- والعطية معطوفة على الهبة من باب عطف الخاص على العام؛ لأن العطية هي التبرع بالمال في مرض الموت المخوف، فهي أخص من الهبة، والهبة أن يتبرع بالمال في حال الصحة، أو في مرضٍ غير مخوف، أو في مخوف لم يمت به.
- والصواب: أنه يصح هبة المجهول، سواء تعذر علمه أم لم يتعذر.
- الهبة لا تلزم إلا بالقبض، فإذا قبضها فليس فيها خيار مجلس؛ لأن هذا عقد تبرع، والذي فيه خيار المجلس هو عقد المعاوضة.
- القول الراجح هو ما ذكره المؤلف أن الأولاد يعطون على حسب ما ذكر الله ـ عزّ وجل ـ في كتابه في إرثهم: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} ولا شك أنه لا أعدل من قسمة الله ـ عزّ وجل ـ، ومن قال: إن هناك فرقاً بين الحياة والممات، فإنه يحتاج إلى دليل على ذلك، فنقول: هم في الحياة وبعد الممات سواء.
وأفادنا المؤلف ـ رحمه الله ـ بقوله: «في عطية» أنه بالنسبة للنفقة لا يكون التعديل بينهم بقدر إرثهم، بل بقدر حاجتهم.
- هل يفضِّل بينهم باعتبار البِرِّ؟ يعني إذا كان أحدهما أبر من الآخر، فقال: سأعطي البار أكثر مما أعطي العاق؛ تشجيعاً للبار وحثاً للعاق؟ فهذا لا يجوز.
- الأب لو أبرأ ابنه من دين فليس له الرجوع؛ لأن الإبراء ليس بهبة، بل هو إسقاط.
- وقوله: «إلا الأب» يخرج به الجد، فليس له أن يرجع فيما وهب لابن ابنه، أو لابن بنته، ويخرج من ذلك الأم، فليس لها أن ترجع فيما وهبت لابنها.
- الظاهر أن الحديث يدل على صحة تصرف الأب في مال ابنه إذا لم يضره أو يحتاجه، وأما الإبراء فليس له ذلك؛ لأن قوله صلّى الله عليه وسلّم: «أنت ومالك لأبيك» ، لا يدخل فيه الدَّين؛ لأن الدَّين لا يكون مالاً للابن حتى يقبضه.
- وأعتقد أن هذا العمل من الابن ـ أعني مطالبة أبيه بالنفقة ـ لا يخالف المروءة؛ لأن الذي خرم المروءة هو الأب، لِمَ لم ينفق؟! فإذا طالب أباه بالنفقة فله ذلك وله حبسه عليها.
- قوله: «وذات الجنب» وهو وجع في الجنب في الضلوع، يقولون: إن سببه أن الرئة تلصق في الضلوع، ولصوقها هذا يشل حركتها، فلا يحصل للقلب كمال دفع الدم وغير ذلك من أعماله، فهذا من الأمراض المخوفة.
وكان هذا الداء كثيراً جداً فيما سبق وقد عشنا ذلك، لا سيما في استقبال الشتاء، ولكنه ـ سبحان الله ـ يُشْفَى بإذن الله ـ عزّ وجل ـ بالكي، وهو أحسن علاج له، حتى إن بعض المرضى يغمى عليه، ويبقى الأيام والليالي وقد أغمي عليه، ثم يأتي الطبيب العربي، فيقص أثر الألم في الضلوع ثم يَسِم محل الألم بوَسْمٍ ثم يكويه، فإذا كواه ـ سبحان الله ـ لا يمضي ساعة واحدة إلا وقد تنفس المريض، ولذلك لا يوجد علاج فيما سبق لذات الجنب إلا الكي.
وذات الجنب تؤدي إلى الهلاك لا شك، ومن مات بذات الجنب لم يُعَدَّ مات بشيء غريب.
- والصواب في هذه المسألة: أنه إذا قال طبيب ماهر: إن هذا مرض مخوف، قبل قوله، سواء كان مسلماً أو كافراً، ولو أننا مشينا على ما قال المؤلف لم نثق في أي طبيب غير مسلم، مع أننا أحياناً نثق بالطبيب غير المسلم أكثر مما نثق بالطبيب المسلم، إذا كان الأول أشد حذقاً من الثاني.
ثم إن صناعة الطب يبعد الغدر فيها من الكافر؛ لسببين:
الأول: أن كل إنسان يريد أن تنجح صناعته، فالطبيب ولو كان غير مسلم يريد أن تنجح صناعته، وأن يكون مصيباً في العلاج وفي الجراحة.
الثاني: أن من الأطباء من يكون داعية لدينه وهو كافر،وإذا كان داعية لدينه فلا يمكن أن يغرر بالمسلم؛ لأنه يريد أن يمدحه الناس ويحبوه ويحترموه؛ لأنه ناصح، فالصواب في هذه المسألة أن المعتبر حذق الطبيب، والثقة بقوله، والأمانة، ولو كان غير مسلم، والدليل على هذا أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أخذ بقول الكافر في الأمور المادية التي مستندها التجارب، وذلك حينما استأجر رجلاً مشركاً من بني الديل اسمه عبد الله بن أريقط ليدله على الطريق في سفره في الهجرة ، فاستأجره النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو كافر، وأعطاه بعيره وبعير أبي بكر؛ ليأتي بهما بعد ثلاث ليال إلى غار ثور، فهذا ائتمان عظيم على المال وعلى النفس.
وحتى العدالة، فلو أننا اشترطناها في أخبار الأطباء ما عملنا بقول طبيب واحد إلا أن يشاء الله؛ لأن أكثر الأطباء لا يتصفون بالعدالة، فأكثرهم لا يصلي مع الجماعة ويدخن ويحلق لحيته، فلو اشترطنا العدالة لأهدرنا قول أكثر الأطباء.
وكذلك العدد، فالمؤلف اشترط أن يكون اثنين فأكثر، ولكن الصحيح أن الواحد يكفي؛ لأن هذا من باب الخبر المحض، ومن باب التكسب بالصنعة، فخبر الواحد كافٍ في ذلك.
- (في البلد التي وقع بها الطاعون) قيد النبي صلّى الله عليه وسلّم منع الخروج بما إذا كان فراراً، أما إذا كان الإنسان أتى إلى هذا البلد لغرض أو لتجارة وانتهت، وأراد أن يرجع إلى بلده فلا نقول: هذا حرام عليك، بل نقول: لك أن تذهب.
- قوله: «ولا بما فوق الثلث إلا بإجازة الورثة لها» يعني ولا بما فوق الثلث لأجنبي، فالأجنبي حده الثلث، فإذا أجاز الورثة فلا بأس، والورثة الذين تعتبر إجازتهم هم الذين يصح تبرعهم، ولا بد أن تكون الإجازة بعد الموت.
- تصح إجازة الورثة في مرض الموت المخوف؛ لأن سبب إرثهم قد انعقد وهم أحرار.
- يجوز أن يعطي بعض الورثة دون الآخرين، إن كانوا مِنْ غير الأولاد على القول الراجح، ويجوز أن يتبرع بأكثر من الثلث؛ لأن الصحيح يجوز أن يتبرع بجميع ماله.
- وقد ذكرنا أنه يصح على قول أن يوصي الإنسان بتزويج بناته وهذا هو المذهب، والصحيح أنه لا تصح وصيته بتزويج بناته؛ لأنه ولي على بناته ما دام حياً، وترتيب الولاية ليست إلى الولي، بل هي إلى ولي الولي وهو الله ـ عزّ وجل ـ، وعلى هذا فإذا مات الإنسان انقطعت ولايته في تزويج بناته، كما تنقطع ولاية بقية الأولياء.
فلو قال شخص عند موته: أوصيت إلى فلان أن يتولى تزويج بناتي ثم مات ولهن عم، فالقول الراجح أن يزوجهن العم، والقول الثاني: يزوجهن الوصي، وذكر هذه المسألة صفحة 193 من هذا الجزء في باب الموصى إليه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق