الجمعة، 15 سبتمبر 2017

مختارات من الشرح الممتع ، باب الرهن

- الصحيح أنه يصح توثيق الدين بالمنافع أو بالدين.

- وعقود التوثقة ثلاثة أشياء: الشهادة والرهن والضمان ومنه الكفالة أيضاً. وكلها في القرآن.

- وإذا قال: رهنتك ما في بطن هذه الشاة فلا يجوز؛ لأنه لا يجوز بيعها، والصحيح أنه يصح رهنها؛ لأن الرهن ليس عقد معاوضة حتى نقول: لا بد من تحريره وعلمه، فهذا الحمل الذي في البطن لا يخلو من أربع حالات: إما أنه أكثر من قيمة الدين أو يكون أقل أو يكون مساوياً أو يموت، فإذا مات أو خرج معيباً بحيث لا يساوي قيمة الدين فلم يَضِع الحق، وغاية ما هنالك أن الوثيقة التي كان يؤمل عليها نقصت أو عدمت ولكن حقه باق، فإذا خرج الحمل أكثر من الحق فقد زاد على الحق، ويجوز أن أرهن عيناً أكثر من الدين، فما دامت المسألة توثقة فقط والحق باق لن يضيع، فالصحيح أنه جائز، والرسول صلّى الله عليه وسلّم إنما نهى عن بيع الغرر ، وفرق بين البيع الذي يقصد فيه التحري في مقابلة العوض بالعوض، وبين شيء لا يقصد منه إلا التوثقة، إن حصلت فهي كمال وإن لم تحصل فالحق باق.

- فالصواب: أن الرهن جائز مع الحق وقبل الحق وبعد الحق.

- والصحيح أنه يصح أن يؤخذ رهن بالأعيان؛ لأن ذلك عقد جائز لا يتضمن شيئاً محظوراً، وليس فيه ضرر، وليس هذا كالتأمين؛ لأن التأمين يدفع المؤمِّن الدراهم على كل حال سواء حصل النقص أم لم يحصل، أما هذا فهو رهنه هذا الشيء، فإن حصل على السيارة تَلَفٌ أخذه من الرهن، وإن لم يحصل تلف فالرهن لصاحبه وكذلك الكتاب.

- قوله: «بدين ثابت» هذا متعلق بقوله: «يصح» أي: لا بد أن يكون الرهن بدين ثابت على الراهن، فالراهن هو الذي يبذل الرهن وهو الذي عليه الدين، فلا بد أن يكون دينه ثابتاً ـ أي: الدين الذي عليه ـ فإن كان غير ثابت كدين الكتابة ـ مثلاً ـ، فإنه ليس ثابتاً على المكاتب؛ إذ في إمكان المكاتب أن يُعجز نفسه، فلا يصح الرهن به، وكذلك الدين الذي على العاقلة، فإذا جاء أحد إلى عاقلة شخص قاتل خطأً، وقال: أعطوني الدية، فقالوا: الدية مؤجلة، فقال: أعطوني بها رهناً، فإن الرهن هنا لا يصح؛ لأن الدية ليست ديناً ثابتاً، إذ أنها لا تجب على العاقلة إلا إذا كانوا أغنياء في وقت الدفع، فلا يصح الرهن بها؛ وذلك لأن الرهن عقد لازم، والدين غير الثابت ليس بلازم، ولا يمكن أن يوثق غير الثابت بالثابت، فلذلك قالوا: لا يصح أن يرهن إلا بدين ثابت.
والقول الراجح أنه يصح الرهن بالدين غير الثابت، ويكون الرهن تبعاً للدين، إن استقر الدين وثبت، ثبت الرهن واستقر، وإلا فلا؛ لأن الرهن فرع عن الدين، فإذا كان الدين غير ثابت، صار الرهن كذلك غير ثابت حتى يثبت الدين.

- والدليل على جواز بيع المشاع قول جابر ـ رضي الله عنه ـ «قضى النبي صلّى الله عليه وسلّم بالشفعة في كل ما لم يُقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة»، فهذا يدل على جواز بيع المشاع، فإذا كان بيع المشاع جائزاً كان رهنه جائزاً؛ لأنه إذا حل أجل الدين ولم يوف بيع، وبيع المشاع جائز، إذاً يصح رهن المشاع.

- (ويَجُوزُ رَهْنُ المَبِيعِ غَيْرِ المَكِيلِ وَالمَوْزُونِ عَلَى ثَمَنِهِ وَغَيْرِهِ) مثال ذلك: باعه كتاباً بعشرة دراهم لمدة ستة أشهر بشرط أن يرهنه نفس الكتاب، فهذا رهن المبيع على ثمنه، وهو رهن مع الحق.
وقوله: «وغيره» أي: كما لو كان عند المشتري له دين سابق فقال: سأبيعك هذا الشيء وأرهنه بدينك السابق، فهذا جائز وهو رهن بعد الحق.
ويجوز رهنه على ثمنه وغيره جميعاً، فمثلاً باعه كتاباً بعشرة دراهم ثمناً مؤجلاً، وعليه من قبل عشرة دراهم، فقال البائع: أرهني هذا الكتاب على ثمنه وعلى الدين السابق فهذا يجوز.
وقوله: «غير المكيل والموزون» المكيل والموزون لا يجوز رهنه على ثمنه، ولا على غيره، وهذا إنما يستثنى فيما إذا رهنه قبل القبض؛ لأن المكيل والموزون لا يجوز بيعهما إلا بعد القبض، أي: لو بعت عليك مائة صاع بر بمائتي ريال، وقلتُ: أنا سوف أرهن المائة صاع حتى تعطيني مائتي الريال، فالمؤلف يقول لا يجوز؛ لأن ما لا يصح بيعه لا يصح رهنه، والمكيل قبل أن يقبض لا يجوز بيعه، فلا يجوز رهنه، هذا وجه العلة، ومثل ذلك المعدود والمذروع؛ لأنه لا يجوز التصرف في المعدود حتى يعده، فكل ما لا يجوز بيعه لا يجوز رهنه.
إذاً كل مبيع يرهنه الإنسان على ثمنه، إن كان بعد القبض فلا بأس به مطلقاً بدون تفصيل، وإن كان قبل القبض نظرت فإن كان يصح بيعه قبل قبضه جاز رهنه وإلا فلا؛ لأن الرهن فرع للبيع وهذا هو المذهب.
والصحيح الجواز؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم إنما نهى عن بيع المبيع قبل قبضه على غير بائعه؛ والحكمة من ذلك لئلا يربح فيما لم يدخل في ضمانه، ولئلا يربح ربحاً يغار منه البائع ويحاول فسخ البيع، أما إذا رهنه على البائع وهو مكيل أو موزون، فالصحيح أنه جائز، وأنه لو قال البائع الذي باع عليه مائة صاع بمائتي ريال: أنا لا أسلمك الأصواع إلا أن تأتيني بالثمن، أريد أن تكون عندي رهناً، فالقول الراجح أنه جائز؛ وذلك لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم إنما نهى عن بيع المكيل والموزون قبل قبضه على غير بائعه، وهذا رهن على بائعه، فإذا حلَّ الأجل، وكان الدين مؤجلاً ولم يوفِ، باعه البائع واستوفى حقه.

- مسألة: رهن الثمرة قبل خروجها، والزرع قبل زرعه لا يصح، يؤخذ من قوله: «إلا الثمرة والزرع» ، وقبل الخروج الثمرة معدومة، والرهن توثقة دين بعين، وهنا لا عين،لكن عمل الناس على خلاف ذلك فيرهنون ذلك باعتبار المآل.

- (وَلاَ يَلْزَمُ الرَّهْنُ إِلاَّ بِالقَبْضِ) فالصواب أنه يلزم بمجرد العقد، وأن القبض من التمام ،لأننا متفقون على أن الرهن يثبت بالعقد، وهو الذي عليه عمل الناس من قديم الزمان ـ وهو خلاف المذهب ـ فتجد الفلاح يستدين من الشخص ويرهن مزرعته وهو باقٍ في المزرعة، ويستدين صاحب السيارة من شخص ويرهن السيارة والسيارة بيد صاحبها، وكلٌ يعرف أن هذا المرهون لا يمكن أن يتصرف فيه الراهن، وأن الرهن لازم، ولا يملك الراهن أن يفسخه.

- (وَلاَ يَنْفُذُ تَصَرُّفُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيهِ بغَيْرِ إِذْنِ الآخَرِ) أما الراهن؛ فلأن الرهن مشغول بحق غيره، وأما المرتهن فلأنه ليس مالكاً ولا قائماً مقام المالك.

- (إلا عتق الراهن .. مكانه) الصواب أن عتقه حرام ولا يصح، وأما قولهم : (قوة سريانه) فنقول : مالم يبطل به حق الغير.

- وكل مال حصل بإذن من المالك، أو إذن من الشارع فهو بيد صاحبه أمانة، بإذن من المالك كالوكيل، وإذنٍ من الشارع مثل ولي اليتيم، وضد ذلك الغاصب فإن المال بيده ليس أمانة ولهذا يضمنه مطلقاً.

- قوله: «وتجوز الزيادة فيه دون دينه» مثاله: رجل استدان من شخص خمسين ألفاً، وقال له: لك البيت رهناً، ثم إن المدين احتاج زيادة مال فجاء إلى المرتهن وقال: أقرضني، قال: أعطني رهناً، قال: الرهن الأول، فالدين الأخير يتبع الرهن الأول، يقول المؤلف: إن هذا لا يجوز؛ لأن الرهن مشغول بالدراهم الأولى.
والصواب: الجواز، وأنه لا بأس بزيادة الدين؛ لأنه برضا الطرفين وفيه مصلحة للراهن، وقولهم: إن المشغول لا يشغل، فصحيح إذا كان الشاغل أجنبياً، أما إذا كان الشاغل هو الشاغل الأول ورضي بذلك فما المانع؟! ولهذا عمل الناس على جواز الزيادة في الدين، أي: خلاف المذهب، فيأتي الفلاح عندنا ويستدين من التاجر ويقول: أرهنك الفلاحة بهذا الدين، ثم يستدين منه مرة ثانية، ويقول: هذا الدين داخل في الرهن الأول، والقضاة يحكمون بصحة ذلك.


فصل


- قوله: «في البيع لم يبع إلا بنقد البلد» والصحيح أنه يبيعه أولاً بجنس الدين ثم بنقد البلد.

- وَإِنِ ادَّعَى دَفْعَ الثَّمَنِ إِلى المُرْتَهِنِ فَأنْكَرَهُ وَلاَ بَيِّنَةَ وَلَمْ يَكُنْ بِحُضُورِ الرَّاهِنِ فهنا يضمن العدل؛ لأنه فرط بعدم إشهاده،والخلاصة: أن العدل إذا أوفى المرتهن بدون بينة، ولا حضور الراهن وأنكر المرتهن فعليه الضمان.

- وَإِنْ شَرَطَ ألاَّ يَبِيعَهُ إِذَا حَلَّ الدَّيْنُ، أوْ إِن جَاءَهُ بِحَقِّهِ فِي وَقْتِ كَذَا، وَإِلاَّ فَالرَّهْنُ لَهُ لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ وَحْدَهُ والدليل قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا يَغْلَقُ الرهن من صاحبه»الصحيح أنه يصح وأما التعليل بأن البيع المعلق لا يصح فيحتاج إلى دليلغَلْقُ الرهن من صاحبه، أنه إذا حل الدين ولم يأت به أخذه المرتهن قهراً، سواء يساوي الدين أو أكثر أو أقل، هذا الذي يقال: إنه غلق من صاحبه، وكانوا في الجاهلية إذا رهنوا الشيء وحل الأجل ولم يوفوا امتلكه المرتهن، وأخذه ملكاً له، رضي الراهن أم لم يرض، فهذا لا شك أنه إغلاق للرهن، وتَمَلُّكٌ له بغير حق، وأما إذا كان باختيار صاحبه فإنه لم يغلق عليه أحد.

- (وَيُقْبَلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ فِي قَدْرِ الدَّيْنِ والرهن ورده) والصواب في ذلك التفصيل وأن القول قول من يشهد العرف له؛ لأن الظاهر إذا قوي غُلِّب على الأصل، فإذا وجدت قرينة قوية تدل على رجحان من ادعى الظاهر غلب على الأصل كما سبق.

- (ورده) وعلى هذا فنقول: إذا ادعى المرتهن أنه رد الرهن إلى الراهن فإننا لا نقبل قوله، فالقول قول الراهن.
وليعلم أن من كان القول قوله فلا بد من اليمين؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «اليمين على من أنكر».

- قاعدة: «أن من قبض الشيء لحظ نفسه كالمستعير لم يُقبل قوله في الرد، ومن قبضه لحظ مالكه كالمودَع قُبل قوله في الرد، ومن قبضه لحظهما جميعاً مثل الرهن والعين المؤجرة لم يقبل قوله في الرد، كمن قبض الشيء لحظ نفسه؛ تغليباً لجانب الحماية، وعلى هذا فلا يقبل قول المستأجر في رد العين المؤجرة إلا ببينة.
أما في التلف فكل من كانت بيده العين بإذن من مالكها أو من الشرع فقوله في التلف مقبول، إلا إذا ادعى التلف بسبب ظاهر، فإنه يلزم بإقامة البينة على هذا الظاهر، ثم يقبل قوله في أن هذا المال تلف من جملة ما تلف.

- (وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ مُلْكُ غَيْرِهِ، أَوْ أَنَّهُ جَنَى قُبِلَ عَلَى نَفْسِهِ وَحُكِمَ بِإقْرَارِه بَعْدَ فَكِّهِ) لأن حق المرتهن سابق على هذا الإقرار.


فصل


- وَلِلْمُرتَهِنِ أَنْ يَرْكَبَ مَا يُرْكَبُ وَيَحْلِبَ مَا يُحْلَبُ بِقَدْرِ نَفَقَتِهِ فيقال ـ مثلاً ـ: هذا البعير الذي يركبه المرتهن لو استأجره لمدة عشرة أيام لكانت الأجرة مائة، والنفقة قدرها مائة، حينئذٍ تساوت النفقة والأجرة، فلا شيء له وليس عليه شيء؛ لأنه ركب بقدر النفقة.
فإذا كانت أجرته أكثر من النفقة، فلا بد أن يدفع ما زاد على النفقة، فإذا قدرنا أن نفقته خمسون، وأن أجرته مائة، فعليه أن يدفع خمسين؛ لأنه لو لم يفعل لكان ظالماً للراهن، وإذا كان دينه قرضاً صار دينه قرضاً جر نفعاً.

- الأصل في مال الغير أنه محترم لا يجوز الانتفاع به.

- والمتبرع لا يرجع في تبرعه؛ لأن رجوعه في تبرعه رجوع في الهبة وهو حرام.

- وكل من أنقذ مال غيره من هلكة فله الرجوع بمثل عمله.

- (وَلَو لَمْ يَسْتَأذِن الحَاكِمَ) والصحيح ما ذهب إليه المؤلف أنه لا يحتاج إلى إذن الحاكم.

- قوله: «ولو خرب الرهن فعمَّره بلا إذن رجع بآلته فقط» والآلة عندهم أي: مادة الشيء، يعني مواد البناء، أي: بما جعل فيه فقط، كاللَّبِن والحديد والأبواب وما أشبهها، فيرجع بهذه فقط دون أجرة العمال، والماء، وما أشبه ذلك، والفرق بين هذا وبين الحيوان، أن الحيوان يحتاج إلى نفقة أما هذا فلا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق