الثلاثاء، 6 يونيو 2017

مختارات من الشرح الممتع ، باب السلم

- وقد استدل ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ بهذه الآية على جوازه ؛ لأن قوله: {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ} يعم ما إذا كان الدين هو الثمن أو المثمن، فإن كان الدين هو المثمن فهذا هو السلم.

- وجواز السلم هو القياس الصحيح الموافق للأصول خلافاً لمن قال: إن السلم على خلاف الأصول؛ لأنه بيع معدوم والواقع أنه ليس بيع معدوم في الحقيقة؛ لأنه بيع موصوف في الذمة.

- والعقود فيها من هذه الجهة أربعة أنواع: 


 حالّ بحالٍّ، ومؤجّل بمؤجلٍ، ومؤجّل ثمنه معجّل مثمنه، ومعجّل ثمنه مؤجّل مثمنه. 

 الأول: الحال بالحال كأن تقول: اشتريت منك هذا الكتاب بعشرة ريالات، هذا حال بحال ولا إشكال فيه.

الثاني: المؤجل بمؤجل أن تقول اشتريت منك كتاباً صفته كذا وكذا تسلمنيه بعد سنة بعشرة ريالات مؤجلة إلى ستة أشهر، وهذا لا يصح؛ لأنه بيع كالئ بكالئ أي مؤخر بمؤخر.

الثالث: أن يعجل الثمن ويؤخر المثمن وهذا هو السلم.

الرابع: أن يعجل المثمن ويؤخر الثمن وهذا كثير في المعاملات.

ذكرنا الصورة الثانية: أن يكون كل من الثمن والمثمن مؤجلاً، وقلنا: هذا لا يصح، وهذا يقع كثيراً بين الناس اليوم، لكنهم لا يعلمون عن حكمه، فيشتري منه الشيء مؤجلاً ـ مثلاً ـ إلى سنة ثم يعطيه شيكاً مؤجلاً لمدة ستة أشهر، يعني لا يقبضه إلا بعد ستة أشهر.

فالثمن مؤجل والمثمن مؤجل، فهذا لا يصح؛ لأن كلًّا منهما مؤجل ولا بد أن يكون أحدهما أو كلاهما مقبوضاً، أما مع تأجيلهما فلا يصح.

فإن تأخر القبض بدون تأجيل، مثل أن يقول: اشتريت منك مائة صاع بر بمائة ريال ولم يسلمه، على أن يأتي به العصر أو الغد أو بعد غد لكن الثمن غير مؤجل هل يصح أم لا؟

المذهب: لا يصح، قالوا: لأن هذا بيع دَين بدين، إذ أنه ليس واحد منهما معيناً، لا عُيّن الثمن، ولا عُين المثمن.
ولكن الصحيح أن هذا صحيح، والمحظور أن يكون كل منهما مؤجلاً، أما إن لم يكن فيه تأجيل فإنه لا يشترط القبض، إلا شيئاً واحداً لا بد فيه من القبض، وهو بيع الربوي بجنسه.


 - (بمجلس العقد ) فإن قبضه بعد التفرق فلا يصح.

- (انضباط صفاته) لئلا يؤدي إلى الغرر .

- وعُلمَ من قوله: «والحامل من الحيوان» أنه يصح السلم في الحيوان؛ لأنه يمكن انضباط صفاته، ولهذا أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ: «أن يأخذ على إبل الصدقة البعير بالبعيرين والبعيرين بالثلاثة»، وهذا عكس السلم، لكن يدل على جواز البيع بالصفة بالنسبة للحيوان.

- قوله: «ويصح في الحيوان» هذا مطلق، فيشمل أي حيوان من إبل أو بقر أو غنم أو حُمُر أو ظباء أو أرانب، والدليل أن النبي صلّى الله عليه وسلّم استسلف من رجل بَكراً ، وكان عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ قد أمره النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يجهز جيشاً فنفدت الإبل، فأمره أن يأخذ على إبل الصدقة البعير بالبعيرين والبعيرين بالثلاثة ، فهذا دليل على جواز السلم في الحيوان، لكن لا بد من ضبطه، فيقال: ثني أو رباع أو جذع، سمين، ضعيف، متوسط، فلا بد أن يضبط، بكل وصف يختلف به الثمن.

- والصواب: أنه لا يشترط ذكر الجنس؛ لأن ذكر النوع كاف، إذ أن مَنْ ذكر النوع فقد ذكر الجنس؛ لأن النوع أخص، والأخص يدخل في الأعم، فلا حاجة من ذكر الأعم، وهذا القول هو الراجح، بل هو ظاهر المذهب؛ لأن صاحب المنتهى ـ وهو العمدة في مذهب الإمام أحمد عند المتأخرين ـ لم يذكر ذكر الجنس.

- يصح شرط الأردأ دون الأجود بأن يشترطه المسلم إليه.

- الثالث : أسلم إليه في تمر سكري وجاء إليه ببر، فلا يجوز القبول، حتى لو رضي؛ والسبب قالوا: إنه إذا أخذ عنه بدلاً من غير الجنس صار ذلك بيعاً، وبيع المسلم فيه لا يصح قبل قبضه وهذا على قاعدة المذهب.
 وأما القسم الثالث: فنرى ـ أيضاً ـ أنه إذا جاءه بشيء من غير جنسه ورضي الآخر فإنه لا بأس به، مثل أن يقول: هذه مائة صاع من البر بمائة صاع تمر سكري ورضي المسلم إليه، فنرى أنه لا بأس بهذا؛ لأن البر والتمر ليس بينهما ربا فضل، وهنا إذا أحضره هو وسلمه إياه انتفى ربا النسيئة، فأي محظور في هذا؟ فليس فيه ربا ولا ظلم ولا غرر.


- «وإن أسلم في المكيل وزناً، أو في الموزون كيلاً لم يصح» والصواب: أنه يصح أن يسلم في المكيل وزناً، وفي الموزون كيلاً.

- السلم فالمقصود انضباط الصفات والقدر، وهذا يحصل فيما إذا أسلم في المكيل وزناً أو في الموزون كيلاً.

- «ولا إلى الحصاد والجذاذ» الصواب يصح . وأما اشتراط أن يكون له وقع في الثمن، فليس في الحديث ما يدل عليه، ففي الحديث: «إلى أجل معلوم»، وليس فيه قيد أن يكون له وقع في الثمن؛ ولذلك لم يشترطه كثير من الفقهاء، وقد تبين أن اشتراط أن يكون له وقع في الثمن مبني على تعليل، والتعليل ينظر فيه هل يكون صحيحاً فيقبل أو غير صحيح فلا يقبل؟ فمن نظر إلى ظاهر الحديث قال: هذا لا دليل عليه، ومن نظر إلى العلة التي من أجلها شرع السلم، قال: هذا الاشتراط لا بد منه؛ لأنه إذا كان من الصباح إلى المساء والأسعار لا تختلف في هذه المدة القصيرة فلا فائدة من السلم، فهو في الحقيقة كالذي ليس له أجل، وعلى كل حال فمثل هذه المسائل إذا لم يتبين فيها الدليل من الجانبين، فهل نراعي الأحوط أو نأخذ بالرخصة؟ قد يقال إن مراعاة الأحوط أحسن لا سيما إذا كان هذا الأحوط هو الذي يكون فيه الحكم إذا رفعت القضية إلى المحكمة؛ لأنك إذا صححت هذا الشيء، والحكم المشهور بين الناس خلاف ما صححت يؤدي إلى مفاسد في المستقبل، هذه المفاسد قد تعود عليك أنت وقد تعود على غيرك، فإذا كنت لست ذا ثقة بين الناس فإنه يعود عليك أنت، يقال: هذا رجل لا يعرِف ولهذا أبطلت المحكمة ما أفتى به، وإذا كنت ذا قيمة صارت المضرة على المحكمة، واتهم القاضي بالقصور في العلم، أو بالميل إلى أحد المتخاصمين.

- ولكن شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ اختار جواز السلم الحال وهو مذهب الشافعي ـ رحمه الله ـ؛ لأنه إذا لم يصح أن يكون سلماً صار بيعاً، ومتى أمكن تصحيح العقود فإنه يجب.

 - ( أن يسلم في الذمة فلا يصح في عين) بل إنه يصح أن يسلم في عين، وتبقى هذه العين عند المسلم إليه حتى يحل أجلها؛ والأصل الصحة .

- فإن قال قائل: إذاً هل يجوز بيع المسلم فيه قبل قبضه؟
فالجواب: نعم يجوز بيعه على المسلم إليه، وعند شيخ الإسلام يجوز بيعه حتى على أجنبي، لكن فيه نظر؛ لأنه حقيقة إذا بعته على غير من هو عليه قد يتعذر عليه أخذه، ثم إذا بعته على غير من هو عليه بما يباع نسيئة معناه ما قبضه، فالتوسع غير ظاهر لي جداً، وشيخ الإسلام يجوز بيع الدين على غير من هو عليه، ولكنه يشترط القدرة على أخذه، لكن إن باعه على المسلم إليه فإنه يشترط ثلاثة شروط:
الأول: ألا يربح، بأن يبيعه بسعر يومه؛ لأنه لو باعه بأكثر من سعر يومه لربح فيما لم يضمن، وقد نهى النبي صلّى الله عليه وسلّم عن ربح ما لم يضمن ، فمثلاً أسلم في مائة صاع بُر حلَّت وقيمتها عند الوفاء مائتا درهم فقط، فقال: أبيعها عليك بمائتين وخمسين درهماً، لا يجوز؛ لأنه ربح في هذا البر قبل أن يدخل في ضمانه؛ لأنه لم يملكه ولم يقبضه، فيكون قد ربح فيما لم يضمن، ولحديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ وفيه: «لا بأس أن تأخذها بسعر يومها» ، حتى لا يربح فيما لم يضمن، فإن كانت مائة الصاع تساوي مائتي درهم وباعها عليه بمائة وخمسين يجوز؛ لأنه إذا جاز بسعر يومها فبما دونه من باب أولى، ولأننا عللنا منع الزيادة بألا يربح فيما لم يضمن، وهذا لم يربح بل خسر، والمراد بقوله «بسعر يومها» ألا تزيد، فإن نقصت فقد فَعَلْتَ خيراً.
الشرط الثاني: أن يحصل التقابض قبل التفرق فيما إذا باعه بشيء يجري فيه ربا النسيئة، مثاله: أن يبيع البر بشعير، مائة صاع بر بمائتي صاع شعير، فهذا جائز بشرط التقابض قبل التفرق؛ لأن بيع البر بالشعير يشترط فيه التقابض قبل التفرق، ولحديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ: «لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تتفرقا وبينكما شيء» لأنه يبيع دراهم بدنانير أو دنانير بدراهم، وبيع الدراهم بالدنانير يشترط فيه التقابض قبل التفرق.
الشرط الثالث: ألا يجعله ثمناً لسلم آخر؛ لأنه إذا جعله ثمناً لسلم آخر فإن الغالب أن يربح فيه، وحينئذ يكون ربح فيما لم يضمن.


- فالقول الصحيح أنه يجوز هبة المسلم فيه، سواء وهبته للمسلم إليه أو لآخر.

- قوله: «ولا الحوالة به» مثل أن يقول المسلم إليه للمسلم: أحلتك بدينك على فلان؛ لأني أطلبه.


- قوله: «ولا عليه» أي: الحوالة عليه، وذلك بأن يكون المسلم في ذمته دين لشخص، فلما جاء يطلبه قال: أحيلك على فلان؛ لأن في ذمته لي مائة صاع بر سلماً، فيقول المؤلف: لا يصح؛ لأن هذا يقتضي صرف المسلم فيه إلى غيره وقد ورد النهي عنه؛ ويعللون بأنه يشترط في الدين المحال عليه أن يكون مستقراً ودين السلم ليس مستقراً؛ لأنه سبق أنه إذا تعذر الوفاء فله الصبر أو الفسخ فنقول: في الواقع إنه مستقر؛ لأن هذا المحال إذا حل الأجل ولم يجد شيئاً فله الصبر أو الفسخ ويرجع بالثمن.
والصواب أنه يصح، فيصح أن يحال به وأن يحال عليه؛ لعموم قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من أحيل بدينه على مليء فليتبع» .

- (ولا أخذ عوضه)  وعليه فإذا أخذ عوضه فلا بأس لكن بالشروط الثلاثة السابقة.

- (ولا يصح الرهن ولا الكفيل به ) لأنه عند تعذر الوفاء يرجع المسلم إلى هذا الرهن، فيكون قد صرف السلم إلى غيره.
فالصواب إذاً جواز أخذ الرهن والكفيل والضمين به، كلها جائزة؛ لأنه ليس فيها محظور ولا ربا ولا ظلم ولا غرر ولا جهالة، وهذه عقود توثقة والأصل في العقود الحل.