الخميس، 25 نوفمبر 2021

مختارات من زاد المعاد، المجلد الخامس، القسم الثاني والأخير، تحقيق الأرناؤؤطين رحمهم الله تعالى

مختارات من زاد المعاد، المجلد الخامس، القسم الثاني والأخير، تحقيق الأرناؤؤطين رحمهم الله تعالى

- .. وهذه طريقة صاحب " المستوعب "، وما زادته هذه الطريقة إلا تناقضا وبعدا عن قواعد الشريعة، وهي من أفسد الطرق، وإنما يتبين فسادها بلوازمها الباطلة..

- ولو اشترط في الحاضن العدالة لضاع أطفال العالم.

-وسمعت شيخنا رحمه الله يقول: تنازع أبوان صبيا عند بعض الحكام، فخيره بينهما، فاختار أباه، فقالت له أمه: سله لأي شيء يختار أباه، فسأله فقال: أمي تبعثني كل يوم للكتاب، والفقيه يضربني، وأبي يتركني للعب مع الصبيان، فقضى به للأم، قال: أنت أحق به.


- قال شيخنا: وإذا ترك أحد الأبوين تعليم الصبي، وأمره الذي أوجبه الله عليه، فهو عاص، ولا ولاية له عليه، بل كل من لم يقم بالواجب في ولايته، فلا ولاية له، بل إما أن ترفع يده عن الولاية ويقام من يفعل الواجب، وإما أن يضم إليه من يقوم معه بالواجب؛ إذ المقصود طاعة الله ورسوله بحسب الإمكان. قال شيخنا: وليس هذا الحق من جنس الميراث الذي يحصل بالرحم والنكاح والولاء، سواء كان الوارث فاسقا أو صالحا، بل هذا من جنس الولاية التي لا بد فيها من القدرة على الواجب والعلم به، وفعله بحسب الإمكان. قال: فلو قدر أن الأب تزوج امرأة لا تراعي مصلحة ابنته، ولا تقوم بها وأمها أقوم بمصلحتها من تلك الضرة، فالحضانة هنا للأم قطعا، قال: ومما ينبغي أن يعلم أن الشارع ليس عنه نص عام في تقديم أحد الأبوين مطلقا، ولا تخيير الولد بين الأبوين مطلقا، والعلماء متفقون على أنه لا يتعين أحدهما مطلقا، بل لا يقدم ذو العدوان والتفريط على البر العادل المحسن، والله أعلم.

- الحكم بالحضانة كان للخالة على الصحيح وليس لجعفر رضي الله عنه، وذلك في قصة ابنة حمزة رضي الله عنه.

- وأما نفقة أقاربه فلا تلزمه لما مضى وإن فرضت إلا أن يستدان عليه بإذن الحاكم وهذا هو الصواب.

- حتى إن الفروج لتعج إلى الله من حبس حماتها.

- ونفقة الزوجة تجب يوما بيوم فهي كنفقة القريب، وما مضى فقد استغنت عنه بمضي وقته، فلا وجه لإلزام الزوج به، وذلك منشأ العداوة والبغضاء بين الزوجين، وهو ضد ما جعله الله بينهما من المودة والرحمة، وهذا القول هو الصحيح.

- وعمر - رضي الله عنه - أصابه في مثل هذا ما أصابه في رد خبر أبي موسى في الاستئذان حتى شهد له أبو سعيد، ورد خبر المغيرة بن شعبة في إملاص المرأة حتى شهد له محمد بن مسلمة، وهذا كان تثبيتا منه - رضي الله عنه - حتى لا يركب الناس الصعب والذلول في الرواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإلا فقد قبل خبر الضحاك بن سفيان الكلابي وحده وهو أعرابي، وقبل لعائشة - رضي الله عنها - عدة أخبار تفردت بها.

- وقد تناظر في هذه المسألة ميمون بن مهران وسعيد بن المسيب فذكر له ميمون خبر فاطمة فقال سعيد: (تلك امرأة فتنت الناس، فقال له ميمون: لئن كانت إنما أخذت بما أفتاها به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما فتنت الناس، وإن لنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة، مع أنها أحرم الناس عليه، ليس لها عليه رجعة ولا بينهما ميراث) . انتهى. ولا يعلم أحد من الفقهاء - رحمهم الله - إلا وقد احتج بحديث فاطمة بنت قيس هذا، وأخذ به في بعض الأحكام كمالك والشافعي.

- أن عمر - رضي الله عنه - حبس عصبة صبي على أن ينفقوا عليه، الرجال دون النساء .. وقد تقدم أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حبس عصبة صبي أن ينفقوا عليه وكانوا بني عمه.

- وهذا مذهب مالك وهو أضيق المذاهب في النفقات.وهذا مذهب الشافعي وهو أوسع من مذهب مالك وهذا مذهب أبي حنيفة وهو أوسع من مذهب الشافعي.وهذا مذهب الإمام أحمد وهو أوسع من مذهب أبي حنيفة، وإن كان مذهب أبي حنيفة أوسع منه من وجه آخر حيث يوجب النفقة على ذوي الأرحام وهو الصحيح في الدليل.

- أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس كان تبنى سالما، وأنكحه ابنة أخيه هندا بنت الوليد بن عتبة.

- وهل يحرم نظير المصاهرة بالرضاع فيحرم عليه أم امرأته من الرضاع وبنتها من الرضاعة وامرأة ابنه من الرضاعة، أو يحرم الجمع بين الأختين من الرضاعة، أو بين المرأة وعمتها وبينها وبين خالتها من الرضاعة؟ فحرمه الأئمة الأربعة وأتباعهم، وتوقف فيه شيخنا وقال: إن كان قد قال أحد بعدم التحريم، فهو أقوى. ومعلوم أن تحريم الرضاعة لا يسمى صهرا ولا يحرم التفريق بين الأم وولدها الصغير من الرضاعة بل ما افترقا فيه من الأحكام أضعاف ما اجتمعا فيه منها، وقد ثبت جواز الجمع بين اللتين بينهما مصاهرة محرمة، كما جمع عبد الله بن جعفر بين امرأة علي وابنته من غيرها.
- ومما يدل على أن تحريم امرأة أبيه وابنه من الرضاعة ليس مسألة إجماع ..

- فإذا كان عمر وعلي - رضي الله عنهما - ومن يقول بقولهما قد أباحا الربيبة إذا لم تكن في حجر الزوج، مع أنها ابنة امرأته من النسب، فكيف يحرمان عليه ابنتها من الرضاع.

- وعليه مسألة من له أربع زوجات فأرضعن طفلة كل واحدة منهن رضعتين فإنهن لا يصرن أما لها؛ .. وعلى هذه المسألة: ما لو كان لرجل خمس بنات فأرضعن طفلا كل واحدة رضعة لم يصرن أمهات له. وهل يصير الرجل جدا له، وأولاده الذين هم إخوة المرضعات أخوالا له وخالات؟

- البنت من الرضاعة بنت في حكمين فقط : الحرمة والمحرمية، والبنت من الزنى تكون بنتا في التحريم ولا تباح للزاني، ونص أحمد على أن من تزوجها قتل بالسيف محصنا أو غيره. بتصرف.

- أنهما لم يصرحا بسماعه من النبي صلى الله عليه وسلم، بل لم يسمع منه ابن عباس إلا دون العشرين حديثا وسائرها عن الصحابة رضي الله عنهم.

- أن حديث سهلة ليس بمنسوخ، ولا مخصوص، ولا عام في حق كل أحد، وإنما هو رخصة للحاجة لمن لا يستغني عن دخوله على المرأة، ويشق احتجابها عنه، كحال سالم مع امرأة أبي حذيفة، فمثل هذا الكبير إذا أرضعته للحاجة أثر رضاعه، وأما من عداه، فلا يؤثر إلا رضاع الصغير، وهذا مسلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.

- ولهذا لم ينقله من عني بجمع أقوال أهل التفسير، كابن الجوزي، وغيره.

- قول أكابر الصحابة: أن القرء هو الحيض. بتصرف.

- بل لا يكاد يختلف الرجال والنساء في مسألة إلا والصواب في جانب الرجال.

- قال شيخنا: وليس للنساء في ذلك عادة مستمرة بل فيهن من لا تحيض وإن بلغت وفيهن من تحيض حيضا يسيرا يتباعد ما بين أقرائها حتى تحيض في السنة مرة، ولهذا اتفق العلماء على أن أكثر الطهر بين الحيضتين لا حد له، وغالب النساء يحضن كل شهر مرة ويحضن ربع الشهر ويكون طهرهن ثلاثة أرباعه. ومنهن من تطهر الشهور المتعددة لقلة رطوبتها ومنهن من يسرع إليها الجفاف فينقطع حيضها وتيأس منه وإن كان لها دون الخمسين بل والأربعين. ومنهن من لا يسرع إليها الجفاف فتجاوز الخمسين وهي تحيض. قال وليس في الكتاب ولا السنة تحديد اليأس بوقت، ولو كان المراد بالآيسة من المحيض من لها خمسون سنة، أو ستون سنة، أو غير ذلك لقيل: واللائي يبلغن من السن كذا وكذا ولم يقل يئسن.

- قال شيخنا: والصواب أن يقال أما عدة الوفاة فهي حرم لانقضاء النكاح ورعاية لحق الزوج، ولهذا تحد المتوفى عنها في عدة الوفاة رعاية لحق الزوج فجعلت العدة حريما لحق هذا العقد الذي له خطر وشأن فيحصل بهذه فصل بين نكاح الأول ونكاح الثاني، ولا يتصل الناكحان، ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عظم حقه حرم نساؤه بعده وبهذا اختص الرسول؛ لأن أزواجه في الدنيا هن أزواجه في الآخرة بخلاف غيره، فإنه لو حرم على المرأة أن تتزوج بغير زوجها تضررت المتوفى عنها، وربما كان الثاني خيرا لها من الأول، ولكن لو تأيمت على أولاد الأول لكانت محمودة على ذلك مستحبا لها
وفي الحديث: «أنا وامرأة سفعاء الخدين كهاتين يوم القيامة وأومأ بالوسطى والسبابة، امرأة آمت من زوجها ذات منصب وجمال وحبست نفسها على يتامى لها حتى بانوا، أو ماتوا» .

- ولم يقف شيخ الإسلام على هذا القول.

- والصواب أن الرجعة حق لله تعالى ليس لهما أن يتفقا على إسقاطها.

- قوله: ( «لا، هو حرام» ) هل هو عائد إلى البيع، أو عائد إلى الأفعال التي سألوا عنها؟ فقال شيخنا: هو راجع إلى البيع؛ فإنه - صلى الله عليه وسلم - لما أخبرهم أن الله حرم بيع الميتة، ..

- قلت: وهذا هو الصواب، وأن بيع ذلك حرام وإن جاز الانتفاع به، والمقصود أنه لا يلزم من تحريم بيع الميتة تحريم الانتفاع بها في غير ما حرم الله ورسوله منها، كالوقيد وإطعام الصقور والبزاة وغير ذلك. وقد نص مالك على جواز الاستصباح بالزيت النجس في غير المساجد، وعلى جواز عمل الصابون منه، وينبغي أن يعلم أن باب الانتفاع أوسع من باب البيع، فليس كل ما حرم بيعه حرم الانتفاع به، بل لا تلازم بينهما، فلا يؤخذ تحريم الانتفاع من تحريم البيع.

- فإن الخمر أحسن حالا من الميتة، .. والخنزير أشد تحريما من الميتة.

- فجوز أصحاب أبي حنيفة بيع الكلاب، وأكل أثمانها.

- فهذا حكم كل كسب خبيث لخبث عوضه عينا كان أو منفعة، ولا يلزم من الحكم بخبثه وجوب رده على الدافع.

- وقد توقف شيخنا في وجوب رد عوض هذه المنفعة المحرمة على باذله، أو الصدقة به في كتاب " اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم " وقال: الزاني، ومستمع الغناء والنوح قد بذلوا هذا المال عن طيب نفوسهم، فاستوفوا العوض المحرم، والتحريم الذي فيه ليس لحقهم، وإنما هو لحق الله تعالى، وقد فاتت هذه المنفعة بالقبض، والأصول تقتضي أنه إذا رد أحد العوضين رد الآخر، فإذا تعذر على المستأجر رد المنفعة لم يرد عليه المال، وهذا الذي استوفيت منفعته عليه ضرر في أخذ منفعته، وأخذ عوضها جميعا منه، بخلاف ما إذا كان العوض خمرا أو ميتة، فإن تلك لا ضرر عليه في فواتها.

- قال شيخنا: والأشبه طريقة ابن موسى، يعني أنه يقضى له بالأجرة وإن كانت المنفعة محرمة، ولكن لا يطيب له أكلها. قال: فإنها أقرب إلى مقصود أحمد، وأقرب إلى القياس؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن عاصر الخمر، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه. فالعاصر والحامل قد عاوضا على منفعة تستحق عوضا، وهي ليست محرمة في نفسها، وإنما حرمت بقصد المعتصر والمستحمل، فهو كما لو باع عنبا وعصيرا لمن يتخذه خمرا، وفات العصير والخمر في يد المشتري، فإن مال البائع لا يذهب مجانا، بل يقضى له بعوضه. كذلك هنا المنفعة التي وفاها المؤجر، لا تذهب مجانا، بل يعطى بدلها، فإن تحريم الانتفاع بها إنما كان من جهة المستأجر، لا من جهة المؤجر، فإنه لو حملها للإراقة، أو لإخراجها إلى الصحراء خشية التأذي بها، جاز. ثم نحن نحرم الأجرة عليه لحق الله سبحانه لا لحق المستأجر والمشتري، بخلاف من استؤجر للزنى أو التلوط أو القتل أو السرقة، فإن نفس هذا العمل محرم لأجل قصد المستأجر، فهو كما لو باع ميتة أو خمرا، فإنه لا يقضى له بثمنها؛ لأن نفس هذه العين محرمة، وكذلك لا يقضى له بعوض هذه المنفعة المحرمة.

قال شيخنا: ومثل هذه الإجارة، والجعالة، يعني الإجارة على حمل الخمر والميتة، لا توصف بالصحة مطلقا، ولا بالفساد مطلقا، بل يقال: هي صحيحة بالنسبة إلى المستأجر، بمعنى أنه يجب عليه العوض، وفاسدة بالنسبة إلى الأجير، بمعنى أنه يحرم عليه الانتفاع بالأجر، ولهذا في الشريعة نظائر. قال: ولا ينافي هذا نص أحمد على كراهة نطارة كرم النصراني، فإنا ننهاه عن هذا الفعل وعن عوضه، ثم نقضي له بكرائه، قال: ولو لم يفعل هذا، لكان في هذا منفعة عظيمة للعصاة، فإن كل من استأجروه على عمل يستعينون به على المعصية قد حصلوا غرضهم منه، فإذا لم يعطوه شيئا، ووجب أن يرد عليهم ما أخذ منهم، كان ذلك أعظم العون لهم، وليسوا بأهل أن يعاونوا على ذلك، بخلاف من سلم إليهم عملا لا قيمة له بحال، يعني كالزانية، والمغني، والنائحة، فإن هؤلاء لا يقضى لهم بأجرة، ولو قبضوا منهم المال، فهل يلزمهم رده عليهم، أم يتصدقون به؟ فقد تقدم الكلام مستوفى في ذلك، وبينا أن الصواب أنه لا يلزمهم رده، ولا يطيب لهم أكله، والله الموفق للصواب.

- وأما أصحاب الملاحم فركبوا ملاحمهم من أشياء.
أحدها: من أخبار الكهان.
والثاني: من أخبار منقولة عن الكتب السالفة متوارثة بين أهل الكتاب.
والثالث: من أمور أخبر نبينا صلى الله عليه وسلم بها جملة وتفصيلا.
والرابع: من أمور أخبر بها من له كشف من الصحابة ومن بعدهم.
والخامس: من منامات متواطئة على أمر كلي وجزئي. فالجزئي: يذكرونه بعينه، والكلي: يفصلونه بحدس وقرائن تكون حقا أو تقارب.
والسادس: من استدلال بآثار علوية جعلها الله تعالى علامات وأدلة وأسبابا لحوادث أرضية لا يعلمها أكثر الناس، فإن الله سبحانه لم يخلق شيئا سدى ولا عبثا. وربط سبحانه العالم العلوي بالسفلي، وجعل علويه مؤثرا في سفليه دون العكس، فالشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، وإن كان كسوفهما لسبب شر يحدث في الأرض؛ ولهذا شرع سبحانه تغيير الشر عند كسوفهما بما يدفع ذلك الشر المتوقع من الصلاة والذكر والدعاء والتوبة والاستغفار والعتق، فإن هذه الأشياء تعارض أسباب الشر، وتقاومها وتدفع موجباتها إن قويت عليها.
وقد جعل الله سبحانه حركة الشمس والقمر، واختلاف مطالعهما سببا للفصول التي هي سبب الحر والبرد، والشتاء والصيف، وما يحدث فيهما مما يليق بكل فصل منها، فمن له اعتناء بحركاتهما، واختلاف مطالعهما، يستدل بذلك على ما يحدث في النبات والحيوان وغيرهما، وهذا أمر يعرفه كثير من أهل الفلاحة والزراعة، ونواتي السفن لهم استدلالات بأحوالهما، وأحوال الكواكب على أسباب السلامة والعطب من اختلاف الرياح وقوتها وعصوفها، لا تكاد تختل.
والأطباء لهم استدلالات بأحوال القمر والشمس على اختلاف طبيعة الإنسان وتهيئها لقبول التغير، واستعدادها لأمور غريبة ونحو ذلك.
وواضعو الملاحم لهم عناية شديدة بهذا، وأمور متوارثة عن قدماء المنجمين، ثم يستنتجون من هذا كله قياسات وأحكاما تشبه ما تقدم ونظيره. وسنة الله في خلقه جارية على سنن اقتضته حكمته، فحكم النظير حكم نظيره، وحكم الشيء حكم مثله، وهؤلاء صرفوا قوى أذهانهم إلى أحكام القضاء والقدر، واعتبار بعضه ببعض، والاستدلال ببعضه على بعض، كما صرف أئمة الشرع قوى أذهانهم إلى أحكام الأمر والشرع، واعتبار بعضه ببعض، والاستدلال ببعضه على بعض، والله سبحانه له الخلق والأمر، ومصدر خلقه وأمره عن حكمة لا تختل ولا تتعطل ولا تنتقض، ومن صرف قوى ذهنه وفكره، واستنفد ساعات عمره في شيء من أحكام هذا العالم وعلمه، كان له فيه من النفوذ والمعرفة والاطلاع ما ليس لغيره.

- فإن قيل: فما أطيب المكاسب وأحلها؟ قيل: هذا فيه ثلاثة أقوال للفقهاء.
أحدها: أنه كسب التجارة. والثاني: أنه عمل اليد في غير الصنائع الدنيئة كالحجامة ونحوها.
والثالث: أنه الزراعة، ولكل قول من هذه وجه من الترجيح أثرا ونظرا، والراجح أن أحلها الكسب الذي جعل منه رزق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو كسب الغانمين وما أبيح لهم على لسان الشارع، وهذا الكسب قد جاء في القرآن مدحه أكثر من غيره، وأثني على أهله ما لم يثن على غيرهم؛ ولهذا اختاره الله لخير خلقه، وخاتم أنبيائه ورسله حيث يقول: ( «بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري» ) ، وهو الرزق المأخوذ بعزة وشرف وقهر لأعداء الله، وجعل أحب شيء إلى الله، فلا يقاومه كسب غيره. والله أعلم.

- قال أحمد: لا يعجبني بيع الماء البتة.

- منع كون عقد الإجارة لا يرد إلا على منفعة، فإن هذا ليس ثابتا بالكتاب ولا بالسنة ولا بالإجماع، بل الثابت عن الصحابة خلافه.

السبت، 13 نوفمبر 2021

مختارات من زاد المعاد، لابن القيم رحمه الله، المجلد الخامس، القسم الأول، تحقيق الأرناؤؤطين رحمهم الله تعالى

مختارات من زاد المعاد، المجلد الخامس، القسم الأول، تحقيق الأرناؤؤطين رحمهم الله تعالى

- وفي هذا الحديث دليل على ..، وأن القتل غيلة لا يشترط فيه إذن الولي، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدفعه إلى أوليائها، ولم يقل: إن شئتم فاقتلوه، وإن شئتم فاعفوا عنه، بل قتله حتما، وهذا مذهب مالك، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية.

- والصحيح: أنه لم يقتلها (يقصد الهذلية) وفي هذا الحكم أن شبه العمد لا يوجب القود، وأن العاقلة تحمل الغرة تبعا للدية، وأن العاقلة هم العصبة، وأن زوج القاتلة لا يدخل معهم، وأن أولادها أيضا ليسوا من العاقلة.

- فتضمنت هذه الأقضية رجم الثيب، وأنه لا يرجم حتى يقر أربع مرات، وأنه إذا أقر دون الأربع، لم يلزم بتكميل نصاب الإقرار، بل للإمام أن يعرض عنه، ويعرض له بعدم تكميل الإقرار.

وأن إقرار زائل العقل بجنون أو سكر ملغى لا عبرة به، وكذلك طلاقه وعتقه وأيمانه ووصيته.

وجواز إقامة الحد في المصلى، وهذا لا يناقض نهيه أن تقام الحدود في المساجد.

- وأن المقر إذا استقال في أثناء الحد، وفر، ترك ولم يتمم عليه الحد، فقيل: لأنه رجوع. وقيل: لأنه توبة قبل تكميل الحد، فلا يقام عليه كما لو تاب قبل الشروع فيه. وهذا اختيار شيخنا.

- وقد نص عليه الإمام أحمد - رحمه الله -، فقال: كل من سقط عنه القطع، ضوعف عليه الغرم.


- التاسع: أن الإنسان حرز لثيابه ولفراشه الذي هو نائم عليه أين كان، سواء كان في المسجد أو في غيره.
- العاشر: أن المسجد حرز لما يعتاد وضعه فيه.



- وصح عن حفصة رضي الله عنها، أنها قتلت مدبرة سحرتها، فأنكر عليها عثمان إذ فعلته دون أمره.


- وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقتل من سحره من اليهود، فأخذ بهذا الشافعي، وأبو حنيفة - رحمهما الله -، وأما مالك، وأحمد - رحمهما الله -، فإنهما يقتلانه، ولكن منصوص أحمد - رحمه الله - أن ساحر أهل الذمة لا يقتل.


- ولكن المعروف أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يسترق رجلا بالغا.


- وتضمن هذا الحكم: أن ناقضي العهد يسري نقضهم إلى نسائهم وذريتهم إذا كان نقضهم بالحرب، ويعودون أهل حرب، وهذا عين حكم الله عز وجل.


- حكم النبي صلى الله عليه وسلم بالسلب كله للقاتل، ولم يخمسه ولم يجعله من الخمس، بل من أصل الغنيمة.


- والصواب: استمرار هذا الحكم النبوي، وأن سهم ذوي القربى لبني هاشم وبني المطلب، حيث خصه رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم، وقول هذا القائل: إن هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم باطل، فإنه بين مواضع الخمس الذي جعله الله لذوي القربى، فلا يتعدى به تلك المواضع، ولا يقصر عنها، ولكن لم يكن يقسمه بينهم على السواء بين أغنيائهم وفقرائهم، ولا كان يقسمه قسمة الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين، بل كان يصرفه فيهم بحسب المصلحة والحاجة، فيزوج منه عزبهم، ويقضي منه عن غارمهم، ويعطي منه فقيرهم كفايته.


- والذي يدل عليه هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحكامه أنه كان يجعل مصارف الخمس كمصارف الزكاة.


- وأهل الخمس لهم استحقاقان: استحقاق خاص من الخمس، واستحقاق عام من جملة الفيء، فإنهم داخلون في النصيبين.


- وإنما لم يأخذها صلى الله عليه وسلم من عبدة الأوثان من العرب؛ لأنهم أسلموا كلهم قبل نزول آية الجزية، فإنها نزلت بعد تبوك.


- وأما حكمه في قدرها، فإنه «بعث معاذا إلى اليمن، وأمره أن يأخذ من كل حالم دينارا أو قيمته معافر» ، وهي ثياب معروفة باليمن. ثم زاد فيها عمر رضي الله عنه فجعلها أربعة دنانير على أهل الذهب، وأربعين درهما على أهل الورق في كل سنة، فرسول الله صلى الله عليه وسلم علم ضعف أهل اليمن، وعمر رضي الله عنه علم غنى أهل الشام وقوتهم.


- وكان هذا الحكم منه فيهم حجة على جواز صلح الإمام لعدوه ما شاء من المدة، فيكون العقد جائزا له فسخه متى شاء، وهذا هو الصواب.


- (المتعة ) وظاهر كلام ابن مسعود إباحتها ... ولكن النظر: هل هو تحريم بتات أو تحريم مثل تحريم الميتة والدم وتحريم نكاح الأمة فيباح عند الضرورة وخوف العنت؟ هذا هو الذي لحظه ابن عباس، وأفتى بحلها للضرورة، فلما توسع الناس فيها، ولم يقتصروا على موضع الضرورة، أمسك عن فتياه ورجع عنها.


- ودل هذا القضاء النبوي على جواز وطء الإماء الوثنيات بملك اليمين، فإن سبايا أوطاس لم يكن كتابيات .. فمقتضى السنة وعمل الصحابة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعده جواز وطء المملوكات على أي دين كن، وهذا مذهب طاووس وغيره، وقواه صاحب " المغني " فيه، ورجح أدلته وبالله التوفيق.


- وقاعدة باب سد الذرائع إذا عارضه مصلحة راجحة قدمت عليه كما تقدم بيانه مرارا والله أعلم.


- فروى مالك في " موطئه " عن ابن شهاب قال: «كان بين إسلام صفوان بن أمية وبين إسلام امرأته بنت الوليد بن المغيرة نحو من شهر أسلمت يوم الفتح وبقي صفوان حتى شهد حنينا والطائف وهو كافر ثم أسلم ولم يفرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما واستقرت عنده امرأته بذلك النكاح» . وقال ابن عبد البر وشهرة هذا الحديث أقوى من إسناده.


- وإنما نبهنا على هذا لأن كثيرا من أصحابنا يحكون الخلاف في الكفاءة، هل هي حق لله أو للآدمي؟ ويطلقون مع قولهم إن الكفاءة هي الخصال المذكورة، وفي هذا من التساهل وعدم التحقيق ما فيه.


- ولم يكن الكذب ظاهرا في التابعين، ولا سيما التابعين من أهل المدينة، ولا سيما موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا سيما مثل هذه السنة التي تشتد حاجة الناس إليها .. في كلامه رحمه الله عن حديث ركانة أنه طلق امرأته ثلاثا، وهو عند أبي داود.


- وقد اختلف السلف والخلف في الحكمين: هل هما حاكمان أو وكيلان؟ على قولين:
أحدهما: أنهما وكيلان، وهو قول أبي حنيفة والشافعي في قول وأحمد في رواية.
والثاني: أنهما حاكمان، وهذا قول أهل المدينة ومالك وأحمد في الرواية الأخرى والشافعي في القول الآخر وهذا هو الصحيح.



- قال شيخنا: وحقيقة الإغلاق أن يغلق على الرجل قلبه، فلا يقصد الكلام، أو لا يعلم به، كأنه انغلق عليه قصده وإرادته. قلت: قال أبو العباس المبرد: الغلق: ضيق الصدر، وقلة الصبر بحيث لا يجد مخلصا، قال شيخنا: ويدخل في ذلك طلاق المكره والمجنون، ومن زال عقله بسكر أو غضب، وكل من لا قصد له ولا معرفة له بما قال.


- والغضب على ثلاثة أقسام: الثالث: أن يستحكم ويشتد به، فلا يزيل عقله بالكلية، ولكن يحول بينه وبين نيته بحيث يندم على ما فرط منه إذا زال، فهذا محل نظر، وعدم الوقوع في هذه الحالة قوي متجه.


- أن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: (من طلق كما أمره الله، فقد بين الله له، ومن خالف، فإنا لا نطيق خلافه، ولو وقع طلاق المخالف لم يكن الإفتاء به غير مطاق لهم، ولم يكن للتفريق معنى إذ كان النوعان واقعين نافذين) .
(وقال ابن مسعود - رضي الله عنه - أيضا: من أتى الأمر على وجهه فقد بين الله له، وإلا فوالله ما لنا طاقة بكل ما تحدثون) .


- ومن تأمل مذاهب العلماء قديما وحديثا من عهد الصحابة وإلى الآن، واستقرأ أحوالهم وجدهم مجمعين على تسويغ خلاف الجمهور.


- وأنتم ترتكبون أمرين: تحريم الفرج كان حلالا له بيقين، وإحلاله لغيره (يتكلم عن الطلاق الثلاث جملة واحدة والحائض والنفساء والموطوءة في طهرها).


- طلاق غير المدخول بها طلاق بائن.


- وتقسيم الألفاظ إلى صريح وكناية وإن كان تقسيما صحيحا في أصل الوضع، لكن يختلف باختلاف الأشخاص والأزمنة والأمكنة، فليس حكما ثابتا للفظ لذاته، فرب لفظ صريح عند قوم كناية عند آخرين، أو صريح في زمان أو مكان كناية في غير ذلك الزمان والمكان، والواقع شاهد بذلك.


- ولا يلزم من تحريم الجماع تحريم دواعيه، فإن الحائض يحرم جماعها دون دواعيه، والصائم يحرم منه الوطء دون دواعيه، والمسبية يحرم وطؤها دون دواعيه.


- فلما كان شأن هذا اللعان هذا الشأن جعل يمينا مقرونا بالشهادة، وشهادة مقرونة باليمين.


- ففي الصحيح الاحتجاج بجماعة من القدرية والمرجئة والشيعة، ممن علم صدقه.


- وأما الأمور الجزئية التي لا ترجع إلى أحكام كالنزول في منزل معين وتأمير رجل معين ونحو ذلك مما هو متعلق بالمشاورة المأمور بها بقوله: {وشاورهم في الأمر} [آل عمران: 159] [آل عمران:159] فتلك للرأي فيها مدخل، ومن هذا قوله صلى الله عليه وسلم في شأن تلقيح النخل: (إنما هو رأي رأيته) فهذا القسم شيء، والأحكام والسنن الكلية شيء آخر.


- وفيهما أيضا: ( «من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم ففقئوا عينه فلا دية له ولا قصاص» ) وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقال: ليس هذا من باب دفع الصائل، بل من باب عقوبة المعتدي المؤذي.


- ولا يمنع ثبوت النسب من وجه دون وجه، فهذا الزاني يثبت النسب منه بينه وبين الولد في التحريم والبعضية دون الميراث والنفقة والولاية وغيرها.