الثلاثاء، 23 فبراير 2016

طرق اكتساب الخلق الحسن

1- الدعـــاء .
2- الأخلاق تحتاج إلى نفسية طيبة ، وهذا يتحقق بالعبادة ( لا بد أن يكون المكان صالحا للزراعة ) .
3- اغتنام الفرص للتضحية والبذل .
4- جبر النفس على الخلق الحسن ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ومن يتصبر يصبره الله ، ومن يستعفف يعفه الله ) .
5- تجنب الأمور اليسيرة من سوء الخلق ، مثل : ترك الكذب ولو مزحا .
6- تعويد النفس على الأخلاق الفاضلة ولو يسيرة ( عكس التي قبلها) ، مثل : السلام ، الابتسامة.
7- مصاحبة أهل الفضل والصلاح والخلق، لأن الشخص يتأثر بالخلق ولو بغير اختياره، في الحديث ( مثل الجليس الصالح والجليس السوء ) فالريح الطيبة والإحراق بغير اختيار.
8- قراءة سيَر الفضلاء .
9- إظهار العناية بالأخلاق الفاضلة وأهلها .
10- المسارعة للأخذ بالخلق الحسن إذا عرفت فضله، في الحديث أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إني لأحب هذا، قال : (أعلمته) ، قال : لا ، قال : ( أعلِمه ) .
11- معاقبة الإنسان نفسه حتى تستقيم .
12- التعاون بين الناس على اكتساب الخلق ، فمثلا : يتفق صحبة في سفر على ترك الغيبة، وكل من اغتاب يسكتونه .
13- معرفة فضائل الأخلاق وعواقب رذائل الأخلاق .
14- قطع المحركات للأخلاق الرديئة من داخل النفس وخارجها .
15- العناية بأصول الأخلاق ، فبعضها يدل على بعض ويولد بعضها بعضا .
16- المسارعة إلى الخيرات ، وهي أفضل من المنافسة، المسارعة : تكون دون الالتفات للآخرين فعلوا أم لم يفعلوا .
17- تسلية النفس بالمباحات .


من فوائد الشيخ الدكتور عبدالله العمرو، قسم الثقافة الإسلامية، كلية الشريعة، جامعة الإمام بالرياض .

السبت، 13 فبراير 2016

مراتب المحبة من مدارج السالكين ، من الشاملة

 

[فَصْلٌ فِي مَرَاتِبِ الْمَحَبَّةِ]

أَوَّلُهَا: الْعَلَاقَةُ، وَسُمِّيَتْ عَلَاقَةً لِتَعَلُّقِ الْقَلْبِ بِالْمَحْبُوبِ. قَالَ الشَّاعِرُ:

 أَعَلَاقَةً أُمَّ الْوَلِيدِ بُعَيْدَ مَا ... أَفْنَانُ رَأْسِكِ كَالثَّغَامِ الْمُخْلِسِ.

الثَّانِيَةُ: الْإِرَادَةُ، وَهِيَ مَيْلُ الْقَلْبِ إِلَى مَحْبُوبِهِ وَطَلَبُهُ لَهُ.
الثَّالِثَةُ: الصَّبَابَةُ، وَهِيَ انْصِبَابُ الْقَلْبِ إِلَيْهِ. بِحَيْثُ لَا يَمْلِكُهُ صَاحِبُهُ. كَانْصِبَابِ الْمَاءِ فِي الْحُدُورِ. فَاسْمُ الصِّفَةِ مِنْهَا صَبٌّ وَالْفِعْلُ صَبَا إِلَيْهِ يَصْبُو صَبًا، وَصَبَابَةً، فَعَاقَبُوا بَيْنَ الْمُضَاعَفِ وَالْمُعْتَلِّ، وَجَعَلُوا الْفِعْلَ مِنَ الْمُعْتَلِّ وَالصِّفَةَ مِنَ الْمُضَاعَفِ. وَيُقَالُ: صَبَا وَصَبْوَةً، وَصَبَابَةً. فَالصَّبَا: أَصْلُ الْمَيْلِ. وَالصَّبْوَةُ: فَوْقَهُ، وَالصَّبَابَةُ: الْمَيْلُ اللَّازِمُ. وَانْصِبَابُ الْقَلْبِ بِكُلِّيَّتِهِ.

 الرَّابِعَةُ: الْغَرَامُ وَهُوَ الْحُبُّ اللَّازِمُ لِلْقَلْبِ، الَّذِي لَا يُفَارِقُهُ. بَلْ يُلَازِمُهُ كَمُلَازَمَةِ الْغَرِيمِ لِغَرِيمِهِ. وَمِنْهُ سُمِّيَ عَذَابُ النَّارِ غَرَامًا لِلُزُومِهِ لِأَهْلِهِ. وَعَدَمِ مُفَارَقَتِهِ لَهُمْ. قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [الفرقان: 65] .

 الْخَامِسَةُ: الْوِدَادُ وَهُوَ صَفْوُ الْمَحَبَّةِ، مَرَاتِبُهَا عَشَرَةٌ وَخَالِصُهَا وَلُبُّهَا، وَالْوَدُودُ مِنْ أَسْمَاءِ الرَّبِّ تَعَالَى. وَفِيهِ قَوْلَانِ:

 أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ الْمَوْدُودُ. قَالَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي صَحِيحِهِ: الْوَدُودُ الْحَبِيبُ.

 وَالثَّانِي: أَنَّهُ الْوَادُّ لِعِبَادِهِ. أَيِ الْمُحِبُّ لَهُمْ. وَقَرَنَهُ بِاسْمِهِ الْغَفُورِ إِعْلَامًا بِأَنَّهُ يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيُحِبُّ التَّائِبَ مِنْهُ، وَيَوَدُّهُ. فَحَظُّ التَّائِبِ: نَيْلُ الْمَغْفِرَةِ مِنْهُ.

 وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ " الْوَدُودُ " فِي مَعْنًى يَكُونُ سِرُّ الِاقْتِرَانِ. أَيِ اقْتِرَانُ " الْوَدُودِ بِالْغَفُورِ " اسْتِدْعَاءَ مَوَدَّةِ الْعِبَادِ لَهُ، وَمَحَبَّتِهِمْ إِيَّاهُ بِاسْمِ الْغَفُورِ.

 السَّادِسَةُ: الشَّغَفُ يُقَالُ: شُغِفَ بِكَذَا. فَهُوَ مَشْغُوفٌ بِهِ. وَقَدْ شَغَفَهُ الْمَحْبُوبُ. أَيْ وَصَلَ حُبُّهُ إِلَى شَغَافِ قَلْبِهِ. كَمَا قَالَ النِّسْوَةُ عَنِ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ: {قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا} [يوسف: 30] وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ :

 أَحَدُهَا: أَنَّهُ الْحُبُّ الْمُسْتَوْلِي عَلَى الْقَلْبِ، بِحَيْثُ يَحْجُبُهُ عَنْ غَيْرِهِ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: حَجَبَ حُبُّهُ قَلْبَهَا حَتَّى لَا تَعْقِلَ سِوَاهُ.

 الثَّانِي: الْحُبُّ الْوَاصِلُ إِلَى دَاخِلِ الْقَلْبِ. قَالَ صَاحِبُ هَذَا الْقَوْلِ: الْمَعْنَى أَحَبَّتْهُ حَتَّى دَخَلَ حُبُّهُ شَغَافَ قَلْبِهَا، أَيْ دَاخِلَهُ.

 الثَّالِثُ: أَنَّهُ الْحُبُّ الْوَاصِلُ إِلَى غِشَاءِ الْقَلْبِ. وَالشَّغَافُ غِشَاءُ الْقَلْبِ إِذَا وَصَلَ الْحُبُّ إِلَيْهِ بَاشَرَ الْقَلْبَ. قَالَ السُّدِّيُّ: الشَّغَافُ جِلْدَةٌ رَقِيقَةٌ عَلَى الْقَلْبِ. يَقُولُ: دَخَلَهُ الْحُبُّ حَتَّى أَصَابَ الْقَلْبَ.

 وَقَرَأَ بَعْضُ السَّلَفِ " شَعَفَهَا " بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ. وَمَعْنَاهُ: ذَهَبَ الْحُبُّ بِهَا كُلَّ مَذْهَبٍ. وَبَلَغَ بِهَا أَعْلَى مَرَاتِبِهِ، وَمِنْهُ: شَعَفُ الْجِبَالِ، لِرُءُوسِهَا.

 السَّابِعَةُ: الْعِشْقُ وَهُوَ الْحُبُّ الْمُفْرِطُ الَّذِي يُخَافُ عَلَى صَاحِبِهِ مِنْهُ. وَعَلَيْهِ تَأَوَّلَ إِبْرَاهِيمُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ {وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: 286] قَالَ مُحَمَّدٌ: هُوَ الْعِشْقُ.
وَرُفِعَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - شَابٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَهُوَ يَعْرِفُهُ - قَدْ صَارَ كَالْخَلَالِ. فَقَالَ: مَا بِهِ؟ قَالُوا: الْعِشْقُ. فَجَعَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَامَّةَ دُعَائِهِ بِعَرَفَةَ: الِاسْتِعَاذَةَ مِنَ الْعِشْقِ.

 وَفِي اشْتِقَاقِهِ قَوْلَانِ :
 
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مِنَ الْعَشَقَةِ - مُحَرَّكَةً - وَهِيَ نَبْتٌ أَصْفَرُ يَلْتَوِي عَلَى الشَّجَرِ، فَشُبِّهَ بِهِ الْعَاشِقُ.

 وَالثَّانِي: أَنَّهُ مِنَ الْإِفْرَاطِ. وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ: فَلَا يُوصَفُ بِهِ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَلَا الْعَبْدُ فِي مَحَبَّةِ رَبِّهِ. وَإِنْ أَطْلَقَهُ سَكْرَانُ مِنَ الْمَحَبَّةِ قَدْ أَفْنَاهُ الْحُبُّ عَنْ تَمْيِيزِهِ. كَانَ فِي خِفَارَةِ صِدْقِهِ وَمَحَبَّتِهِ.

 الثَّامِنَةُ: التَّتَيُّمُ وَهُوَ التَّعَبُّدُ، وَالتَّذَلُّلُ. يُقَالُ: تَيَّمَهُ الْحُبُّ أَيْ ذَلَّلَهُ وَعَبَّدَهُ. وَتَيْمُ اللَّهُ: عَبْدُ اللَّهِ. وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْيُتْمِ - الَّذِي هُوَ الِانْفِرَادُ - تَلَاقٍ فِي الِاشْتِقَاقِ الْأَوْسَطِ، وَتَنَاسُبٌ فِي الْمَعْنَى. فَإِنَّ الْمُتَيَّمَ الْمُنْفَرِدُ بِحُبِّهِ وَشَجْوِهِ. كَانْفِرَادِ الْيَتِيمِ بِنَفْسِهِ عَنْ أَبِيهِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا مَكْسُورٌ ذَلِيلٌ. هَذَا كَسَرَهُ يُتْمٌ. وَهَذَا كَسَرَهُ تَتَيُّمٌ.

 التَّاسِعَةُ: التَّعَبُّدُ وَهُوَ فَوْقَ التَّتَيُّمِ. فَإِنَّ الْعَبْدَ هُوَ الَّذِي قَدْ مَلَكَ الْمَحْبُوبُ رِقَّهُ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ نَفْسِهِ أَلْبَتَّةَ. بَلْ كُلُّهُ عَبَدٌ لِمَحْبُوبِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. وَهَذَا هُوَ حَقِيقَةُ الْعُبُودِيَّةِ. وَمَنْ كَمَّلَ ذَلِكَ فَقَدْ كَمَّلَ مَرْتَبَتَهَا.

 وَلَمَّا كَمَّلَ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ هَذِهِ الْمَرْتَبَةَ: وَصَفَهُ اللَّهُ بِهَا فِي أَشْرَفِ مَقَامَاتِهِ. مَقَامِ الْإِسْرَاءِ، كَقَوْلِهِ {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء: 1] وَمَقَامِ الدَّعْوَةِ. كَقَوْلِهِ {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ} [الجن: 19] وَمَقَامِ التَّحَدِّي كَقَوْلِهِ {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} [البقرة: 23] وَبِذَلِكَ اسْتَحَقَّ التَّقْدِيمَ عَلَى الْخَلَائِقِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

 وَكَذَلِكَ يَقُولُ الْمَسِيحُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَهُمْ، إِذَا طَلَبُوا مِنْهُ الشَّفَاعَةَ - بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ، عَبْدٍ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ ".

 سَمِعْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَةَ - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ - يَقُولُ: فَحَصَلَتْ لَهُ تِلْكَ الْمَرْتَبَةُ. بِتَكْمِيلِ عُبُودِيَّتِهِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَكَمَالِ مَغْفِرَةِ اللَّهِ لَهُ.

 وَحَقِيقَةُ الْعُبُودِيَّةِ: الْحُبُّ التَّامُّ، مَعَ الذُّلِّ التَّامِّ وَالْخُضُوعِ لِلْمَحْبُوبِ. تَقُولُ الْعَرَبُ طَرِيقٌ مُعَبَّدٌ أَيْ قَدْ ذَلَّلَتْهُ الْأَقْدَامُ وَسَهَّلَتْهُ.

 الْعَاشِرَةُ: مَرْتَبَةُ الْخُلَّةِ الَّتِي انْفَرَدَ بِهَا الْخَلِيلَانِ - إِبْرَاهِيمُ وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ - كَمَا صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ اتَّخَذَنِي خَلِيلًا، كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا» . وَقَالَ: «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا. وَلَكِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ» . وَالْحَدِيثَانِ فِي الصَّحِيحِ. وَهُمَا يُبْطِلَانِ قَوْلَ مَنْ قَالَ: الْخُلَّةُ لِإِبْرَاهِيمَ. وَالْمَحَبَّةُ لِمُحَمَّدٍ، فَإِبْرَاهِيمُ خَلِيلُهُ وَمُحَمَّدٌ حَبِيبُهُ.

 وَالْخُلَّةُ هِيَ الْمَحَبَّةُ الَّتِي تَخَلَّلَتْ رُوحَ الْمُحِبِّ وَقَلْبَهُ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ فِيهِ مَوْضِعٌ لِغَيْرِ الْمَحْبُوبِ، كَمَا قِيلَ:

 قَدْ تَخَلَّلْتَ مَسْلَكَ الرُّوحِ مِنِّي ... وَلِذَا سُمِّيَ الْخَلِيلُ خَلِيلَا.

وَهَذَا هُوَ السِّرُّ الَّذِي لِأَجْلِهِ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أُمِرَ الْخَلِيلُ بِذَبْحِ وَلَدِهِ، وَثَمَرَةِ فُؤَادِهِ وَفِلْذَةِ كَبِدِهِ. لِأَنَّهُ لَمَّا سَأَلَ الْوَلَدَ فَأُعْطِيَهُ، تَعَلَّقَتْ بِهِ شُعْبَةٌ مِنْ قَلْبِهِ. وَالْخُلَّةُ مَنْصِبٌ لَا يَقْبَلُ الشَّرِكَةَ وَالْقِسْمَةَ. فَغَارَ الْخَلِيلُ عَلَى خَلِيلِهِ: أَنْ يَكُونَ فِي قَلْبِهِ مَوْضِعٌ لِغَيْرِهِ. فَأَمَرَهُ بِذَبْحِ الْوَلَدِ. لِيُخْرِجَ الْمُزَاحِمَ مِنْ قَلْبِهِ. فَلَمَّا وَطَّنَ نَفْسَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَعَزَمَ عَلَيْهِ عَزْمًا جَازِمًا: حَصَلَ مَقْصُودُ الْأَمْرِ. فَلَمْ يَبْقَ فِي إِزْهَاقِ نَفْسِ الْوَلَدِ مَصْلَحَةٌ. فَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ. وَفَدَاهُ بِالذِّبْحِ الْعَظِيمِ. وَقِيلَ لَهُ: {يَاإِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} [الصافات: 104] أَيْ عَمِلْتَ عَمَلَ الْمُصَدِّقِ {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [الصافات: 80] نَجْزِي مَنْ بَادَرَ إِلَى طَاعَتِنَا، فَنُقِرُّ عَيْنَهُ كَمَا أَقْرَرْنَا عَيْنَكَ بِامْتِثَالِ أَوَامِرَنَا، وَإِبْقَاءِ الْوَلَدِ وَسَلَامَتِهِ {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ} [الصافات: 106] وَهُوَ اخْتِبَارُ الْمَحْبُوبِ لِمُحِبِّهِ، وَامْتِحَانُهُ إِيَّاهُ لِيُؤْثِرَ مَرْضَاتَهُ. فَيُتِمَّ عَلَيْهِ نِعَمَهُ، فَهُوَ بَلَاءُ مِحْنَةٍ وَمِنْحَةٍ عَلَيْهِ مَعًا.
وَهَذِهِ الدَّعْوَةُ إِنَّمَا دَعَا إِلَيْهَا بِهَا خَوَاصُّ خَلْقِهِ، وَأَهْلُ الْأَلْبَابِ وَالْبَصَائِرِ مِنْهُمْ. فَمَا كَلُّ أَحَدٍ يُجِيبُ دَاعِيهَا. وَلَا كُلُّ عَيْنٍ قَرِيرَةً بِهَا. وَأَهْلُهَا هُمُ الَّذِينَ حَصَلُوا فِي وَسَطِ قَبْضَةِ الْيَمِينِ يَوْمَ الْقَبْضَتَيْنِ. وَسَائِرُ أَهْلِ الْيَمِينِ فِي أَطْرَافِهَا.

الجمعة، 12 فبراير 2016

أسباب محبة الله تعالى من مدارج السالكين ، من الشاملة

 

قال ابن القيم - رحمه الله تعالى - : الْأَسْبَابِ الْجَالِبَةِ لِلْمَحَبَّةِ، وَالْمُوجِبَةِ لَهَا وَهِيَ عَشَرَةٌ:
أَحَدُهَا: قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِالتَّدَبُّرِ وَالتَّفَهُّمِ لِمَعَانِيهِ وَمَا أُرِيدَ بِهِ، كَتَدَبُّرِ الْكِتَابِ الَّذِي يَحْفَظُهُ الْعَبْدُ وَيَشْرَحُهُ. لِيَتَفَهَّمَ مُرَادَ صَاحِبِهِ مِنْهُ.
الثَّانِي: التَّقَرُّبُ إِلَى اللَّهِ بِالنَّوَافِلِ بَعْدَ الْفَرَائِضِ. فَإِنَّهَا تُوَصِّلُهُ إِلَى دَرَجَةِ الْمَحْبُوبِيَّةِ بَعْدَ الْمَحَبَّةِ.
الثَّالِثُ: دَوَامُ ذِكْرِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ: بِاللِّسَانِ وَالْقَلْبِ، وَالْعَمَلِ وَالْحَالِ. فَنَصِيبُهُ مِنَ الْمَحَبَّةِ عَلَى قَدْرِ نَصِيبِهِ مِنْ هَذَا الذِّكْرِ.
الرَّابِعُ: إِيثَارُ مَحَابِّهِ عَلَى مَحَابِّكَ عِنْدَ غَلَبَاتِ الْهَوَى، وَالتَّسَنُّمُ إِلَى مَحَابِّهِ، وَإِنْ صَعُبَ الْمُرْتَقَى.
الْخَامِسُ: مُطَالَعَةُ الْقَلْبِ لِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَمُشَاهَدَتُهَا وَمَعْرِفَتُهَا. وَتَقَلُّبُهُ فِي رِيَاضِ هَذِهِ الْمَعْرِفَةِ وَمَبَادِيهَا. فَمَنْ عَرَفَ اللَّهَ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ: أَحَبَّهُ لَا مَحَالَةَ. وَلِهَذَا كَانَتِ الْمُعَطِّلَةُ وَالْفِرْعَوْنِيَّةُ وَالْجَهْمِيَّةُ قُطَّاعَ الطَّرِيقِ عَلَى الْقُلُوبِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوُصُولِ إِلَى الْمَحْبُوبِ.
السَّادِسُ: مُشَاهَدَةُ بِرِّهِ وَإِحْسَانِهِ وَآلَائِهِ، وَنِعَمِهِ الْبَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ. فَإِنَّهَا دَاعِيَةٌ إِلَى مَحَبَّتِهِ.
السَّابِعُ: وَهُوَ مِنْ أَعْجَبِهَا، انْكِسَارُ الْقَلْبِ بِكُلِّيَّتِهِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ تَعَالَى. وَلَيْسَ فِي التَّعْبِيرِ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى غَيْرُ الْأَسْمَاءِ وَالْعِبَارَاتِ.
الثَّامِنُ: الْخَلْوَةُ بِهِ وَقْتَ النُّزُولِ الْإِلَهِيِّ، لِمُنَاجَاتِهِ وَتِلَاوَةِ كَلَامِهِ، وَالْوُقُوفِ بِالْقَلْبِ وَالتَّأَدُّبِ بِأَدَبِ الْعُبُودِيَّةِ بَيْنَ يَدَيْهِ. ثُمَّ خَتْمِ ذَلِكَ بِالِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ.
التَّاسِعُ: مُجَالَسَةُ الْمُحِبِّينَ الصَّادِقِينَ، وَالْتِقَاطُ أَطَايِبِ ثَمَرَاتِ كَلَامِهِمْ كَمَا يَنْتَقِي أَطَايِبَ الثَّمَرِ. وَلَا تَتَكَلَّمْ إِلَّا إِذَا تَرَجَّحَتْ مَصْلَحَةُ الْكَلَامِ، وَعَلِمْتَ أَنَّ فِيهِ مَزِيدًا لِحَالِكَ، وَمَنْفَعَةً لِغَيْرِكَ.
الْعَاشِرُ: مُبَاعَدَةُ كُلِّ سَبَبٍ يَحُولُ بَيْنَ الْقَلْبِ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
 
مدارج السالكين 2 / 529 - 530 ، ط 2 ، ت بشير عيون .