي ليس له أجل، وعلى كل حال فمثل هذه المسائل إذا لم يتبين فيها الدليل من الجانبين، فهل نراعي الأحوط أو نأخذ بالرخصة؟ قد يقال إن مراعاة الأحوط أحسن لا سيما إذا كان هذا الأحوط هو الذي يكون فيه الحكم إذا رفعت القضية إلى المحكمة؛ لأنك إذا صححت هذا الشيء، والحكم المشهور بين الناس خلاف ما صححت يؤدي إلى مفاسد في المستقبل، هذه المفاسد قد تعود عليك أنت وقد تعود على غيرك، فإذا كنت لست ذا ثقة بين الناس فإنه يعود عليك أنت، يقال: هذا رجل لا يعرِف ولهذا أبطلت المحكمة ما أفتى به، وإذا كنت ذا قيمة صارت المضرة على المحكمة، واتهم القاضي بالقصور في العلم، أو بالميل إلى أحد المتخاصمين.

- ولكن شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ اختار جواز السلم الحال وهو مذهب الشافعي ـ رحمه الله ـ؛ لأنه إذا لم يصح أن يكون سلماً صار بيعاً، ومتى أمكن تصحيح العقود فإنه يجب.

 - ( أن يسلم في الذمة فلا يصح في عين) بل إنه يصح أن يسلم في عين، وتبقى هذه العين عند المسلم إليه حتى يحل أجلها؛ والأصل الصحة .

- فإن قال قائل: إذاً هل يجوز بيع المسلم فيه قبل قبضه؟
فالجواب: نعم يجوز بيعه على المسلم إليه، وعند شيخ الإسلام يجوز بيعه حتى على أجنبي، لكن فيه نظر؛ لأنه حقيقة إذا بعته على غير من هو عليه قد يتعذر عليه أخذه، ثم إذا بعته على غير من هو عليه بما يباع نسيئة معناه ما قبضه، فالتوسع غير ظاهر لي جداً، وشيخ الإسلام يجوز بيع الدين على غير من هو عليه، ولكنه يشترط القدرة على أخذه، لكن إن باعه على المسلم إليه فإنه يشترط ثلاثة شروط:
الأول: ألا يربح، بأن يبيعه بسعر يومه؛ لأنه لو باعه بأكثر من سعر يومه لربح فيما لم يضمن، وقد نهى النبي صلّى الله عليه وسلّم عن ربح ما لم يضمن ، فمثلاً أسلم في مائة صاع بُر حلَّت وقيمتها عند الوفاء مائتا درهم فقط، فقال: أبيعها عليك بمائتين وخمسين درهماً، لا يجوز؛ لأنه ربح في هذا البر قبل أن يدخل في ضمانه؛ لأنه لم يملكه ولم يقبضه، فيكون قد ربح فيما لم يضمن، ولحديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ وفيه: «لا بأس أن تأخذها بسعر يومها» ، حتى لا يربح فيما لم يضمن، فإن كانت مائة الصاع تساوي مائتي درهم وباعها عليه بمائة وخمسين يجوز؛ لأنه إذا جاز بسعر يومها فبما دونه من باب أولى، ولأننا عللنا منع الزيادة بألا يربح فيما لم يضمن، وهذا لم يربح بل خسر، والمراد بقوله «بسعر يومها» ألا تزيد، فإن نقصت فقد فَعَلْتَ خيراً.
الشرط الثاني: أن يحصل التقابض قبل التفرق فيما إذا باعه بشيء يجري فيه ربا النسيئة، مثاله: أن يبيع البر بشعير، مائة صاع بر بمائتي صاع شعير، فهذا جائز بشرط التقابض قبل التفرق؛ لأن بيع البر بالشعير يشترط فيه التقابض قبل التفرق، ولحديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ: «لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تتفرقا وبينكما شيء» لأنه يبيع دراهم بدنانير أو دنانير بدراهم، وبيع الدراهم بالدنانير يشترط فيه التقابض قبل التفرق.
الشرط الثالث: ألا يجعله ثمناً لسلم آخر؛ لأنه إذا جعله ثمناً لسلم آخر فإن الغالب أن يربح فيه، وحينئذ يكون ربح فيما لم يضمن.


- فالقول الصحيح أنه يجوز هبة المسلم فيه، سواء وهبته للمسلم إليه أو لآخر.

- قوله: «ولا الحوالة به» مثل أن يقول المسلم إليه للمسلم: أحلتك بدينك على فلان؛ لأني أطلبه.


- قوله: «ولا عليه» أي: الحوالة عليه، وذلك بأن يكون المسلم في ذمته دين لشخص، فلما جاء يطلبه قال: أحيلك على فلان؛ لأن في ذمته لي مائة صاع بر سلماً، فيقول المؤلف: لا يصح؛ لأن هذا يقتضي صرف المسلم فيه إلى غيره وقد ورد النهي عنه؛ ويعللون بأنه يشترط في الدين المحال عليه أن يكون مستقراً ودين السلم ليس مستقراً؛ لأنه سبق أنه إذا تعذر الوفاء فله الصبر أو الفسخ فنقول: في الواقع إنه مستقر؛ لأن هذا المحال إذا حل الأجل ولم يجد شيئاً فله الصبر أو الفسخ ويرجع بالثمن.
والصواب أنه يصح، فيصح أن يحال به وأن يحال عليه؛ لعموم قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من أحيل بدينه على مليء فليتبع» .

- (ولا أخذ عوضه)  وعليه فإذا أخذ عوضه فلا بأس لكن بالشروط الثلاثة السابقة.

- (ولا يصح الرهن ولا الكفيل به ) لأنه عند تعذر الوفاء يرجع المسلم إلى هذا الرهن، فيكون قد صرف السلم إلى غيره.
فالصواب إذاً جواز أخذ الرهن والكفيل والضمين به، كلها جائزة؛ لأنه ليس فيها محظور ولا ربا ولا ظلم ولا غرر ولا جهالة، وهذه عقود توثقة والأصل في العقود الحل.
 
 



 

الثلاثاء، 23 مايو 2017

مختارات من الشرح الممتع ، باب بيع الأصول والثمار

- أفرد المؤلف ـ رحمه الله ـ بيع الأصول والثمار بباب مستقل لكثرة فروعه، وإلا فهو داخل ضمن باب البيوع.

- الأصول هي الأشياء الثابتة من العقار، أي: الأراضي، والدور، والأشجار.

 
- ( إذا باع أرضا ... المدفونة ) وما ذكره المؤلف ـ رحمه الله ـ ليس له دلالة شرعية، وإنما له دلالة عُرفية، فهذه الأمور في أعرافهم لا تدخل فلا يكون البيع شاملاً لها، لكن لو اختلف العرف، وصار الباب داخلاً في المبيع سواء كان منصوباً أو غير منصوب فهل يدخل؟
الجواب: نعم، وكذلك ـ أيضاً ـ مسألة الرف الذي مثلنا به، فعضائد الرف مسمرة ثابتة، ولكن الخشب الذي يوضع على هذه العضائد غير مسمَّر، جرت العادة والعرف أنه تبع فيدخل.

- فإذا وجد المشتري في هذه الأرض كنزاً فإنه لا يدخل في البيع، بل يكون لصاحبه، إذا كان مكتوباً عليه، أو ما أشبه ذلك، وإن لم يكن مكتوباً عليه فإنه لمن وجده؛ لأنه ليس داخلاً في البيع.

- (وَإِنْ كَانَ فِيهَا زَرْعٌ كَبُرٍّ وشَعِيرٍ فَلِبَائِعٍ مُبَقَّى، وَإِنْ كَانَ يُجَزُّ أَوْ يُلْقَطُ مِرَاراً فَأَصُولُهُ لِلْمُشْتَري، وَالجَزَّةُ وَاللَّقْطَةُ الظَّاهِرتَانِ عِنْدَ البيعِ للبائِعِ، وَإِنِ اشْتَرَطَ المُشْتَرِي ذَلِكَ صَحَّ)
المشار إليه اللقطة الظاهرة والجزة الحاضرة ودليل هذا قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من باع نخلاً بعد أن تؤبر فثمرتها للذي باعها إلا أن يشترط المبتاع».

 - يجوز بيع الحب قبل أن يشتد إذا وقع تبعا للأرض ، كبيع الشاة وفيها لبن أو وهي حامل .


                                                  فصل



- (وَمَنْ بَاعَ نَخْلاً تَشَقَّقَ طَلْعُهُ فَلِبَائِعٍ مُبَقًّى إِلَى الْجَذَاذِ إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَهُ مَشْتَرٍ) تعليق الحكم بالتشقق لا يصح ، والصواب تعليقه بالتأبير ، لحديث «من باع نخلاً بعد أن تؤبر فثمرتها للذي باعها» ، ولأن البائع إذا أبره تعلقت نفسه به .

 
- الأولى للمشتري أن يشترط أن تكون الثمرة المؤبرة أو التي تشقق طلعها له ؛ لأنه يسلم من تردد هذا البائع على الثمرة.

- وهنا مسألة ينبغي لطالب العلم ـ أيضاً ـ أن يفهمها وهي أن الحقوق التي يذكرها الفقهاء ـ رحمهم الله ـ أنها حق للإنسان أو ليست حقّاً هم يذكرونها على سبيل البيان، لكن ينبغي لطالب العلم تربيةً للعالَم أن يقول: الأفضل كذا إذا رأى أن هذا الشرط يبعد عن الخصومة والنزاع، فلا تكن فقيهاً كالقاضي بل كن فقيهاً مربيّاً .


- وقوله: «ولا يباع زرع قبل اشتداد حبه» هذا ما لم يُبع للعلف، فإن بيع للعلف فإنه لا يشترط أن يشتد حبه، بل مجرد ما يبلغ الحصاد يباع ولا حرج في ذلك.

- قوله: «ولا رطبة وبقل ولا قثاء ونحوُه كباذنجان دون الأصل إلا بشرط القطع في الحال» كذلك ـ أيضاً ـ لا تباع الرطبة ـ وهي المعروفة عندنا بالبرسيم أو القَتِّ ـ دون أصله إلا بشرط القطع في الحال؛ لأنه لو بيع دون أصله بدون شرط القطع في الحال، فإنه إذا تأخر ولو يوماً واحداً سوف ينمو، وهذا النماء الذي حصل بعد بيعه يكون للبائع وهو مجهول ، ولكن الصحيح أنه لا يشترط ذلك، إذا كان قطعه في وقت يقطع مثله؛ لأن تأخير الحصاد لمدة يوم أو يومين أو أسبوع عند الناس لا يعتبر جهالة ولا يوجب نزاعاً .
 

 

الأحد، 21 مايو 2017

مختارات من الشرح الممتع ، باب الربا والصرف

- أهل الظاهر قالوا: لا يلحق بها شيء، والربا خاص بهذه الأشياء الستة؛ ولكن الراجح أن الشريعة عموماً لا يمكن أن تفرق بين متماثلين؛ لأن الشريعة محكمة من لدن حكيم خبير، والقياس فيها ثابت، فأي فرق بين بر ببر وأرز بأرز؟ فقد يكون الأرز في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم لم يكن موجوداً فالشارع لا يمكن أن يفرق بين متماثلين، لكننا نحصر العلة على أضيق نطاق لأن الأصل الحل .
 فقال بعض العلماء: العلة الكيل والوزن؛ لأن هذه الأشياء إما مكيلة أو موزونة، فالكيل في الأصناف الأربعة، والوزن في الذهب والفضة، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد، وبناءً على هذا نقول يجري الربا في كل مكيل قياساً على الأصناف الأربعة، وفي كل موزون قياساً على الصنفين الآخرين الذهب والفضة، ولا يجري الربا في غير المكيل والموزون، ولا يشترط أن يكون مطعوماً حتى ولو كان لا يؤكل، وعلى هذا فالإشنان يكال ولا يؤكل فيجري فيه الربا لأنه يكال ، ولو أبدل برتقالة ببرتقالتين فهذا يجوز، إذ ليس مكيلاً ولا موزوناً، ويعتبر من المعدود، والدليل حديث الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر، ولننظر هل الدليل يطابق المدلول أم المدلول أعم؟ ومعلوم أنه إذا كان المدلول أعم فإنه لا يصح الاستدلال؛ لأن الدليل الأخص يخرج ما عدا المخصوص، وإذا كان الدليل أعم واستدللنا به على أخص يجوز؛ لأن الأخص فرد من أفراد العموم، فهذه قاعدة في الاستدلال أنه متى كان الدليل أخص فإنه لا يصح الاستدلال به على الأعم والعكس بالعكس، فالرسول صلّى الله عليه وسلّم عين أشياء ولم يذكر أشياء، فإذا استدللنا بالحديث على كل مكيل أو موزون فقد استدللنا بالأخص على الأعم.
وقال بعض العلماء: العلة الطعم في الأصناف الأربعة، والثمنية في الذهب والفضة، وهذا هو المشهور من مذهب الشافعي، وبناءً على هذا إذا أبدل برتقالة ببرتقالتين فإنه لا يجوز؛ لأنها مطعومة، وأيضاً إذا أبدل طناً من الحديد بطنين من الحديد فهذا يجوز، وعلى القول الأول لا يجوز.
وأقرب شيء أن يقال: إن العلة في الذهب والفضة كونهما ذهباً وفضة، سواء كانا نقدين أو غير نقدين .
، والدليل على أن الربا يجري في الذهب والفضة، وإن كانا غير نقدين، حديث القلادة الذي رواه فضالة بن عبيد ـ رضي الله عنه ـ: «أنه اشترى قلادة فيها ذهب وخرز باثني عشر ديناراً ففصلها فوجد فيها أكثر، فنهى النبي صلّى الله عليه وسلّم أن تباع حتى تفصل» . ومعلوم أن القلادة خرجت عن كونها نقداً، وعلى هذا فيجري الربا في الذهب والفضة مطلقاً سواء كانا نقداً أم تبراً أم حليّاً، على أي حال كانا، ولا يجري الربا في الحديد والرصاص والصفر والماس وغيرها من أنواع المعادن. أما العلة في الأربعة فكونها مكيلة مطعومة.
 فإن قال قائل: سلمنا أنها مطعومة في البر والشعير والتمر، لكن ما القول في الملح؟ أجاب عنه شيخ الإسلام بأن الملح يصلح به الطعام فهو تابع له، ولهذا يقال: «النحو في الكلام كالملح في الطعام»، فالملح من توابع الطعام، وبناءً على هذا التعليل يجري الربا في التوابل التي يصلح بها الطعام؛ لأنها تابعة له.

- وكل شيء حرم فيه ربا الفضل فإنه يحرم فيه ربا النسيئة، لا العكس.

- (ويجب فيه الحلول والقبض) لكن قد تأتي صورة يكون فيها القبض، ولا يكون فيها الحلول، مثل: أن يبيع عليه ذهباً بذهب مؤجلاً لشهر، ويقول: خذ هذا عندك وديعة، وإذا جاء الشهر فاقبضه.

- الكيل تقدير الشيء بالحجم، والوزن تقديره بالثقل والخفة.

- (ولا بعضه ببعض جزافا ) إلا العرايا .

- وكل مائع فهو مكيل كالدهن والزيت .

- لا ربا في الحيوان ما دام حياً، أما إذا ذبح فإنه يكون لحماً فيجري فيه الربا .

- (وَلاَ يَصِحُّ بَيْعُ لَحْمٍ بِحَيَوانٍ مِن جِنْسِهِ، وَيَصِحُّ بِغَيْرِ جِنْسِهِ) أصح الأقوال الأربعة : أنه إن أراد بالحيوان اللحم فلا يجوز ، وإن أراد الانتفاع بغير الأكل فلا بأس .


 - فإذا قال: أنا أبيع عليك صاعاً من الحب بصاع من الدقيق واعتبر الزيادة في مقابلة الطحن، فهذا لا يجوز لأن الزيادة بالصنعة كالزيادة بالصفة، وقد منع النبي صلّى الله عليه وسلّم التفاضل مع اختلاف الصفة والدليل أنه جيء إليه بتمر جنيب جيد فقال: «أَكُلُّ تمر خيبر هكذا؟ فقال: لا يا رسول الله ولكن نأخذ الصاع بالصاعين والصاعين بالثلاثة، فقال: لا تفعل بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيباً».

- سميت عرايا لعروها عن الثمن .

- العرايا أبيحت لحاجة المشتري فإن كانت لحاجة البائع الأقرب عندي: صحة ذلك، أنه لو كانت الحاجة لصاحب الرطب فلا بأس؛ إذ إن المقصود دفع حاجة الإنسان، فلا فرق بين كونه هو البائع أو المشتري.

- هل تجوز العرايا في غير النخل كالزبيب ؟
 الأقرب الجواز واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ؛ لأن العلة التي من أجلها رخص في عرايا النخل موجودة في عرايا العنب، وهكذا ما كان مثله مما يحتاج الناس للتفكه به وليس عندهم مال.


- قوله: «ولا يباع ربوي بجنسه ومعه أو معهما من غير جنسهما» هذه المسألة يعبر عنها الفقهاء «بمد عجوة ودرهم». مثال ذلك: باع تمراً بتمر، ومع كل واحد منهما دراهم، يعني باع صاعاً من تمر ودرهماً بصاع من تمر ودرهم، فلا يجوز، هذا معنى قوله: «أو معهما من غير جنسهما»، فهنا مع المبيعين من غير جنسهما.
وقال بعض أهل العلم: إذا كان معهما من غير الجنس جاز ولا حرج؛ لأننا نجعل الجنس مقابلاً لغير جنسه ونسلم من الربا، مثل ما لو بعت عليك مداً ودرهماً بمد ودرهم، هذا ليس فيه محظور؛ لأنك إن جعلت المد مقابل المد فقد تساويا، وإن جعلت المد مقابل الدرهم فليس بينهما ربا.
وقوله: «ومعه» مثل أن يبيع صاعاً من التمر ودرهماً بصاع من التمر فلا يجوز أيضاً؛ لأن مع أحدهما من غير الجنس، وهذا مبني على أن الصفقة إذا جمعت بين شيئين وزع الثمن على الشيئين على وجه الشيوع، وحينئذٍ نجهل التساوي بين الربويين.
مثال ثانٍ: باع صاعين من التمر بصاعٍ ودرهم من التمر، فلا يجوز؛ لعدم التماثل بين التمر.
مثال ثالث: باع درهمين بدرهم وتمر فلا يجوز؛ لأن مع أحدهما من غير جنسه.
والدليل هو: حديث فضالة بن عبيد ـ رضي الله عنه ـ أنه اشترى قلادة فيها خرز وذهب باثني عشر ديناراً، ثم فصل الذهب من الخرز فوجد فيها أكثر من اثني عشر ديناراً، فنهى النبي صلّى الله عليه وسلّم أن تباع حتى تفصل ، أي: حتى يفصل بعضها من بعض، ويعرف قدر الذهب من الخرز، ووجه النهي أنه تبين الآن أنه اشترى ذهباً بذهب أقلَّ منه؛ لأنه لما فَصَلَ هذه القلادة وجد فيها أكثر من اثني عشر ديناراً، فلما كان الاحتمال وارداً في مثل هذا فإنه يمنع منه سداً للباب، حتى لا يتجرأ أحد على أن يبيع شيئاً ربوياً بجنسه ويضيف إلى أحدهما شيئاً يسيراً، مثل أن يقول: أنا أبيع مثلاً كيلو من الذهب بكيلو إلا يسيراً وأجعل مع الثاني (الذي نقص) أجعل معه منديلاً مثلاً، وهذه حيلة لا شك، فَسُدَّ الباب. وهذه هي قاعدة المذهب «أنه لا يباع ربوي بجنسه ومعهما أو مع أحدهما من غير الجنس» على أي حال من الأحوال ولكن شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ نازع في هذا، وقال: إذا كان المفرد أكثر من الذي معه غيره، وكانت هذه الزيادة تقابل الشيء الآخر، فإن ذلك جائز، ولا بأس به، والحاجة قد تدعو إليه.
مثاله: باع صاعين من التمر بصاع ودرهم، والصاع الزائد في الطرف الذي ليس فيه إلا التمر يساوي درهماً، قال: هذا لا بأس به؛ لأننا نجعل الصاع الزائد في مقابل الدرهم، والصاع الثاني الذي مع الدرهم، في مقابلة الصاع الآخر، وليس في هذا حيلة إطلاقاً، والحاجة قد تدعو إلى ذلك، فقد يكون هذا الإنسان عنده تمر من السكري صاعان، وهذا عنده تمر من نوع آخر، لكن ليس عنده صاعان، عنده صاع واحد وعنده دراهم، فقال: أنا أعطيك هذا الصاع ودرهماً، والصاع يساوي الصاع الآخر لا يزيد ولا ينقص.
وما ذهب إليه شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ أصح، فإذا تيقنا أنه لا ربا، وأن القيمة واحدة فإنه لا بأس به ولا حرج، والشارع الحكيم لا يحرم شيئاً يتبين أنه لا ربا فيه إطلاقاً، مع أن الحاجة قد تدعو إليه.

- وأما اللبن فإن كان أهل هذا البلد قد اعتادوا أن يكون قوتهم اللبن فإننا نلحقه بالبر والتمر والشعير.

- وقد ذكر أهل العلم ـ رحمهم الله ـ ضوابط للمكيل والموزون فيها ما سبق من أن كل مائع مكيل.
ومنها أن ما تعذر كيله يعتبر بالوزن كالخبز والتمر المكنوز المجبن وما أشبه ذلك، فإنه يعتبر بالوزن لكن لا يخرج عن كونه مكيلاً.


 
                                                فصل


- النسيئة : وهو الأصل، ومن أجله حَرُمَ ربا الفضل .

- قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنما الربا في النسيئة» قلنا: لينبه على أن ربا النسيئة أعظم من ربا الفضل؛ لأن هذا هو المعروف في الجاهلية.

- فالأقسام أربعة:

الأول: إذا كان البيع في جنس واحد ربوي، حرم فيه التفاضل والنساء.
الثاني: إذا كان في جنسين ربويين اتفقا في علة ربا الفضل، حرم بينهما النساء فقط دون الفضل.
الثالث: إذا كان بين جنسين ربويين لم يتفقا في العلة، جاز الفضل والنساء.
الرابع: إذا كان بين شيئين ليسا ربويين، جاز كل شيء، الفضل والنسيئة.

- (ليس أحدهما نقدا) : مثال ذلك: باع حديداً بدنانير، فعلة ربا الفضل موجودة فيهما، فكلاهما موزون، فمقتضى القاعدة أنه يحرم النساء، ولكن المؤلف ـ رحمه الله ـ استثنى فقال: «ليس أحدهما نقداً»، ودليل هذا الاستثناء حديث عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قدم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين فقال: «من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم» ، وجه الدلالة من الحديث أن السلم لا بد فيه من تقديم الثمن وتأخير المثمن وهذا نسيئة وقد أقره النبي صلّى الله عليه وسلّم، ومعلوم أن الإسلاف يكون في الدراهم وهي موزونة، أو في الدنانير وهي موزونة، ولهذا قال: «أو وزن معلوم» فدل هذا على أنه إذا كان أحدهما نقداً فإنه يصح النساء؛ لئلا ينسد باب السلم في الموزونات .

- (كالمكيلين والموزونين ) مثال : باع طناً من الرصاص بطن من النحاس لا يجوز؛ لأنهما اتفقا في علة ربا الفضل، وهي الوزن.

-  قوله: «ولا يجوز بيع الدَّين بالدَّين» هذا ليس على إطلاقه ولكن له صور:
الأولى: بيع الدين على الغير، فلا يجوز أن يباع بالدين، بل ولا بالعين على المذهب مطلقاً.
مثال ذلك: إنسان في ذمته لشخص مائة صاع بر، فجعل هذا الرجل يطلبه يقول: أعطني يا فلان، وهو يماطل به، فقيل للرجل الذي له الحق: نعطيك عنها مائة درهم، ونحن نأخذها من المطلوب فلا يجوز، حتى وإن كان بعين فإنه لا يجوز، فلو قيل لهذا الرجل الذي له مائة الصاع في ذمة فلان: سوف نعطيك عنها مائة ريال تأخذها نقداً، فإنه لا يجوز؛ لأنه يشبه أن يكون غير مقدور على تسليمه، وإذا كان كذلك فإنه يكون فيه غرر، إذ إن المطلوب قد يوفي كاملاً وقد لا يوفي، وقد يوفي ناقصاً، فلا يصح.
لكن لو كان الذي اشترى دَين فلان قادراً على أخذه منه، كرجل له سلطة يستطيع أن يأخذ هذا المال الذي في ذمة الرجل، فالصحيح أنه يجوز وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ؛ لأن العلة في النهي عن بيع ما في الذمم إنما هي الخوف من الغرر، وعدم الاستلام فإذا زالت العلة زال المعلول وزال الحكم، ثم إن عجز عن أخذه فله الفسخ، وبشرط ألا يربح فيه البائع بمعنى ألا يبيعه بأكثر من ثمنه؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم نهى عن ربح ما لم يضمن ، ولحديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ ، وبشرط ألا يكون بينهما ربا نسيئة مثل أن أبيع عليه مائة صاع من التمر في ذمة فلان بمائة صاع من الشعير فهذا لا يجوز، لأنه يجري فيه ربا النسيئة وأنا لم أقبض العوض.

الثانية: بيع الدين على من هو في ذمته.
مثاله: أنا أطلب شخصاً مائة صاع بر، فجاء إلي وقال: أنا ليس عندي بر، ولكن أنا أعطيك عن مائة الصاع مائتي ريال؛ فهنا بيع دين بدين ففيه تفصيل:
إن كان باعه بسعر وقته فلا بأس، وإن باعه بأكثر فإنه لا يجوز، والدليل: حديث عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: «كنا نبيع الإبل بالدراهم فنأخذ عنها الدنانير ونبيع بالدنانير فنأخذ عنها الدراهم»، فسألنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك فقال: «لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تتفرقا وبينكما شيء»، فاشترط النبي صلّى الله عليه وسلّم شرطين:
الشرط الأول: أن تأخذها بسعر يومها.
الشرط الثاني: ألاّ يتفرقا وبينهما شيء.
ووجه ذلك أنه إذا أخذها بأكثر فقد ربح فيما لم يدخل في ضمانه، مَثَلاً الدينار يساوي عشرة دراهم فقال: أنا آخذ منك بأحد عشر، فهذا لا يجوز؛ لأن الذي أخذ أحد عشر بدل الدينار ربح درهماً فربح في شيء لم يدخل في ضمانه؛ لأن الدنانير في ضمان من هي في ذمته، ولم تدخل عليه إلى الآن، وقد نهى النبي صلّى الله عليه وسلّم عن ربح ما لم يضمن، وقلنا فيما سبق: المفهوم لا عموم له، إذ يصدق المفهوم بالمخالفة ولو في صورة واحدة، فإذا أخذها بأقل من سعر يومها، أي: الدينار يساوي عشرة فأخذه الطالب بتسعة فمفهوم الحديث: «لا بأس أن تأخذها بسعر يومها» أن هذه الصورة لا تجوز، لكنها في الواقع تجوز؛ لأنه لم يربح فيما لم يدخل في ضمانه، بل نزل بعض حقه، فأبرأه من بعض حقه، وإبراؤه من بعض حقه لا بأس به، فصار المفهوم الآن ليس له عموم، وهذه مسألة ينبغي لطالب العلم أن يفهمها، أن المفهوم لا عموم له، بل يصدق بصورة واحدة مخالفة، والصورة الواحدة المخالفة في المثال إذا أخذها بأكثر، أي: الدينار يساوي عشرة وأخذها بأحد عشر، فهذا لا يجوز؛ لأنه يدخل في ربح ما لم يضمن.
فهمنا العلة في قول الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ: «لا بأس أن تأخذها بسعر يومها»، فما هي العلة في قوله: «ما لم تتفرقا وبينكما شيء؟».
الجواب: العلة ظاهرة أيضاً؛ لأنه سيأخذ عن الدنانير دراهم، وبيع الدنانير بالدراهم لا بد فيها من القبض في مجلس العقد، وحينئذ لو لم يقبض لبطل العقد، كما لو باع دنانير بدراهم ولم يقبض فإنه يبطل العقد، فتبين أن حديث عبد الله بن عمرـ رضي الله عنهما ـ متمشٍ على القواعد العامة في الشريعة، والمعروفة في أبواب الربا.
ويشترط ـ أيضاً ـ ألا يتخذ حيلة على الربا، فإن اتخذ حيلة على الربا فهو حرام، مثل أن يبيع الدين الذي حل بدين أكثر مؤجلاً، فيقول: عندك الآن مائة صاع من البر وقد حل، ولكن ليس عندك، أبيعه عليك بمائة صاع من التمر مؤجلاً، ومائة الصاع من التمر أكثر قيمة من مائة الصاع من البر، فهذا لا يجوز لئلا يتخذ حيلة إلى قلب الدين.
إذاً بيع الدين بالدين: إذا باع ما في ذمة الغير لنفسه وهو مما يشترط فيه التقابض وجب القبض، وإذا كان لا يجب فيه التقابض فلا بأس أن يتأخر القبض لكن بشرط ألاّ تزيد القيمة لتأخر القبض.


                                                 فصل

 
- أعطاه دينار يصرفه بعشرة دراهم فلم يجد إلا خمسة دراهم، فهل يصح؟
نقول: يصح العقد فيما قبض، ولا يصح فيما لم يقبض، فيصح العقد في نصف الدينار، ويبقى نصفه أمانة عند البائع، فيكون هذا الدينار مشتركاً بين البائع والمشتري.
وفائدة ذلك أنه لو زاد سعر الذهب فيما بين هذه الصفقة، وبين استلام حقه إذا وجد الآخر بقية الدراهم، فإذا تغير السعر فهو على حساب صاحبه، فمثلاً لو كان حين صرف الدينار بالدراهم يساوي الدينار عشرة دراهم، ثم صار يساوي عشرين درهماً فإنه يبقى نصف الدينار بعشرة دراهم؛ لأن ما بقي من الدينار بقي عند الآخر وديعة، ولا يصح العقد فيه.
فإن لم يسلم شيئاً إطلاقاً بطل العقد في الجميع، وهذه المسألة نظيرها إذا اشترى الإنسان حلياً من شخص بعشرة آلاف ريال وسلمه خمسة آلاف ريال فقط، والباقي قال: أحضره لك غداً فإنه يصح في النصف، والباقي لم يدخل في ملكه ولا يصح فيه العقد، فإن لم يعطه شيئاً بأن قال: سآتيك بالدراهم بعد العصر وأعطني الحلي الآن، بطل العقد في الجميع، فإن قال المشتري: أنا ليس عندي دراهم وأريد أن أشتري منك حلياً، فقال البائع: أنا أسلفك، فسلفه عشرة آلاف ريال ثم ردها على البائع فهذا حيلة بلا شك، فلا يجوز؛ لأن مفاسد المحرمات لا تزول بالحيل عليها، بل إن الحيل لا تزيد المفاسد إلا مفاسد، أما لو سلفه آخر فلا بأس.


- قوله: «ومعيبة من جنسها أمسك أو رد» أمسك يعني بلا أرش، أو رد.
مثال ذلك: اشترى ديناراً بدينار ثم وجد أن الدينار معيب من جنسه، أي: مخلوط معه ذهب رديء، فالبيع واقع على دينار بدينار، ويشترط في بيع الدينار بالدينار التساوي، فهذا الرجل وجد أن الدينار الذي عينه معيباً من جنسه، فماذا نقول؟ نقول له: أنت الآن بالخيار إن شئت فأمسك بلا أرش، وإن شئت فرد، أما كونه يرد فواضح؛ لأنه معيب، وهو لم يشتر إلا شيئاً سالماً، وأما كونه بلا أرش، فلأن الأرش يستلزم زيادة في بيع الجنس بجنسه، ومعلوم حسب ما مر علينا من القواعد أن بيع الجنس بجنسه يشترط فيه التماثل، ولهذا قال: «أمسك» أي بلا أرش «أو رد». وعلم من قول المؤلف ـ رحمه الله ـ «من جنسه»، أنه إذا كان من غير الجنس فإنه لا يصح العقد إذا وجدها معيبة من غير الجنس، فنقول: ليس فيه خيار بل هو باطل.
مثال ذلك: باع درهماً بدرهم، ووجد أن أحد الدرهمين معيب بنحاس فهنا يبطل العقد؛ لأن العيب من غير الجنس، فيكون من باب «مد عجوة ودرهم» لأنه باع جنساً بجنسه، ومع أحدهما من غير الجنس فلا يصح.
وهذا كله بناءً على أن الدنانير والدراهم تتعين بالتعين.
بالعقد، أما إذا قلنا: إنها لا تتعين، فإنه إذا وجدها معيبة يبقى العقد على ما هو عليه، ويطالب ببدلها سليماً.

- مسألة: تشتري الأختان أحياناً حلياً، ثم إذا وصلتا إلى البيت قالت إحداهما: هذا الحلي لا أريده، فقالت الأخرى: أنا أريده، فقالت: نتبادل، وبينهما تفاضل، يعني هذه أسورتها واسعة وثقيلة وهذه بالعكس، فقالت: ليس بيننا حساب خذي الأسورة التي لي، وآخذ التي لك وأتنازل، فهذه أسورتها مثلاً عشر أواق وهذه خمس عشرة أوقية، والفقهاء يقولون: البيع مبادلة مال بمال، فهذا الذي في هذه المسألة تبادل، فإن قالوا: تنازل، قلنا: التنازل لا يجوز إذا أدى إلى فعل محرم، وهذا يؤدي إلى فعل محرم، وإذا كانت تريد أن تتنازل عن الحلي لأختها مجاناً لا مانع، لكن بعوض والتفاضل بينهما ممنوع ولا ينفع كلمة «تنازل»؛ فالحقائق إذا سميت بغير اسمها لا تتغير.

- الربا يكون بين الرجل وزوجته وبين الابن وأبيه فهو يجري الربا بين الأقارب كلهم، وليس أحد يعامل أحداً بربا، وليس بينهما ربا إلا السيد مع رقيقه، وحقيقة الأمر أن تعامل السيد والرقيق ليس معاملة حقيقية؛ وإنما هي صورة معاملة؛ إذ إن مال الرقيق للسيد.

الخميس، 18 مايو 2017

مختارات من الشرح الممتع ، باب الخيار


- وقال مالك - رحمه الله - : إن المراد به التفرق بالأقوال، وأنه إذا تم العقد فلا خيار في المجلس؛ لأن التفرق بالأقوال يحصل بالقبول بعد الإيجاب، والبيع من العقود اللازمة التي تلزم من حينها ولكن قوله ـ رحمه الله ـ ضعيف جداً، لأن حمله على التفرق بالأقوال يناقض الحديث؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «إذا تبايع الرجلان»، والتبايع يتم بالإيجاب والقبول، ثم قوله: «ما لم يتفرقا وكانا جميعاً»، المراد في المجلس.

- (دون سائر العقود) وذلك لأن هذه العقود لا تخلو من حالين:
الأولى: أن تكون من العقود الجائزة، فهذه جوازها يغني عن قولنا إن فيها الخيار؛ لأن العقد الجائز يجوز فسخه حتى بعد التفرق، سواء في مجلس العقد أو بعده.
الثانية: أن تكون من العقود النافذة، التي لقوة نفوذها لا يمكن أن يكون فيها خيار، مثل العتق والوقف.


- كل عقد جائز فليس فيه خيار المجلس .

- إذا كان المجلس طويلا كرحلة في طيارة لمدة ثلاث عشرة ساعة فحل هذه المشكلة أن يتبايعا على أن لا خيار.

- مسألة ذكرها العلماء: قالوا: إذا تولى واحد طرفي العقد فمتى يكون الخيار؟
يقولون: ليس فيه خيار؛ لأننا لو قلنا له الخيار بقي البيع جائزاً؛ لأنه لا يمكن أن يفارق الشخص نفسه.
مثاله: وكلتك أن تشتري لي كتاباً ووكلك آخر أن تبيعه له، فقلت: اشتريت الكتاب من فلان لفلان، فهنا تولى الوكيل طرفي العقد، والصحيح أن تولي طرفي العقد فيه الخيار ويكون المدار على مفارقة هذا الرجل للمكان الذي أمضى فيه البيع، فإذا قال الوكيل: اشتريت هذا الكتاب من فلان لفلان، ثم قام ومشى فالآن لزم البيع.

- يصح الشرط قبل العقد كما ذكروا في النكاح.

 

- والصحيح أنه يجوز اشتراط الخيار، ولو على مدة تلي العقد، ولو في خيار لا ينتهي إلا بعد بدء المدة التي لا تلي العقد.

- لا يصح خيار الشرط فيما قَبْضُهُ قبل التفرق شرط لصحته.

- يثبت خيار الشرط في الصرف .

- «وله نماؤه المنفصل» «له» أي: للمشتري.

- لا يلزم من التحريم عدم الصحة، ويلزم من عدم الصحة التحريم، والدليل قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تَلقوا الجَلَب فمن تلقى فاشترى منه، فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار» ، فهذا تحريم والعقد الصحيح، لأن قوله: «فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار»، يدل على صحة العقد؛ إذ لا خيار إلا بعد صحة العقد؛ لأن الخيار فرع عن الصحة، والدليل على أن كل شيء لا يصح فهو حرام، قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط» ، قال ذلك محذراً من الشروط التي ليست في كتاب الله.

- (إلا عتق المشتري) الصحيح أن العتق كغيره يحرم ولا يصح .

- الظاهر أن الخيار يورث .

- مسألة: لو نام أحدهما في خيار المجلس بأن كان متعباً جداً وفيه نوم، فقال البائع: بعتك هذا الشيء، فقال: قبلت، وإذا رأسه على صدره ينعس فنام، فهذا لا يبطل خياره ما داما في المجلس، ولو طال نومه؛ لأنه لم يفارق الحياة بخلاف من مات.

- وهل واحد من عشرة يعتبر غبناً؟.
 الظاهر لي يعتبر غبناً، ولا سيما إذا كانت السيولة بأيدي الناس عزيزة.

- صاحب القول إذا رجح قوله لا بد أن يأتي بالمرجحات، وبالدافعات التي تدفع قول خصمه.

- فإن قال قائل: هل الغبن يكون للبائع أيضاً؟
 الجواب: نعم وهذه تقع كثيراً لا سيما فيما سبق من الزمان، ـ فمثلاً ـ يعلم التاجر بأن السكر ارتفعت قيمته، فيذهب إلى من عندهم السكر، ويشتري كل ما عندهم بالقيمة الحاضرة، وهم لا يعلمون أن قيمته ارتفعت فيكون غبناً ولا شك، وهم لم يفرطوا في الواقع في مثل الصورة التي ذكرتها الآن؛ لأنه باع على أن هذه القيمة، وأن الأسعار مستقرة.


- مسألة: إذا فقد التمر فما يقوم مقامه يجزئ عنه.

- الصواب أن إزالة الأصبع الزائدة في وقتنا الحاضر جائزة ولا شيء فيها، وهذا نظير ما قال العلماء في البواسير، قالوا: إن قطع البواسير حرام؛ لأنه يمكن أن ينزف الدم حتى يموت، فيكون متسبباً في قتل نفسه، ولكنه في الوقت الحاضر أصبحت هذه العملية عملية بسيطة وليس فيها أي نوع من الخطر، فلكل مقام مقال، والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً.

- والفرق بين القيمة والثمن، أن القيمة هي ثمنه عند عامة الناس، والثمن هو الذي وقع عليه العقد، فإذا اشتريت ما يساوي ثمانية بستة، فالقيمة ثمانية والثمن الستة، ولهذا انتبه عند كتابة العقود لا تقل: باعه عليه بقيمة قدرها كذا وكذا، قل: بثمن قدره كذا وكذا، وما أكثر الكُتَّاب الذين يخطئون في هذا، أو يقول: باعه بثمن قدره كذا وكذا، والقيمة واصلة، بدلاً من أن تقول: القيمة، قل: الثمن واصل.

- فالضابط: إذا تعذر الرد تعين الأرش، وإذا لزم منه الوقوع في الربا تعين الرد.

- (وخيار عيب متراخ) وهو الصحيح .

- قوله: «وإن اختلفا عند من حدث العيب» الفاعل البائع والمشتري، و «من» استفهامية، اختلفا فقال البائع: حدث العيب عندك فلا خيار لك، وقال المشتري: بل هو سابق للعقد فلي الخيار. 

- قوله: «فقول مشترٍ مع يمينه، وإن لم يحتمل إلا قول أحدهما قُبل بلا يمين» فهذه المسألة، أفادنا المؤلف ـ رحمه الله ـ أنها لا تخلو من حالين:
الحال الأولى: أن يمتنع صدق أحدهما، فهنا القول قول من لا يحتمل قوله الكذب.
الحال الثانية: أن يكون هناك احتمال، فهنا يكون القول قول المشتري.
مثال ما لا يحتمل قول البائع: الإصبع الزائدة، فإذا اشترى عبداً فوجد فيه إصبعاً زائدة، فأراد رده، فقال البائع: حدث هذا العيب عندك، وقال المشتري: أبداً، فالقول قول المشتري؛ إذ لا يمكن أن يحدث له إصبع زائدة، ولو أمكن أن يحدث لكان كل إنسان يتوقع أن يحدث له ذلك، وإذا قبلنا قول المشتري فلا يشترط أن يحلف؛ لأنه لا حاجة للحلف.
مثال ما لا يحتمل قول المشتري: اشترى بهيمة ثم ردها، والعيبُ الذي فيها جُرْحٌ، ادعاه المشتري فنظرنا إلى الجرح وإذا هو يثعب دماً، جرح طري والبيع له مدة أسبوع، فالقول قول البائع بلا يمين؛ لأنه لا يحتمل أن يكون هذا الجرح قبل العقد.
أما إذا كان يحتمل هذا وهذا، كعرج وفساد في طعام، وما أشبه ذلك فالمؤلف يقول: إن القول قول المشتري.
وعلة ذلك أن العيب فوات جزء في البيع وهو الكمال، فالمعيب قد فاته الكمال، والأصل عدم قبض هذا الجزء الفائت، والذي يدعي عدم قبضه المشتري، فيكون القول قول المشتري وهذا وجهه؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «البينة على المدعي واليمين على من أنكر» ، فالبائع الآن يقول: إني بعت عليك هذا الشيء
 سليماً، وهو يقول بعته علي معيباً، والمسألة محتملة فالقول: قول المشتري؛ لأن الأصل عدم قبض هذا الجزء الفائت بالعيب، فيكون المشتري مدعى عليه والبائع مدعياً، وهذه الرواية من مفردات مذهب الإمام أحمد رحمه الله.
والقول الثاني: أن القول قول البائع، وهو مذهب الأئمة الثلاثة ـ رحمهم الله ـ وهو القول الراجح؛ للأثر والنظر، أما الأثر فقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إذا اختلف المتبايعان فالقول ما قال البائع أو يترادَّان» ، وهذا نص صريح؛ ولأن المشتري مدعٍ أن العيب سابق، حتى على قاعدة الفقهاء، المدعي: من إذا سكت تُرك، والمشتري هنا لو سكت لم يُطالب، والرسول صلّى الله عليه وسلّم يقول: «البينة على المدعي»، والمدعي هنا بلا شك هو المشتري، فنقول له: إيت ببينة أن العيب حدث عند البائع.
وأما النظر فلأن الأصل عدمُ وجودِ العيب والسلامةُ، ودعوى أن العيب سابق على العقد خلاف الأصل، وإذا كان لا يقبل قول المشتري في أصل العيب، فكذلك لا يقبل قوله في زمن العيب.
ولكن يجب أن نعلم أن كل من قلنا القول قوله، فإنه لا بد من اليمين، وهذه قاعدة عامة.


- لو قيل: خيار يثبت فيما إذا أخبره بالثمن لكان أوضح .

- والبيع بالتخبير يقابله البيع بالمساومة.

- قوله: «متى بان أقل أو أكثر» «متى بان أقل» واضح؛ لأن المشتري مغبون، أي: متى بان الثمن أقل مما أخبر به، لكن قوله: «أو أكثر» تصويرها صعب، ولهذا لا توجد هذه العبارة «أكثر» لا في «الإقناع»، ولا في «المنتهى»، ولا في «المقنع» الذي هو أصل هذا الكتاب، ولا غيره، وهي عند التأمل لا وجه لها، فلعلها سبق قلم من المؤلف.

- فسبب ثبوت الخيار للمشتري التخبير الكاذب بالثمن؛ لأن البائع أخبره خبراً كاذباً بثمن هذه السلعة، وهو نوع من الغش والتدليس.

- (أو ممن لا تقبل شهادته له ) والصحيح في هذه المسألة أنه لا يثبت له الخيار إلا إذا ظهر في ذلك غبن.

- والفقهاء إذا قالوا: «في الجملة»، فالمعنى أكثر الصور، وإذا قالوا: «بالجملة»، فالمعنى جميع الصور، هذا مصطلح عندهم، والفرق أن «في» للظرفية و «الباء» للاستيعاب.

 - فإذا اختلفا في قدر الثمن «تحالفا» أي: كل واحد يحلف لأن كل واحد منهما مدع ومنكر،  وقال الشيخ إن القول قول البائع هذا هو الأقوى .

- «وإذا فسخ العقد انفسخ ظاهراً وباطناً » فلا حق لأحدهما على الآخر ولو كان كاذباً
  والصواب أن الكاذب منهما لا ينفسخ العقد في حقه باطناً ولا يحل له التصرف فيه .


- «وإن اختلفا في عين المبيع تحالفا» كما سبق في قدر الثمن فالصحيح أن القول قول البائع وهذا الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية في قدر الثمن، وكذلك في عين المبيع من باب أولى.

- قوله: «وبطل البيع" الصواب أن يقال : وانفسخ البيع .

- الثمن المعين : هو الدَّين الذي يعرفه العامة، فكل ما لم يعين من ثمن، فهو دين.

- والقول الراجح في هذه المسألة أن للبائع حبس المبيع على ثمنه.

- قوله: «وإن كان غائبا بعيدا عنها والمشتري معسر فللبائع الفسخ» هذه العبارة فيها قلق؛ لأن ظاهر قوله: «والمشتري معسر» أنها قيد فيما إذا كان غائباً بعيداً عنها، وأن الواو للحال، ولكن الواقع خلاف ذلك، فالواو هنا بمعنى «أو» .

- فثبت الآن عندنا خيار ثامن، وهو إذا ظهر أن المشتري معسر أو مماطل على القول الراجح.


- وعلى هذا فحصر الخيار في خمسة أو عشرة أو سبعة لا يستقيم .
 
فصل
 
- ( وَلَمْ يَصِحَّ تَصرفُهُ فِيه حَتَّى يَقْبِضَهُ ) فالمراد التصرف العوضي، أي: أن يكون تصرفه بعوض، مثل البيع، والهبة بعوض، وجعله أجرة.
وأما تصرفه فيه بهبة أو صدقة أو هدية أو ما أشبه ذلك فلا بأس، هذا هو المراد وهو المذهب أيضاً؛ لأن عمر ـ رضي الله عنه ـ باع على النبي صلّى الله عليه وسلّم بعيراً، فوهبه النبي صلّى الله عليه وسلّم لابن عمر ـ رضي الله عنه ـ واختار شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ أنه يصح تصرفه مع البائع، وأن قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «فلا يبعه حتى يقبضه»، يعني لا يبيعه على غير بائعه؛ لحديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ كنا نبيع الإبل بالدراهم فنأخذ عنها الدنانير ونبيعها بالدنانير، فنأخذ عنها الدراهم، فسألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تتفرقا وبينكما شيء» ، وهذا هو الصحيح.
واختار ـ أيضاً ـ أنه إذا باعه تولية فلا بأس ، ولكن الأولى أن نأخذ بعموم الحديث .

- ويشبه الآفة السماوية من لا يمكن تضمينه، كما لو تلف بأكل حيوان له أو تلف بأكل الجند له .

- إذا أتلفه البائع انفسخ البيع، وقيل: إن أتلفه البائع ضمنه، وهذا هو الراجح. خلافا لمن يقول : انفسخ البيع ، وإن أتلفه آدمي يمكن تضمينه يخير المشتري بين أن يفسخ البيع ويرجع على البائع بالثمن ، أو يمضي البيع ويرجع على المتلف بالبدل .

- وَمَا عَدَاهُ يَجُوزُ تَصَرّفُ المُشْتَرِي فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ. والقول الثاني: أنه لا يجوز أن يتصرف في المبيع قبل قبضه مطلقاً في كل شيء وهو الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ وهذا الذي يؤيده حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ: (أنهم كانوا يبيعون الطعام جزافاً..) واستدل الشارح لهذه المسألة: بحديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: «كنا نبيع الإبل بالبقيع بالدراهم ـ وفي لفظ بالنقيع بالدراهم ـ فنأخذ عنها الدنانير وبالعكس»، أي: بالدنانير فنأخذ الدراهم فسألنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «لا بأس أن تؤخذ بسعر يومها ما لم يفترقا وبينهما شيء». والحديث دليل لا يطابق المدلول؛
لأنه بيع في الذمة، وليس بيع شيء معين ، فلا دلالة في الحديث.
وأنا سقت هذا الحديث لفائدة، وهي أنه يجوز بيع الدين على من هو عليه بشرطين:
الشرط الأول: أن يكون بسعر يومه.
والشرط الثاني: أن يتقابضا قبل التفرق.


- وعليه فيكون قوله: «ما عدا المبيع بكيل ونحوه» فيه قصور، والصواب أن يزاد ثلاثة أشياء المبيع برؤية سابقة، أو بصفة، والثمر على الشجر.

- القول الراجح أنها تجوز بأقل وأكثر إذا كان من جنس الثمن؛ لأن محذور الربا في هذا بعيد فليست كمسألة العينة؛ لأن مسألة العينة محذور الربا فيها قريب، أما هذه فبعيد .