- وقوله: «استحقاق انتزاع» الحقيقة أن في هذا التعريف نظراً؛ لأن الشفعة حقيقة انتزاع الحصة، وليس استحقاقاً؛ لأن هذا المستحق لو لم ينتزع لم تثبت الشفعة، لكن لا يستحق الانتزاع إلا بشروط، فالصواب أن يقال في التعريف: (الشفعة انتزاع حصة الشريك ممن انتقلت إليه ... إلخ) دون أن يقال: «استحقاق» ؛ لأن هناك فرقاً بين الاستحقاق وبين الانتزاع، ولهذا لو باع أحد الشريكين نصيبه فالشريك الأول مستحق، فإذا أجاز البيع ولم يأخذه فهل هناك شفعة؟ لا، إذاً التعريف ليس بجيد، والصواب أن يقال: «انتزاع حصة شريكه» .
- فإذا انتقل بغير عوض على وجه اختياري كالهبة فظاهر كلام المؤلف ـ حسب المفهوم ـ أنه لا شفعة، مثال ذلك: شريكان في أرض وهب أحدهما نصيبه لشخص ثالث، فهل لشريكه أن يأخذ بالشفعة؟ على كلام المؤلف لا؛ لأنه انتقل بغير عوض لكن هذا الانتقال اختياري، فهو الذي قام بهبته، والصحيح أن فيها الشفعة؛ لأن الحكمة من إثبات الشفعة موجودة فيما خرج ملكه عن الشريك بالهبة، والحكمة إذا ثبتت فإنه لا عبرة باختلاف الصور، يعني إذا وُجدت الحكمة فسواء كان ببيع أو بهبة.
- والذي نرى أنه كلما خرج الشقص بالاختيار فإن للشريك أن يأخذ بالشفعة، سواء كان العوض مالياً أو غير مالي، فإن كان العوض مالياً فواضح أنه يأخذه بعوضه، وإن كان غير مالي قُدِّر بقيمته في السوق.
- (الذي استقر عليه العقد) لا بما جرى به العقد، لأنه قد يزاد وقد ينقص في خياري المجلس والشرط.
- ولكن القول الراجح أنه إذا انتقلت بغير عوض، فإن كان قهرياً فلا شفعة، وإن كان اختيارياً ففيه الشفعة، وبناء على هذا القول الراجح إذا انتقل بإرث، فهل للشريك أن يشفع على الورثة؟ لا؛ لأنه انتقل على وجه قهري.
ولو وهب الشريك نصيبه لشخص فهل لشريكه أن يشفع؟ على القول الراجح نعم له أن يشفع، ولكن كيف يكون الثمن؟ إذا قال الموهوب له: لا يمكن أن تأخذ مني ما ملكته بالهبة بدون عوض فنقول: تُقَدَّر قيمته من لدن أهل الخبرة فإذا قالوا: قيمته كذا، قلنا للشريك: إن أخذته بهذه القيمة فلك الحق وإلا فلا حق لك.
- والصحيح أنه يشفع؛ لأن القاعدة التي تظهر لي من السنة أنه متى انتقل الملك على وجه اختياري، ففيه الشفعة بأي حال من الأحوال.
- وقوله: «تجب قسمتها» احترازاً من الأرض التي لا تجب قسمتها، ومعنى قوله: «تجب قسمتها» أنه إذا طلب أحد الشركاء القسمة قسمت إجباراً، وإلا فإن الأرض لا تجب قسمتها، فالشركاء متى شاؤوا قسموا ومتى شاؤوا بقوا على الشركة.
- ولهذا كان الأولى أن يقال: الأرض التي لا تجب قسمتها ولا تقسم إلا بالاختيار أولى بثبوت الشفعة من الأرض التي تقسم إجباراً، وهذا هو المعقول.
- وهذا هو القول الراجح، أن الجار له الشفعة في حال وليس له الشفعة في حال، فإذا كانت الطريق واحدة، أو الماء الذي يسقى به الزرع واحداً، أو أي شيء اشتركا فيه من حق الملك فإن الشفعة ثابتة، وإذا لم يكن بينهما حق مشترك فلا شفعة، هذا هو القول الراجح في ثبوت الشفعة للجار، وعليه يحمل حديث: «الجار أحق بسقبه» ، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ
- القول الراجح أن الشفعة تثبت في كل مشترك، سواء كان أرضاً، أم أوانِيَ، أم فرشاً، أم أي شيء.
- فالصواب إذاً أن الشفعة واجبة حتى في الأرض التي لا تقسم إلا اختياراً خلافاً لكلام المؤلف ـ رحمه الله ـ.
- إذاً القول الراجح أنها ليست على الفور بل هي على التراخي ولا تسقط إلا بما يدل على الرضا، ووجه هذا القول أنه حق جعله الشارع للشريك فلا يسقط إلا برضاه.
- ولكن القول الراجح في هذه المسألة أن له الشفعة، أي: للشريك الذي نصيبه الوقف أن يأخذ بالشفعة؛ لأن العلة الثابتة فيما إذا كان الملك طلقاً هي العلة الثابتة فيما إذا كان وقفاً، بل العلة فيما إذا كان وقفاً أوضح؛ لأن هذا الوقف لا يمكن أن يتخلص منه الموقوف عليه، ولو كان طلقاً لكان إذا وجد الشريك الجديد سيئ المعاملة يبيع نصيبه وينتهي، فالشفعة في شركة الوقف أحق منها في شركة الطلق؛ لأن تضرر الشريك في الوقف أشد من تضرر صاحب الملك الطلق.
وأما قولهم: إنه غير تام، فيقال: هو تام باعتبار أن الموقوف عليه يملك الوقف، حتى عند الأصحاب ـ رحمهم الله ـ قالوا: إن الوقف يملكه الموقوف عليه لكنه ملك قاصر.
- (ولا لكافر على مسلم) فالمسألة فيها خلاف بين العلماء، ولو قلنا برجوع هذا إلى نظر الحاكم أي القاضي لكان هذا جيداً، ويظهر هذا بالقرائن، فإذا عرفنا أن الكافر سوف يفتخر بأخذ الشفعة من المسلم ويرى أنه علا عليه فحينئذ لا نمكنه، أما إذا علمنا أن الكافر مهادن وأنه لم يأخذ بالشفعة إلا لأنه مضطر إليها لمصلحة ملكه، فإننا نمكنه منها.
فصل
- الراجح في هذه المسألة أنه إذا تصرف المشتري بهبته أو وقفه أو جعله صداقاً أو ما أشبه ذلك، فإن للشفيع أن يشفع.
- لا تسقط بالرهن ولا بالإجارة.
- (وللمشتري الغلة) لأنها نماء ملكه.
- (وَإِنْ مَاتَ الشَّفِيعُ قَبْلَ الطَّلَبِ بَطَلَتْ، وَبَعْدَهُ لِوَارِثِهِ) قالوا: لأنه يشبه مَنْ أَوْجَبَ البيعَ ثم مات قبل قبول المشتري، فإن الإيجاب يبطل، قالوا: وكذلك الشفعة تبطل إذا مات قبل أن يطالب.
ولكن هذا القياس ليس بصحيح؛ لأنه إذا مات الموجب قبل القبول لم يتم البيع، فإن العقد لا يتم إلا بإيجاب وقبول، أما هذه المسألة فإن الشفعة ثبتت بمجرد بيع الشريك، فصارت حقاً للشفيع، وهي متعلقة بالمال لا ببدنه فإنها تبقى لمن ورث المال بعده، ونظير ذلك لو اشترى الإنسان شيئاً وتبين فيه عيب، ولكنه مات قبل أن يطالب به، فللورثة المطالبة به، .. القول الراجح في هذه المسالة أنه ينتقل حق المطالبة بالشفعة إلى الوارث.
- قوله: «وعهدة الشفيع على المشتري وعهدة المشتري على البائع» أصل العهدة ما يتعهد به الإنسان لغيره، والمراد بها ما يترتب على العقد؛ وذلك لأن المتعاقدين قد تعهد كل منهما للآخر بما يقتضيه ذلك العقد، وهي ما نعرفه بالمسؤولية التي يطالب بها الإنسان، فمسؤولية الشفيع على المشتري وعهدة المشتري على البائع، يعني لو ظهر أن الشقص مغصوب.